أخر تحديث للموقع
اليوم - الساعة 03:27 ص بتوقيت مدينة عدن

مقالات الرأي

  • تأملات في سورة الشمس.. إنها دعوة للتعايش والتسامح

    إلهام محمد زارعي




    تبدأ سورة الشمس بأعظم قسم من الله عز وجل، حيث يقسم بخمسة من أعظم مخلوقاته في الكون: الشمس، القمر، النهار، الليل، والسماء. ما الذي يلفت الانتباه في هذه الأقسام المتتالية؟ إنه تسليط الضوء على دقة وتناغم الخلق، على التوازن المثالي الذي يحكم الكون.

    1 . "والشمس وضحاها"

    هنا، يقسم الله بالشمس التي تضيء النهار، وهي رمز للنور والتفاؤل والوضوح. فكما تشرق الشمس وتبدد الظلام، كذلك يجب على قلوبنا أن تشرق بالنية الطيبة والنوايا الصافية.

    2 . "والقمر إذا تلاها"

    ثم يأتي القسم بالقمر الذي يتبع الشمس في سيره، معبرًا عن مرحلة التوازن بعد النهار. فكما يتبع القمر الشمس، كذلك يجب أن نعيش في تناغم مع من حولنا في اختلافاتهم.

    3 . "والنهار إذا جلاها"

    يقسم الله بالنهار الذي يكشف الظلمة ويجليها. إذا كان النهار يزيل الغموض، فإننا بحاجة إلى إضاءة قلوبنا بالصدق والمحبة لتزول الأحقاد والتعصبات.

    4 . "والليل إذا يغشاها"

    يقسم الله بالليل الذي يغشى الأرض فيغطيها. الليل رمز للسكينة والهدوء، وهي دعوة لنا في أوقات الصمت والتأمل لأن نكون أكثر تسامحًا مع أنفسنا ومع الآخرين.

    5 . "والسماء وما بناها"

    ثم يقسم الله بالسماء، التي هي بنية محكمة ومتناغمة. هي دعوة لنا للنظر إلى السماء كرمز للوحدة والتوازن، ليكون عملنا في الأرض محكمًا ومتزنًا أيضًا.

    6 . "والأرض وما طحاها"

    وبعد السماء، يقسم الله بالأرض التي بسطها وأقام عليها حياة متنوعة. كأن الله يذكرنا بضرورة احترام التنوع والاختلاف، بأن نعيش مع بعضنا البعض في وئام دون تصادم.

    7 . "ونفس وما سواها"

    وأخيرًا، يقسم الله بالنفس التي خلقها وسواها. هذه النفس التي تحتوي على كل الإمكانيات، وجعلها الله قابلة للخير والشر على حد سواء. في هذا القسم، نجد دعوة عظيمة لتزكية النفس، لتطهيرها من الكبر والأنانية.

    ثم تأتي النتيجة الكبرى: "قد أفلح من زكاها".

    فالفلاح هنا، هو النجاح الحقيقي الذي يتحقق عندما نطهر أنفسنا وننميها بالخير والصدق. فالله قد أقسم بما هو أعظم خلقه لتكون النتيجة واضحة: فلاح من يزكي نفسه ويتسم بالعطاء والتسامح. وفي هذا إشارة إلى أن نجاحنا، ليس في جمع المال أو السلطة؛ ومقاضاة الآخرين بسبب تنوعهم واختلافهم عنا في الدين والفكر والرأي، بل في تطهير القلب من كل ما يعكر صفوه، وفي التسامح، وفي بناء علاقة سليمة مع الآخرين.

    تخيلوا معي الآن..!

    لو وقف شخص أمامنا وأقسم لنا بحقيقة ما يقوله، فإننا من أول قسم نقول له: "لا تحلف أنا واثق".. فما بالنا بالخالق عز وجل وهو يكرر القسم ليثبت لنا

    أن أعظم امتحان سنواجهه في حياتنا وأكبر درس يكمن في مدى تسامحنا وتعايشنا مع الناس من حولنا.

    بعد هذا القسم المتكرر، هل يمكن أن نكون في شك في أن الله عز وجل يدعونا إلى السلام الداخلي والخارجي؟ هل يمكن أن نكون في شك في أن الفلاح الحقيقي يكمن في قدرتنا على التسامح والتعايش مع الآخرين؟ أن نطهر قلوبنا من الحقد والغل، وأن نعيش مع الآخر بتفاهم واحترام، مهما كانت اختلافه؟

    سر الفلاح والنجاح..!

    يكمن في التعايش والتسامح يكمن في قلب مليء بالحب والاحترام، في قلب يدرك أن الاختلافات هي من صميم التنوع الذي خلقه الله. فدعونا نتصالح مع أنفسنا ومع الآخرين، لنكون مثل الشمس التي تشرق ولا تفرق، والقمر الذي يتبع ويكمل، لنحقق الفلاح الحقيقي.

    ودمتم سالمين

المزيد من مقالات (إلهام محمد زارعي)

Phone:+967-02-255170

صحيفة الأيام , الخليج الأمامي
كريتر/عدن , الجمهورية اليمنية

Email: [email protected]

ابق على اتصال