تشهد المنطقة العربية مرحلة دقيقة تتسم بتغيرات سياسية جذرية، خاصة بعد سقوط نظام الأسد في سوريا، وانتخاب رئيس جديد للبنان في ظل واقع سياسي متشابك، واستمرار مساعي نقل السلطة في اليمن عبر مشاورات الرياض 1 و2. تعكس هذه التحولات واقعًا معقدًا حول مفهوم ولاية الرئاسة والتحديات المرتبطة بالتداول السلمي للسلطة في الدول العربية.
- لبنان: انتخاب رئيس بعد فراغ سياسي
شهد لبنان أزمة سياسية خانقة، تفاقمت في ظل غياب رئيس الدولة لفترة طويلة، مما أثر على استقرار مؤسسات الدولة. جاء انتخاب الرئيس الجديد بمثابة بصيص أمل، رغم تعقيد المشهد الداخلي والخارجي. يُنظر إلى هذا الانتخاب كخطوة لإعادة ترتيب البيت الداخلي في ظل التداعيات الكارثية للحرب الإسرائيلية الأخيرة على الجنوب، واستهداف البنية التحتية لحزب الله. ومع ذلك، يظل نجاح الرئاسة رهينًا بقدرتها على تحقيق توازن بين الأطراف المتصارعة وتخفيف الانقسام الداخلي.
- سوريا: سقوط نظام الأسد وإعادة تشكيل السلطة
في سوريا، شكل سقوط نظام الأسد تحولًا مفصليًا في تاريخ البلاد، وأعاد طرح تساؤلات حول شكل الحكم المستقبلي. تتطلب المرحلة الانتقالية مؤسسات قوية تحد من هيمنة الفرد وتضمن تداول السلطة. يمثل هذا تحديًا كبيرًا في ظل محاولات القوى الإقليمية والدولية فرض أجنداتها على الدولة السورية، مما يهدد بإطالة أمد الفوضى.
- اليمن: نقل السلطة ومشاورات الرياض
أما اليمن، فيعيش مخاضًا سياسيًا عسيرًا نتيجة الحرب المستمرة وتفكك المؤسسات. جاءت مشاورات الرياض 1 و2 محاولةً لتوحيد القوى اليمنية، إلا أن العملية تواجه تحديات مرتبطة بتقاسم السلطة وضمان مشاركة جميع الأطراف، بما يحقق الاستقرار. نقل السلطة من الرئيس هادي إلى مجلس القيادة الرئاسي كان خطوة مهمة، لكنها بحاجة إلى إطار أكثر شمولية لضمان تنفيذ إصلاحات حقيقية تعزز من مؤسسات الدولة.
- الدرس المستفاد: ضرورة التداول السلمي للسلطة
تبرز هذه التحولات الحاجة إلى إصلاح ولاية الرئاسة في الدول العربية لضمان تداول السلطة وتعزيز الشرعية. التجارب السابقة أظهرت أن التمسك بالسلطة يؤدي إلى أزمات سياسية وصراعات داخلية، مما يضعف الدولة. ينبغي أن تكون المرحلة المقبلة قائمة على مبدأ الشفافية، ودعم استقلالية المؤسسات، والاحتكام إلى إرادة الشعوب.
إن مستقبل المنطقة العربية مرهون بتبني أنظمة رئاسية تحترم التداول السلمي للسلطة، وتعزز المشاركة السياسية، بما يضمن بناء دول قوية ومستقرة.
