> أحمد محسن أحمد :
لم يعد الإنسان في يمننا الحبيب بقادر على فهم وتمييز الورم الخبيث من الورم الحميد.. وكله عندنا ورم. صادفت انسانا عزيزا جداً، له تاريخ نضالي حافل، ولازال يعيش ذكريات الأيام الخوالي.. وجدت في عنقه ورما.. فقلت له: هل عرضت نفسك على طبيب لتشخيص هذا الورم وأسبابه ومضاعفاته؟ فقال لي: لقد سافرت إلى الخارج للبحث عن العلاج المفيد.. لكن مافيش فائدة، فقلت له على الفور مواسياً لعله ورم حميد، فقاطعني بقوله: كله ورم، لا تدري هل هو حميد، أم هو خبيث.. فلم أفهم بعد إجابته، لكني انسحبت من أمامه حتى لا أزيد الطين بلة ولا أضيف معاناة جديدة لما هو فيه من معاناة. كثرت الأورام.. وكثر الناس الذين يصابون بها ولا تجد من يقول لك صدق البيان حول الأسباب والمضاعفات والنتائج.. لكني عدت من جديد لكلمات صديقي الذي قال لي في بداية حديثنا: «كله ورم» !! فوجدت الصدق في هذه الكلمات القليلة جداً.. وأنا أعرفه،، وأعرف صلابته وقوة احتماله. بل وكنت أعرف كيف يلغي نفسه من أجل قضية أو مبدأ يؤمن به. لكن الزمن لا يرحم.. والظروف التي أحاطت بالناس جعلت الكل لا يعرف أسباب ما يعانونه من أمراض تظهر عليهم بعوارضها فجأة ومن دون سابق إنذار.
وعندما بدأت أبحث هذه المسألة مع بعض رجالات الفكر والثقافة والعلوم، أجمعوا على أن الناس في يمننا الحبيب أصبحوا مثل الملاكم الذي أرهقته اللكمات المصوبة إلى وجهه من اليمين ومن اليسار حتى أنه أصبح في انتظار الضربة القاضية! ووصل الحال عند الملاكم الواقف بصعوبة على خشبة الملاكمة أن أصبح عاجزا عن التمييز.. هل كل هذه اللكمات تأتيه من الملاكم المبارز له أم أن الجمهور والحكام والمراقبين وحتى الذين يشاهدون سير المباراة عبر التلفزيون جميعهم يشاركون في توجيه اللكمات إلى وجهه؟! هذا هو حال الإنسان اليمني، أصبح مستقبلاً لكل الضربات الموجعة وهو في محاولة يائسة لمقاومة هذه الظروف اللعينة.. وعندما يأتيه ورم من تلك الأورام الخبيثة يتم إسقاطه وتوديعه للحياة غير آسف عليها.
فعلاً.. ما بالنا يا ترى نعتقد أن من يغادر هذه الحياة هو آسف لهذا الوداع المخيف؟!.. لا أحد يأسف على ما يتركه في هذه الحياة. أذكر أنني كنت أسير بجانب أحد شيوخنا الأجلاء في صنعاء بقرب مقبرة (خزيمة) ونحن نتحاور ونناقش قضايا عديدة لم نتمكن من إنجازها.. هناك مشكلة لازالت عالقة ولم نتمكن من إنهائها.. وهناك متابعات لأمور معلقة لم نستطع إنجازها لزحمة الالتزامات.. الخ، وفجأة اعترض طريقنا أحد الأصدقاء القدامى.. كان رث الملبس أشعت الرأس، تبدو عليه سمات الصراع المرير مع الحياة، ففاجأنا بالسؤال: عما كنتم تتحادثون؟ فشرحنا له الأمر.. فضحك ضحكة هستيرية، وقال: هل ترون تلك المقابر.. ألا ترون (خزيمة) أمامكم؟.. فقلنا له مادخل ذلك بذاك.. فرد علينا سريعاً: بالعكس.. تعالوا نوقظ هؤلاء ساكني المقابر ونسألهم واحداً واحداً.. كم من القضايا والمشاكل التي تركها خلفه لحظة وداعه لهذه الحياة السخيفة؟.. كل واحد منهم سيعدد لك مئات وآلاف القضايا والمشاكل التي كانت واقفة أمامه تطالبه بالجلوس وعمل حلول لها.. لكنه تركها لحظة الوداع.. ولم يندم على أي منها على الإطلاق.
بعد حديث هذا الرجل الفاقد حيويته وحماسه للحياة قلت لصديقي الشيخ: ألا ترى أن هذا ورم من أورام الحياة؟ محبط.. ويريد لنا أن نشاركه إحباطه ويأسه. فرد علي صديقي الشيخ بعد تمعن لكلامي وكلام الرجل اليائس من الحياة وقال: من يدري.. ما إذا كان ورما خبيثا أم ورما حميدا.. لكن لماذا لم نعط أهمية للأسباب التي أوصلت هذا اليائس إلى ما هو عليه من كره وتخلص من حياته اليائسة؟! انقطع حديثنا وضاع منا الرجل اليائس وانتهى سور مقبرة خزيمة. ووقفنا عند التقاطع.. هو يسألني: هل سنتجه يساراً.. أم يمينا؟ فلم أدعه يكمل.. وقلت له: أعط إشارة يمين واتجه يساراً. فابتسم.. وأخذ اتجاه الشمال وهو يردد الأغنية الشهيرة.. «لابد من صنعاء وإن طال السفر».
وعندما بدأت أبحث هذه المسألة مع بعض رجالات الفكر والثقافة والعلوم، أجمعوا على أن الناس في يمننا الحبيب أصبحوا مثل الملاكم الذي أرهقته اللكمات المصوبة إلى وجهه من اليمين ومن اليسار حتى أنه أصبح في انتظار الضربة القاضية! ووصل الحال عند الملاكم الواقف بصعوبة على خشبة الملاكمة أن أصبح عاجزا عن التمييز.. هل كل هذه اللكمات تأتيه من الملاكم المبارز له أم أن الجمهور والحكام والمراقبين وحتى الذين يشاهدون سير المباراة عبر التلفزيون جميعهم يشاركون في توجيه اللكمات إلى وجهه؟! هذا هو حال الإنسان اليمني، أصبح مستقبلاً لكل الضربات الموجعة وهو في محاولة يائسة لمقاومة هذه الظروف اللعينة.. وعندما يأتيه ورم من تلك الأورام الخبيثة يتم إسقاطه وتوديعه للحياة غير آسف عليها.
فعلاً.. ما بالنا يا ترى نعتقد أن من يغادر هذه الحياة هو آسف لهذا الوداع المخيف؟!.. لا أحد يأسف على ما يتركه في هذه الحياة. أذكر أنني كنت أسير بجانب أحد شيوخنا الأجلاء في صنعاء بقرب مقبرة (خزيمة) ونحن نتحاور ونناقش قضايا عديدة لم نتمكن من إنجازها.. هناك مشكلة لازالت عالقة ولم نتمكن من إنهائها.. وهناك متابعات لأمور معلقة لم نستطع إنجازها لزحمة الالتزامات.. الخ، وفجأة اعترض طريقنا أحد الأصدقاء القدامى.. كان رث الملبس أشعت الرأس، تبدو عليه سمات الصراع المرير مع الحياة، ففاجأنا بالسؤال: عما كنتم تتحادثون؟ فشرحنا له الأمر.. فضحك ضحكة هستيرية، وقال: هل ترون تلك المقابر.. ألا ترون (خزيمة) أمامكم؟.. فقلنا له مادخل ذلك بذاك.. فرد علينا سريعاً: بالعكس.. تعالوا نوقظ هؤلاء ساكني المقابر ونسألهم واحداً واحداً.. كم من القضايا والمشاكل التي تركها خلفه لحظة وداعه لهذه الحياة السخيفة؟.. كل واحد منهم سيعدد لك مئات وآلاف القضايا والمشاكل التي كانت واقفة أمامه تطالبه بالجلوس وعمل حلول لها.. لكنه تركها لحظة الوداع.. ولم يندم على أي منها على الإطلاق.
بعد حديث هذا الرجل الفاقد حيويته وحماسه للحياة قلت لصديقي الشيخ: ألا ترى أن هذا ورم من أورام الحياة؟ محبط.. ويريد لنا أن نشاركه إحباطه ويأسه. فرد علي صديقي الشيخ بعد تمعن لكلامي وكلام الرجل اليائس من الحياة وقال: من يدري.. ما إذا كان ورما خبيثا أم ورما حميدا.. لكن لماذا لم نعط أهمية للأسباب التي أوصلت هذا اليائس إلى ما هو عليه من كره وتخلص من حياته اليائسة؟! انقطع حديثنا وضاع منا الرجل اليائس وانتهى سور مقبرة خزيمة. ووقفنا عند التقاطع.. هو يسألني: هل سنتجه يساراً.. أم يمينا؟ فلم أدعه يكمل.. وقلت له: أعط إشارة يمين واتجه يساراً. فابتسم.. وأخذ اتجاه الشمال وهو يردد الأغنية الشهيرة.. «لابد من صنعاء وإن طال السفر».