> محمد عبدالله باشراحيل:
نعاتب مجلس النواب الموقر على إقراره قانون نظام الوظائف والأجور والمرتبات بالطريقة التي تمت، بالرغم من الملاحظات الموضوعية التي طرحتها عدد من النقابات والجهات المعنية حول مشروعي الاستراتيجية وقانون الوظائف والأجور، وكون المشروعين أُعدا بشكل متلازم ومترابط بحيث لا يمكن فصل أي منهما عن الآخر، وقد فوجئنا بعملية البتر التي تمت دون دراسة كافية وفصلت مشروع القانون عن مشروع الاستراتيجية وموافقة مجلس النواب على القانون وحده دون إعطاء هذا الموضوع الهام والحساس حقه من الوقت لإغنائه بالمناقشات والملاحظات.
هذه العجالة جعلت من هذا القانون باهتاً ومسلوقاً ورمادياً وخاضعاً لأكثر من تفسير في البعض من مواده، وعدم وضوح النص في البعض الآخر، الأمر الذي سيؤدي إلى خلق إشكالات ومشاكل نحن في غنى عنها فيما لو تريثنا، وعلى هذا نعاتب المجلس.
ونعاتب مجلس النواب أيضا على إقراره لمشروع قانون الضريبة العامة للمبيعات بطريقة توصف بالتسرّع، لأنه لم يعر اهتماماً ولم ينتظر حتى يقول مجلس القضاء الأعلى رأيه في دعوى الطعون للعديد من مواد القانون المرفوعة من الغرفة التجارية الصناعية بصنعاء، ولأنه لم يأخذ في الاعتبار ما كتب في الصحف من ملاحظات موضوعية حول قانون الضريبة للمبيعات، ومنها ملاحظاتنا التي نشرناها في جريدة «الأىام» الغراء قبل أسبوعين.
ونحن في الوقت نفسه نعاتب ونفرح معاً لأعضاء مجلس النواب، فعتابنا ناتج عن اهتمامهم في البداية بأنفسهم في الأمر المتعلق بتحسين معيشتهم وضمان مستقبلهم بحصولهم على درجة وزير مدى الحياة، قبل اهتمامهم بالقضايا الملحة المتعلقة بحياة عامة الناس كارتفاع الأسعار والبطالة وانقطاعات الكهرباء والماء ووضع الصحة والتعليم، ولكننا فرحنا لأعضاء مجلس النواب من جانب آخر فهم منّا ونحن الذين انتخبناهم، ونتمنى لهم كل الخير، ونعتقد أنه ما دامت ظروفهم قد تحسنت، فمن المؤكد من الآن وصاعداً سيتفرغون لقضايا من انتخبوهم، وفي الحقيقة أملنا فيهم كبير ومليء بالتفاؤل ولسنا مع المتشائمين الذين يقولون لنا عشمكم في الجماعة مثل عشم إبليس في الجنة.
وقبل أن نتحدث عن سبب ارتياحنا، نود أن نشير لتصريحات السيد جيفري، مستشار الأمين العام للأمم المتحدة قبل حوالي أسبوعين خلال زيارته لليمن ولقائه عدداً من كبار المسؤولين في الدولة، والتي أشار فيها إلى ضرورة زيادة الاستثمار في مجالات الجانب الاجتماعي والنفط والموانئ والقطاع الزراعي، والوقوف بحزم أمام كل المعوقات الأساسية المعطلة لعملية التنمية. وقراءتي لهذه التصريحات وما بين سطورها وتفسيري المتواضع لها، تتخلص في أن زيادة الاستثمار لا يمكن في وضعنا الاقتصادي الراهن أن تتحقق إلا بـ:
أ) تخفيض النفقات الحكومية وبدرجة أساسية في تلقيص الإنفاق على الأمن والدفاع الذي يستحوذ على أكثر من 50% من الموازنة الحكومية، إضافة الى ترشيد النفقات الأخرى وذلك من خلال الحد من الإنفاق على المظاهر والترف والإسراف في كرم الضيافة.
ب) زيادة موارد الدولة عن طريق تفعيل الرقابة على التحصيل الضريبي الحقيقي المستحق للدولة من المتهربين من الضريبة أو من المفسدين الذين تذهب الضريبة إلى جيوبهم الخاصة.
جـ) تشجيع الاستثمار بتوفير المناخ الملائم وتقديم كل عوامل جذبه واستقطابه واستبعاد كل مسببات طرده ونفوره.
أما إشارة المستشار للجانب الاجتماعي ففي رأينا أنه يضعه هنا بمفهومه الواسع، ويأتي في مقدمته التعليم والصحة وإقامة مؤسسات المجتمع المدني ومساهمة المرأة واندماجها في التنمية، وإشارته للموانئ فالمعني ميناء عدن بدرجة أساسية والذي تتوفر فيه معظم المقومات لنهضته ومع ذلك لم يُستغل كموقع طبيعي استراتيجي عالمي، ولم يؤهل ليلعب الدور الكبير الذي يفترض أن يلعبه في حركة ونشاط التجارة الدولية، ولم يُعط حقه منذ استقلال الجنوب وحتى يومنا هذا، وإشارة المستشار إلى المعوقات المعطلة لعملية التنمية ففي رأينا أنه يلمح للفساد بمختلف أشكاله، وهذا يقودنا إلى ما نشر في صحيفة «الأيام» في عددها (4526) الصادر بتاريخ 6/7/2005م والمتعلق بالفساد والخطوات التي اتخذها مجلس النواب بشأن مكافحته والتي ارتحنا لها كثيراً ونلخصها كالآتي:
أولاً: مصادقة مجلس النواب على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، وهي خطوة بموجبها يمكن للمنظمة الدولية أن تلعب دوراً إيجابياً ومعيناً للسلطة وللمواطن في القضاء على الفساد الذي تعاني وتئن منه البلاد.
ثانياً: ارتحنا وفرحنا من مجلس النواب لأنه أوصى الحكومة بأهمية إنشاء جهاز مستقل لمكافحة الفساد يتم تحديد صلاحياته وعلاقاته بأجهزة وسلطات الدولة المختلفة.
ويتضح من التوصية أن من سمات هذا الجهاز الاستقلالية بمعناها الواضح والصريح وليس جهازاً رديفاً أو شبيهاً بجهاز المخابرات الذي غالبا ما يرتدي أفراده وموظفوه ملابس مدنية مع أنهم عسكريون.
ثالثاً: ونبدي ارتياحنا من مجلس النواب لأن من ضمن توصياته للحكومة أن تقوم بإعداد مشروع قانون لمكافحة الفساد يشتمل على توصيف للجرائم المرتبطة بالفساد وسن العقوبات الرادعة، وهذه خطوة إيجابية. ولكننا لأخذ العبر والاستفادة من الآخرين، نود أن نشير إلى مقابلة أجرتها قبل شهرين إحدى القنوات التلفزيونية الخليجية مع وزير وسفير بواشنطن لبلده (سابقا)، وكان الحديث حول مناقشة مجلس الأمة لإعداد مشروع قانون للقضاء على الفساد، فكانت وجهة نظره التي قالها هي «أبعدوا المفسدين أولا وأزيحوهم عن مواقع نفوذهم في السلطة قبل إعداد مشروع القانون، وإلا فإن هؤلاء بحكم هيمنتهم وسيطرتهم على مفاصل السلطة في البلد سوف لن يقتصر عملهم وخبثهم على تمويه وتمييع مشروع القانون عند إعداده فحسب، بل سيتعداه في حالة صدوره إلى تعويق تطبيقه والالتفاف عليه وجعله جسراً يعبرون منه للهروب بجرائمهم، ويصبح في هذه الحالة حاميها حراميها».
رابعاً: وزاد ارتياحنا من مجلس النواب كونه أوصى الحكومة بإعداد مشروع قانون الإثراء غير المشروع، وهذا يعني مساءلة الكبار قبل الصغار أكانوا مسؤولين أو غير مسؤولين ممن تنطبق عليهم التهمة، وإذا ما طبق هذا القانون بصورة صحيحة وجادة بعد صدوره فسوف تظهر على السطح كثير من الوجوه القابعة على كراسي السلطة والمسيطرة على مفاصلها الرئيسية، والمستحوذين حاليا على القصور الفخمة والعمارات العالية والمزارع الواسعة والأموال النقدية الهائلة، مع أنهم كانوا لا يمكلون مسكنا ويعتمدون في معيشتهم قبل أن يصبحوا مسؤولين على مرتباتهم فقط، وإذا ما حصل مستقبلا -لا قدر الله - عند تنفيذ القانون أن جميع هؤلاء أبرياء وأن ما عندهم اكتسبوه من عرق جبينهم وثمرة جهودهم فإن ذلك مؤشر بأن الفساد مازال ينخر في الوطن والمواطنين، وأن الفساد هو الخصم وهو الحكم.
خامساً: وفرحنا أيضا من مجلس النواب في توصيته للحكومة بشأن:
أ) تفعيل قانون غسيل الأموال الذي معظم الجناة والمتهمين فيه - عالمياً - من تجار السلاح والمخدرات ومهربي الأموال (المفسدين في السلطة غالبا).
ب) مراجعة قانون المناقصات الحكومية في المقاولات والمشتريات، وقد أشار أحد مواقع الانترنت تعليقا على المناقصات الحكومية في اليمن بان أكثر من 50% من المبالغ المخصصة للمشاريع والمشتريات الحكومية تذهب إلى جيوب المسؤولين والوسطاء، وأن اهتمام مجلس النواب بمثل هذه القضايا الحيوية يزيد من تقديرنا له.
جـ) إعطاء مزيد من الصلاحيات للمجالس المحلية، وفي الحقيقة أن الناس قد طفح بهم الكيل من المركزية المفرطة ومن العودة حتى في صغائر الأمور إلى العاصمة صنعاء وخاصة في الجوانب المالية والوظيفية، وإذا ما أعطيت تلك الصلاحيات إلى المجالس المحلية فإن حملا ثقيلا سينزل من على ظهر المواطن في كافة المحافظات، وستزيد من وتيرة الإنتاج ويؤدي الى تسريع عملية التنمية فيها.
وفي الحقيقة اننا مع مجلس النواب فيما أورده من التوصيات المذكورة الموجهة للحكومة، والتي نعتقد أن جميعها تصب في خانة مكافحة الفساد، ونرجو أن تترجم إلى واقع عملي معاش يراه ويلمسه كل المواطنين.
والحديث عن الفساد ومشروعات مكافحته يقودنا إلى ضرورة التنويه بأخطر أنماطه في اليمن والتي من أبرزها:
1- حق الحماية: وهو أسلوب يستخدمه كبار المتنفذين عند قدوم المستثمرين وخاصة في المشاريع الكبيرة، وذلك بالحصول على نسبة معينة - غير مدفوعة - من رأسمال المشروع مقابل قيام المشروع وسيره وحمايته عند التشغيل من أي فاسد آخر.
2- القضاء: في هذا الصدد أكتفي بمقولة القائد تشرشل، رئيس وزراء بريطانيا الأسبق، فمعروف أن الاقتصاد البريطاني انهار كليا بعد الحرب العالمية الثانية، ووصلت خزينة الدولة إلى درجة الإفلاس، وفي اجتماع حينذاك ضم مجلسي العموم واللوردات والحكومة واجه تشرشل وحكومته حملة شنيعة للأوضاع المتردية في البلد، وما آلت إليه من فقر وبطالة وسرقات وانتشار البغاء والسلوكيات الأخلاقية السيئة، وكان معظم المجتمعين متشائمين من المستقبل الذي ينتظر بريطانيا، وعندها قام تشرشل وطرح سؤالا واحداً: هل طالت آثار الحرب القضاء ونالت منه يد الفساد؟ فرد الحاضرون لا، لا .. فالقضاء هو المجال الوحيد الذي مازال نزيها ونظيفا، فقال تشرشل مقولته المشهورة وبما معناها «ما دام القضاء ما زال نزيهاً فأنا متأكد أن بريطانيا ستعود دولة عظمى وسيكون لها دور كبير في السياسة والاقتصاد الدوليين». ونحن بدورنا نقول إن نزاهة القضاء أساس العدل والأمن والاستقرار وأساس لتشجيع الاستثمار والنهضة التنموية، وفساد القضاء يعني عكس ذلك.
3- لجان المناقصات والمشتريات الحكومية، التي كثر الحديث حول خروقاتها وتجاوزاتها للوائح والنظم الخاصة بها والالتفاف عليها.
4- السطو على الأراضي والحصول على وثائق تمليك من قبل بعض المسؤولين والمتنفذين وبوجه خاص في المحافظات الجنوبية والشرقية.
5- احتلال المساكن غير المسكونة والمحلات المغلقة، وعند ظهور المالك الحقيقي يطالب المحتل بحق الحفاظة.
6- حق الحصول على الترخيص أو الوظيفة بسرعة، وتسهيل الإجراءات في الأنشطة المختلفة، ويقوم بهذا الدور المتنفذون في السلطة وعبر سماسرتهم أحيانا، والمشكلة ايضا أن إتمام بعض الحالات يكون على حساب مستحقات ضريبية للدولة.
7- التهرب من الضريبة: في لقاء نشرته صحيفة «الأىام» الغراء قبل حوالي شهرين مع الدكتور عبدالله السنفي، رئيس الجهاز المركزي للرقابة ومراجعة الحسابات، أشار إلى أن أكثر من 240 مؤسسة وشركة تسرق وتماطل في تقديم الحسابات للجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة ولعدة سنوات، الأمر الذي يكشف أن سلطة القانون لا تطال جميع المخالفين وأن هناك من يستغل نفوذه ليتهرب من الضرائب المستحقة للدولة عبر التسويف والمماطلة، وهو شكل من أشكال الفساد.
في كل أنماط الفساد التي أشرنا إليها أعلاه، فإن الخوف كل الخوف أن يستشري ويتفشى الفساد، فالفساد الكبير يفرخ فسادا صغيرا ثم يكبر وهكذا إذا لم يجد رادعاً يوقفه أو سيفا قاطعا ليده التي تطول - باطلاً - ما ليس له حق فيه ناهيك عن أن الفساد والترف الناتج عنه يقود حتما إلى الفسوق المؤدي بدوره إلى هلاك البلاد. يقول تعالى في كتابه العزيز: {وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مُترَفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا} (الآية 16 من سورة الإسراء). وأيضا فإن الفساد بأشكاله المختلفة إذا ما بقي على وضعه واستمر في تفشيه ففي النهاية فإنه سيؤدي الى تدمير وتفتيت البلاد. وإن الحليم بالإشارة يفهم.
[email protected]
هذه العجالة جعلت من هذا القانون باهتاً ومسلوقاً ورمادياً وخاضعاً لأكثر من تفسير في البعض من مواده، وعدم وضوح النص في البعض الآخر، الأمر الذي سيؤدي إلى خلق إشكالات ومشاكل نحن في غنى عنها فيما لو تريثنا، وعلى هذا نعاتب المجلس.
ونعاتب مجلس النواب أيضا على إقراره لمشروع قانون الضريبة العامة للمبيعات بطريقة توصف بالتسرّع، لأنه لم يعر اهتماماً ولم ينتظر حتى يقول مجلس القضاء الأعلى رأيه في دعوى الطعون للعديد من مواد القانون المرفوعة من الغرفة التجارية الصناعية بصنعاء، ولأنه لم يأخذ في الاعتبار ما كتب في الصحف من ملاحظات موضوعية حول قانون الضريبة للمبيعات، ومنها ملاحظاتنا التي نشرناها في جريدة «الأىام» الغراء قبل أسبوعين.
ونحن في الوقت نفسه نعاتب ونفرح معاً لأعضاء مجلس النواب، فعتابنا ناتج عن اهتمامهم في البداية بأنفسهم في الأمر المتعلق بتحسين معيشتهم وضمان مستقبلهم بحصولهم على درجة وزير مدى الحياة، قبل اهتمامهم بالقضايا الملحة المتعلقة بحياة عامة الناس كارتفاع الأسعار والبطالة وانقطاعات الكهرباء والماء ووضع الصحة والتعليم، ولكننا فرحنا لأعضاء مجلس النواب من جانب آخر فهم منّا ونحن الذين انتخبناهم، ونتمنى لهم كل الخير، ونعتقد أنه ما دامت ظروفهم قد تحسنت، فمن المؤكد من الآن وصاعداً سيتفرغون لقضايا من انتخبوهم، وفي الحقيقة أملنا فيهم كبير ومليء بالتفاؤل ولسنا مع المتشائمين الذين يقولون لنا عشمكم في الجماعة مثل عشم إبليس في الجنة.
وقبل أن نتحدث عن سبب ارتياحنا، نود أن نشير لتصريحات السيد جيفري، مستشار الأمين العام للأمم المتحدة قبل حوالي أسبوعين خلال زيارته لليمن ولقائه عدداً من كبار المسؤولين في الدولة، والتي أشار فيها إلى ضرورة زيادة الاستثمار في مجالات الجانب الاجتماعي والنفط والموانئ والقطاع الزراعي، والوقوف بحزم أمام كل المعوقات الأساسية المعطلة لعملية التنمية. وقراءتي لهذه التصريحات وما بين سطورها وتفسيري المتواضع لها، تتخلص في أن زيادة الاستثمار لا يمكن في وضعنا الاقتصادي الراهن أن تتحقق إلا بـ:
أ) تخفيض النفقات الحكومية وبدرجة أساسية في تلقيص الإنفاق على الأمن والدفاع الذي يستحوذ على أكثر من 50% من الموازنة الحكومية، إضافة الى ترشيد النفقات الأخرى وذلك من خلال الحد من الإنفاق على المظاهر والترف والإسراف في كرم الضيافة.
ب) زيادة موارد الدولة عن طريق تفعيل الرقابة على التحصيل الضريبي الحقيقي المستحق للدولة من المتهربين من الضريبة أو من المفسدين الذين تذهب الضريبة إلى جيوبهم الخاصة.
جـ) تشجيع الاستثمار بتوفير المناخ الملائم وتقديم كل عوامل جذبه واستقطابه واستبعاد كل مسببات طرده ونفوره.
أما إشارة المستشار للجانب الاجتماعي ففي رأينا أنه يضعه هنا بمفهومه الواسع، ويأتي في مقدمته التعليم والصحة وإقامة مؤسسات المجتمع المدني ومساهمة المرأة واندماجها في التنمية، وإشارته للموانئ فالمعني ميناء عدن بدرجة أساسية والذي تتوفر فيه معظم المقومات لنهضته ومع ذلك لم يُستغل كموقع طبيعي استراتيجي عالمي، ولم يؤهل ليلعب الدور الكبير الذي يفترض أن يلعبه في حركة ونشاط التجارة الدولية، ولم يُعط حقه منذ استقلال الجنوب وحتى يومنا هذا، وإشارة المستشار إلى المعوقات المعطلة لعملية التنمية ففي رأينا أنه يلمح للفساد بمختلف أشكاله، وهذا يقودنا إلى ما نشر في صحيفة «الأيام» في عددها (4526) الصادر بتاريخ 6/7/2005م والمتعلق بالفساد والخطوات التي اتخذها مجلس النواب بشأن مكافحته والتي ارتحنا لها كثيراً ونلخصها كالآتي:
أولاً: مصادقة مجلس النواب على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، وهي خطوة بموجبها يمكن للمنظمة الدولية أن تلعب دوراً إيجابياً ومعيناً للسلطة وللمواطن في القضاء على الفساد الذي تعاني وتئن منه البلاد.
ثانياً: ارتحنا وفرحنا من مجلس النواب لأنه أوصى الحكومة بأهمية إنشاء جهاز مستقل لمكافحة الفساد يتم تحديد صلاحياته وعلاقاته بأجهزة وسلطات الدولة المختلفة.
ويتضح من التوصية أن من سمات هذا الجهاز الاستقلالية بمعناها الواضح والصريح وليس جهازاً رديفاً أو شبيهاً بجهاز المخابرات الذي غالبا ما يرتدي أفراده وموظفوه ملابس مدنية مع أنهم عسكريون.
ثالثاً: ونبدي ارتياحنا من مجلس النواب لأن من ضمن توصياته للحكومة أن تقوم بإعداد مشروع قانون لمكافحة الفساد يشتمل على توصيف للجرائم المرتبطة بالفساد وسن العقوبات الرادعة، وهذه خطوة إيجابية. ولكننا لأخذ العبر والاستفادة من الآخرين، نود أن نشير إلى مقابلة أجرتها قبل شهرين إحدى القنوات التلفزيونية الخليجية مع وزير وسفير بواشنطن لبلده (سابقا)، وكان الحديث حول مناقشة مجلس الأمة لإعداد مشروع قانون للقضاء على الفساد، فكانت وجهة نظره التي قالها هي «أبعدوا المفسدين أولا وأزيحوهم عن مواقع نفوذهم في السلطة قبل إعداد مشروع القانون، وإلا فإن هؤلاء بحكم هيمنتهم وسيطرتهم على مفاصل السلطة في البلد سوف لن يقتصر عملهم وخبثهم على تمويه وتمييع مشروع القانون عند إعداده فحسب، بل سيتعداه في حالة صدوره إلى تعويق تطبيقه والالتفاف عليه وجعله جسراً يعبرون منه للهروب بجرائمهم، ويصبح في هذه الحالة حاميها حراميها».
رابعاً: وزاد ارتياحنا من مجلس النواب كونه أوصى الحكومة بإعداد مشروع قانون الإثراء غير المشروع، وهذا يعني مساءلة الكبار قبل الصغار أكانوا مسؤولين أو غير مسؤولين ممن تنطبق عليهم التهمة، وإذا ما طبق هذا القانون بصورة صحيحة وجادة بعد صدوره فسوف تظهر على السطح كثير من الوجوه القابعة على كراسي السلطة والمسيطرة على مفاصلها الرئيسية، والمستحوذين حاليا على القصور الفخمة والعمارات العالية والمزارع الواسعة والأموال النقدية الهائلة، مع أنهم كانوا لا يمكلون مسكنا ويعتمدون في معيشتهم قبل أن يصبحوا مسؤولين على مرتباتهم فقط، وإذا ما حصل مستقبلا -لا قدر الله - عند تنفيذ القانون أن جميع هؤلاء أبرياء وأن ما عندهم اكتسبوه من عرق جبينهم وثمرة جهودهم فإن ذلك مؤشر بأن الفساد مازال ينخر في الوطن والمواطنين، وأن الفساد هو الخصم وهو الحكم.
خامساً: وفرحنا أيضا من مجلس النواب في توصيته للحكومة بشأن:
أ) تفعيل قانون غسيل الأموال الذي معظم الجناة والمتهمين فيه - عالمياً - من تجار السلاح والمخدرات ومهربي الأموال (المفسدين في السلطة غالبا).
ب) مراجعة قانون المناقصات الحكومية في المقاولات والمشتريات، وقد أشار أحد مواقع الانترنت تعليقا على المناقصات الحكومية في اليمن بان أكثر من 50% من المبالغ المخصصة للمشاريع والمشتريات الحكومية تذهب إلى جيوب المسؤولين والوسطاء، وأن اهتمام مجلس النواب بمثل هذه القضايا الحيوية يزيد من تقديرنا له.
جـ) إعطاء مزيد من الصلاحيات للمجالس المحلية، وفي الحقيقة أن الناس قد طفح بهم الكيل من المركزية المفرطة ومن العودة حتى في صغائر الأمور إلى العاصمة صنعاء وخاصة في الجوانب المالية والوظيفية، وإذا ما أعطيت تلك الصلاحيات إلى المجالس المحلية فإن حملا ثقيلا سينزل من على ظهر المواطن في كافة المحافظات، وستزيد من وتيرة الإنتاج ويؤدي الى تسريع عملية التنمية فيها.
وفي الحقيقة اننا مع مجلس النواب فيما أورده من التوصيات المذكورة الموجهة للحكومة، والتي نعتقد أن جميعها تصب في خانة مكافحة الفساد، ونرجو أن تترجم إلى واقع عملي معاش يراه ويلمسه كل المواطنين.
والحديث عن الفساد ومشروعات مكافحته يقودنا إلى ضرورة التنويه بأخطر أنماطه في اليمن والتي من أبرزها:
1- حق الحماية: وهو أسلوب يستخدمه كبار المتنفذين عند قدوم المستثمرين وخاصة في المشاريع الكبيرة، وذلك بالحصول على نسبة معينة - غير مدفوعة - من رأسمال المشروع مقابل قيام المشروع وسيره وحمايته عند التشغيل من أي فاسد آخر.
2- القضاء: في هذا الصدد أكتفي بمقولة القائد تشرشل، رئيس وزراء بريطانيا الأسبق، فمعروف أن الاقتصاد البريطاني انهار كليا بعد الحرب العالمية الثانية، ووصلت خزينة الدولة إلى درجة الإفلاس، وفي اجتماع حينذاك ضم مجلسي العموم واللوردات والحكومة واجه تشرشل وحكومته حملة شنيعة للأوضاع المتردية في البلد، وما آلت إليه من فقر وبطالة وسرقات وانتشار البغاء والسلوكيات الأخلاقية السيئة، وكان معظم المجتمعين متشائمين من المستقبل الذي ينتظر بريطانيا، وعندها قام تشرشل وطرح سؤالا واحداً: هل طالت آثار الحرب القضاء ونالت منه يد الفساد؟ فرد الحاضرون لا، لا .. فالقضاء هو المجال الوحيد الذي مازال نزيها ونظيفا، فقال تشرشل مقولته المشهورة وبما معناها «ما دام القضاء ما زال نزيهاً فأنا متأكد أن بريطانيا ستعود دولة عظمى وسيكون لها دور كبير في السياسة والاقتصاد الدوليين». ونحن بدورنا نقول إن نزاهة القضاء أساس العدل والأمن والاستقرار وأساس لتشجيع الاستثمار والنهضة التنموية، وفساد القضاء يعني عكس ذلك.
3- لجان المناقصات والمشتريات الحكومية، التي كثر الحديث حول خروقاتها وتجاوزاتها للوائح والنظم الخاصة بها والالتفاف عليها.
4- السطو على الأراضي والحصول على وثائق تمليك من قبل بعض المسؤولين والمتنفذين وبوجه خاص في المحافظات الجنوبية والشرقية.
5- احتلال المساكن غير المسكونة والمحلات المغلقة، وعند ظهور المالك الحقيقي يطالب المحتل بحق الحفاظة.
6- حق الحصول على الترخيص أو الوظيفة بسرعة، وتسهيل الإجراءات في الأنشطة المختلفة، ويقوم بهذا الدور المتنفذون في السلطة وعبر سماسرتهم أحيانا، والمشكلة ايضا أن إتمام بعض الحالات يكون على حساب مستحقات ضريبية للدولة.
7- التهرب من الضريبة: في لقاء نشرته صحيفة «الأىام» الغراء قبل حوالي شهرين مع الدكتور عبدالله السنفي، رئيس الجهاز المركزي للرقابة ومراجعة الحسابات، أشار إلى أن أكثر من 240 مؤسسة وشركة تسرق وتماطل في تقديم الحسابات للجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة ولعدة سنوات، الأمر الذي يكشف أن سلطة القانون لا تطال جميع المخالفين وأن هناك من يستغل نفوذه ليتهرب من الضرائب المستحقة للدولة عبر التسويف والمماطلة، وهو شكل من أشكال الفساد.
في كل أنماط الفساد التي أشرنا إليها أعلاه، فإن الخوف كل الخوف أن يستشري ويتفشى الفساد، فالفساد الكبير يفرخ فسادا صغيرا ثم يكبر وهكذا إذا لم يجد رادعاً يوقفه أو سيفا قاطعا ليده التي تطول - باطلاً - ما ليس له حق فيه ناهيك عن أن الفساد والترف الناتج عنه يقود حتما إلى الفسوق المؤدي بدوره إلى هلاك البلاد. يقول تعالى في كتابه العزيز: {وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مُترَفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا} (الآية 16 من سورة الإسراء). وأيضا فإن الفساد بأشكاله المختلفة إذا ما بقي على وضعه واستمر في تفشيه ففي النهاية فإنه سيؤدي الى تدمير وتفتيت البلاد. وإن الحليم بالإشارة يفهم.
[email protected]