> د. محمد حسين حلبوب:

بـ «عملية جراحية» تسمى في الاقتصاد «طريقة العلاج بالصدمة» بدأت الحكومة اليمنية برنامجها للإصلاح الاقتصادي في مارس 1995م، وخلال أقل من عام ونصف العام تكللت العملية بالنجاح. فقد توقف التدهور الاقتصادي، واستعادت السلطات النقدية والمالية زمام الأمور، وبدأت عوامل استقرار الاقتصاد الكلي في التشكل.

اليوم، وبعد أكثر من عشر سنوات تسعى الحكومة اليمنية إلى استكمال برنامجها للإصلاح بـ «عملية جراحية أخرى» سمتها «الحزمة» فهل يتحقق للحكومة اليمنية النجاح بسهولة، كما في «العملية الجراحية الأولى»؟

بكل أسف، فإن المؤشرات التي أمامنا تجعلنا نرجح الإجابة السلبية، وذلك للأسباب التالية:

1- إن استكمال الإصلاح بـ «عملية جراحية أخرى» غير مستساغ نفسيا، لأن الجميع ينتظر الإعلان عن «الشفاء» لا بداية جديدة «لآلام» مبرحة. فتتكون ردة فعل نفسية طبيعية برفض «العلاج» وهذا يخلق أجواء نفسية رافضة.

2- إن الغالبية العظمى من أفراد المجتمع ليسوا على استعداد للمزيد من التضحية والصبر، كما كان الحال في عام 1995م حينما كان معظمهم على استعداد تام لتقديم الغالي والنفيس في سبيل حماية الوحدة اليمنية من خطر التدهور الاقتصادي المحدق حينها.

3- إن السلطة وجيشها وجهازها الأمني لا تمتلك «الهيبة» التي تحققت كنتيجة «للانتصار» في حرب صيف 1994م. وأين منها الوضع في يومنا هذا، حيث استطاعت جماعة «الحوثي» هز «هيبة» السلطة وإظهار «هشاشة» جيشها وجهازها الأمني.

4- إن مصداقية الحكومة قد وصلت إلى أدنى مستوياتها، فخلال العشر سنوات الماضية من الإصلاح الاقتصادي والإداري الشامل، كان يتم اختيار السياسات بانتقائية واضحة، حيث توالت «الجرعات» التي يقع عبؤها على كاهل الشعب الواحدة تلو الأخرى بلا رحمة أو شفقة. أما تلك التي يقع عبؤها على عناصر السلطة، فكان يتم تأجيلها أو إهمالها ثم تأجيل «الإصلاح الإداري» من دون مبررات، ويتم إهمال المطالب بوضع برنامج «لمحاربة الفساد» بلا خجل.

5- إن فترة الإصلاح قد طالت وما تزال «ثماره» لم تصل إلى المجتمع، بسبب «إنانية» الحكومة التي استأثرت «بثمار» الإصلاح بالكامل لصالحها وتحولت من «مدين معسر» للعالم الخارجي وللمواطنين بمبلغ يزيد عن «31 مليار دولار» في عام 1992م إلى «دائن ميسر» بأكثر من «5 مليار دولار» في عام 2005م. وما تزال مصرة على استمرار سياسات إعادة توزيع الدخل والثروة لصالحها من دون مبررات مقنعة.

6- إن «الفساد» الذي أضحى «الشحم» المحرك لجميع مفاصل السلطة - وليس أدل على ذلك من «الرشوة» العلنية التي قدمتها الحكومة لأعضاء مجلس النواب بمنحهم درجة « وزير» بعد خروجهم من المجلس، حتى تضمن موافقتهم على تمرير «استراتيجية الأجور والمرتبات» - قد قضى على «الاحترام» الذي يجب أن يسود بين المجتمع وسلطته المنتخبة.

من الناحية الاقتصادية فإن هناك عوامل خارجية كثيرة ضاغطة نحو رفع الأسعار أهمها:

1- ارتفاع السعر العالمي للنفط وتأثيره على ارتفاع أسعار السلع المستوردة.

2- الانتعاش الاقتصادي العالمي، وتأثيره في زيارة الطلب العالمي ومن ثم ارتفاع الأسعار للسلع المستوردة.

3- النمو السريع في الصين والهند وتأثيره في زيادة الطلب العالمي ومن ثم ارتفاع الأسعار للسلع المستوردة.

كذلك فإن العوامل الداخلية ضاغطة بشدة نحو رفع الأسعار بسبب:

1- كبر حجم الارتفاع المتوقع في أسعار الديزل والبترول، وما سوف يسببه من تأثير مباشر على أسعار معظم السلع الأخرى.

2- التأثير الضاغط نحو ارتفاع الأسعار لمجمل عناصر بقية «الحزمة» حتى أن تخفيض الجمارك أصبح ذا تأثير عكسي بسبب التهافت على شراء الدولارات من أجل استيراد السيارات، ناهيك عن تأثير رفع الرواتب والأجور في القطاع الحكومي. 3- الجو النفسي الذي خلقه الإعلام ومناقشات الحكومة ومجلس النواب وتأثيره في الدفع نحو رفع الأسعار احتياطا.

في مثل هذه الاوضاع التي فقدت فيها الحكومة هيبتها ومصداقيتها واحترام المجتمع لها، وتخلصت فيها بعض المناطق من حاجز الخوف - مثل صعدة- ووصل كثير من أفراد المجتمع إلى مستوى الفقر المدقع، وفي ظل عوامل اقتصادية خارجية غير مواتية، فإن استحداث (هزة سعرية) ذات ارتدادات مباشرة كبيرة، سياسة غير حكيمة، بل مخاطرة غير محسوبة العواقب، لذلك فإننا نوصي الحكومة، ونلح عليها بالاقتراح بأن البديل الأفضل هو «العلاج التدريجي الطبيعي» حيث يجب استبدال طريقة الرفع السريع للأسعار «دفعة كبيرة واحدة» بطريقة الرفع التدريجي «دفعات صغيرة متتالية».

في الأخير فإن واجبنا يلح علينا تحذير الحكومة «التحذير الأخير»، وتحميلها مسؤولية ما سيحدث إذا ما ركبت رأسها وأصرت على الاستمرار في استخدام «طريقة العلاج بالصدمة» لأنها قد تهد كل ما بنته، وتذهب كل تضحيات المجتمع خلال العشر سنوات الماضية سدى.

فهل تستجيب؟.. نأمل ذلك.

أستاذ الاستثمار والتمويل المساعد