> د. سمير عبدالرحمن شميري:

د. سمير عبدالرحمن شميري
د. سمير عبدالرحمن شميري
وطننا الفسيح الممتد من الماء إلى الماء (من الخليج إلى المحيط) الذي يبلغ مساحته (14) مليون متر مربع، ويبلغ عدد سكانه (280) مليون نسمة، بمسيس الحاجة للنور خاصة إذا ما عرفنا أن عدد الأميين يبلغ (68) مليون عربي وأن (236) مليون عربي تحت خط الفقر وأن نصف النساء في مجتمعاتنا العربية يجهلن القراءة والكتابة.

إننا نمر بمحن غليظة وهواجس سوداء وتتملكنا نوبات من الالم المعنوي عندما نتقهقهر عن ملاحقة الركب الإنساني. فلابد من نور ودواء وهواء وكساء، ولابد من خبز للأفواه الجائعة، ورؤية متبصرة للأمور، إن ما يزيد كمدنا في هذا الوطن الكبير «أن الأشياء والتصرفات هي هي والنتائج هي هي فلماذا نسعى لخديعة أنفسنا»(الأسقف تيلر).

فمتى سنتحرر من العقلية الثأرية البائسة ونتجاوز العقد والمحاجزات والمواقف المتصلبة؟

قد أبدو متبجحاً إن قلت كما قال بطل رواية (الأم) لمكسيم جوركي :«سنكتب من أجل أن يكون للأحرف ضجيج»، لا نريد للأحرف ضجيجاً، نريد للأحرف نوراً وضياء وإشراقات للعقول والأرواح.

وسنكون ظالمين للاعتدال إذا نظرنا للأمور من منظور أسود، فلابد أن ننزع من أعيننا الغشاوة القاتمة، ونقرأ مفردات الواقع بإمعان، بعيداً عن المواويل الحزينة ولغة الإحباط النفسي، وهذا لا يعني السكوت عن مواطن الضعف في حياتنا وعن العشوائية والفساد والقبح الذي يلتهم مساحة الجمال، فلابد أن نضع إصبعنا في الجرح ونعترف بعلل الواقع ونعالج الفجوات والخروم بأسرع ما تيسر بروح متبصرة تحافظ على لحمة المجتمع، حتى لا نلجأ في نهاية المطاف إلى عمليات جراحية حرجة. إننا نعاني عللاً وأمراضاً بألوان طيفية، والاعتراف بها من أولى أولويات الإصلاح، ولا يجدي مطلقاً اتباع سياسة وضع الرأس في الرمال «انظر نظرة واحدة إلى الواقع المحيط بك .. وخذ نفساً واحداً وأنت واقف في الشارع الذي تقف فيه، وسوف تلاحظ دون مشقة أن التلوث البصري والسمعي واللغوي والأخلاقي والذوقي.. يطبق عليك بقبحه وسمومه الوبائية الخانقة من كل جانب .. وسوف لا تتردد عن القول أو حتى الصراخ: ليس هناك أي شيء على مايرام!!» (د.عبدالغفار مكاوي).

لا نريد أن ندخل في سلسلة متواصلة من الأحلام وننسى علل الواقع وفقر الناس، ولا نريد لأنفسنا القيام بأدوار كهنة تزييف الواقع أو بوق دعائي لنشر روح الملق والمنافقة. فلضيق ذات اليد هناك كتل بشرية هائلة لا ينعمون بالمسرات والسكينة والرضوان ويعيشون أياماً مكللة بالسواد ولا تنبلج في نفوسهم أصباح منيرة.

نريد في منطقتنا العربية إصلاحاً حقيقياً يتجاوز الصخب الإعلامي والفسيفسات الشكلية، لتجفيف منابع الفساد وإطلاق عملية تنمية عميقة المضامين تخدم نماء الإنسان وتعمر الأرض وتتخطى الأقفاص الصغيرة والكبيرة، وتفتح آفاقاً رحبة لخطوات إصلاحية شاملة ولبيبة على قاعدة الديمقراطية والمواطنة الواحدة «فالوطن ليس مجرد فضاء جغرافي، بل هو بالأساس حرية وحقوق» (د. الحبيب الجنحاني).