> «الأيام» عبدالقادر المحضار:

اختص الله الصائمين بباب في الجنة يدخلون منه يوم القيامة إظهارا لشرفهم وفضلهم، ينادي مناد على رؤوس الأشهاد أين الصائمون فيراهم القاصي والداني وتمتد إليهم الأبصار وتشرئب الأعناق، ويتمنى متمن أن لو كان معهم وفي ركبهم الميمون، ويتحسر متحسر على ما فاته في الدنيا من فرصة العمل والجد وما ضاع عليه من أوقات ثمينة وساعات عديدة.

يصور سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم هذا المشهد فيقول:«إن في الجنة بابا يقال له الريان يدخل منه الصائمون فيقومون فيدخلون فإذا دخلوا أغلق عليهم فلم يدخل منه أحد» أخرجه الشيخان والإمام أحمد عن سهل بن سعد.

واختص الله سبحانه وتعالى الصائمين ايضا بأن جعل صومهم لهم حصنا حصينا من النار، وسترا يقي صاحبه مما يؤذيه من الشهوات. يقول النبي صلى الله عليه وآله سلم: «الصيام جُنة حصينة من النار" رواه أحمد والبيهقي في الشعب.

ثم يبين لنا النبي صلى الله عليه وسلم حقيقة هذا الصوم الذي يحفظ صاحبه من النار فيقول: «الصيام جُنة من النار كجنة أحدكم من القتال، ما لم يخرقها بكذب أو غيبة» رواه أحمد والنسائي وابن ماجه، وكأنه يقول إن المراد بالصيام هو صيام من سلم صيامه من المعاصي قولا وفعلا، ولذلك حث الصائم أن يلتزم مسلك الفضيلة ويبتعد عن دواعي الرذيلة حتى يتحقق بالصيام الذي هو جنة فيقول صلى الله عليه وسلم: «الصيام جنة من النار فمن أصبح صائما فلا يجهل يومئذ وإن امرؤ جهل عليه فلا يشتمه ولا يسبه وليقل إني صائم» رواه النسائي.

واختص الله الصائم أيضا بأن جعل تغير فمه أطيب من ريح المسك، فقال صلى الله علية وآله سلم: «ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك»، والخلوف تغير رائحة الفم من الصوم، واختص الله الصائم بأن جعل له في صيامه فرحتين فإذا أفطر فرح وإذا لقي الله فرح ففرحه بفطره تعبير صادق عن شكره التام لربه الذي وفقه لإتمام صوم ذلك اليوم ومكنه بواسطة تمام صحته وقوته فأدى عبادة يومه كاملة غير ناقصة، فهو في فرحه هذا في عبادة «لأن الشكر عبادة وذكر»، وفرحه بلقاء الله اطمئنان بوعد الله ويقين جازم بقبول العمل بمشاهدة عظيم الثواب عليه، يقول سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم عن ذلك: «وإن للصائم فرحتين إذا إفطر فرح وإذا لقي الله فرح» رواه الإمام مسلم.

واختص الله الصائم بأن جعل له في صومه الصحة والشفاء من كثير من الأمراض ففي الحديث النبوي:«صوموا تصحوا» رواه ابن السني وابو نعيم، وأخرج البيهقي عن الإمام علي كرم الله وجهه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله أوحى إلى نبي من بني إسرائيل أن أخبر قومك أنه ليس عبد يصوم يوما ابتغاء وجهي ألا أصححت له جسمه وأعظمت له أجره»، وسر ذلك أن للصوم تأثيرا عجيبا في حفظ الأعضاء الظاهرة وتقوية الجوارح الباطنة وحمايتها من التخليط الجالب للموارد الفاسدة واستفراغ المواد الرديئة، وذلك من أكبر العون على التقوى كما قال الله تعالى: {كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون}.

واختص الله الصائم بإبعاد وجهه عن النار فلا ترى عينه أي مشهد من مشاهد النار، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من صام يوما في سبيل الله بعد الله وجهه عن النار سبعين خريفا» أخرجه أحمد والشيخان والنسائي عن أبي سعيد الخدري، وعند ابن ماجه عن أبي هريرة، وفي رواية النسائي عن عقبة بن عامر «باعد الله منه جهنم مسيرة مائة عام».

وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين والحمد لله رب العالمين.