> عياش علي محمد:

يقولون إن وراء كل رجل عظيم امرأة عظيمة، والفاضلة أرملة العميد كانت من هذا النوع من العظمة، فتاريخها حافل بالنضال الإنساني الذي امتد قرابة أربعة عقود سطرت فيه أعمالا لايمكن أن ينساها الزمن، فقد كانت ملجأ وملاذا حصيناً لمن سحقته صروف الحياة وآلامها، فكانت الحضن الدافئ للعميد محمد علي باشراحيل والحصن الواقي لابنيها هشام وتمام، وكانت غصن السنديانة الذي توكأ عليه كل من تعثرت بهم سبل الحياة وشقاء الدهر.

إن أرملة عميد «الأيام» يداها بيضاوان وقلبها أبيض لم تنخر صفاءه ولونه وبريقه عاتيات الزمن وقسوة الحياة.. فكانت أماً حنوناً استدفأت بحنانها عدن وأقاصى اليمن والدنيا فكانت أم الكرم والكرامة ومدافعة عن الحـق والاستحـقاق.

وعندما ينوء بك الدهر فالأم هي الملاذ والمستقر، فقد عاش عميد «الأيام» في استقرار في ظل حضن هذه المرأة التي خلقت له ثباتاً واستقراراً حتى عندما كان يعيش مرارة الشتات .. وهذه الارملة الضحوك التي لا تفارق شفتيها الابتسامة البريئة أعطتني يوماً درساً في فن الممكن والاحتمال في مواجهة الصعاب، وتقليت درساً منها في كيفية التغلب على المحن بابتسامة قلبية تشفى على اثرها الجروح والقروع.

هذا الدرس التقطته منها عندما كانت ارملة فقيد «الأيام» تشاهد فصول محاكمة ابنها هشام باشراحيل، وذلك عندما كان ماثلاً أمام قاضي محكمة صيرة يرد على الاتهام ضده وضد صحيفته «الأيام»، وكان كلما أخرج رداً من فمه ناجعاً على تهمته رأيت وجه وملامح أرملة العميد ينضح بابتسامة عريضة منتصرة وكأنها تقول إن هذا الرجل الماثل أمام المحكمة يحمل رأسا على كتفه، ويحمل روحه على كفيه.. فتستمر الابتسامة وتستمر وتستمر رغـم هول الوضع القائم وظروف المحاكمة.

إني أسجل تعازينا الكبيرة على فقداننا هذا الصرح العملاق المتمثل في وفاة ارملة عميد «الأيام» محمد علي باشراحيل، فغيابها يمثل خسارة كبيرة لمن لا يزالون تائهين في هذا العالم يطلبون الود والحب والانصاف من خيال امرأة تركتهم ومضت في طريقها عند الصديقين والأبرار.. رحم الله فقيدة هذا الوطن وغفر لها ومنح ذويها الصبر والسلوان.