> علي هيثم الغريب:

علي هيثم الغريب
علي هيثم الغريب
أعلن الصحفي مروان دماج رئيس لجنة الحقوق والحريات بنقابة الصحفيين اليمنيين إدانة النقابة واستنكارها للحكم الذي طال الأخ عبدالهادي ناجي، وأكد على أن النقابة ستتخذ موقفاً حيال ما تعرض له الزميل عبدالهادي.. ولحق ذلك مصدر بفرع نقابة الصحفيين بتعز، حيث طالب بتكليف محاسب قانوني لمراجعة وفحص الحسابات بعد أن شكك في سلامة إجراءات المحاكمة في عدن.. وكانت محكمة صيرة الابتدائية بعدن قد أصدرت حكماً قضائياً في القضية الجنائية المرفوعة ضد الأخ عبدالهادي ناجي علي من قبل «الأيام».

طبعاً فالجدال حول بعض القضايا والنقاش بين الصحفيين أمر طبيعي تماماً. وأن الكتابات والمواقف التي لا ينضب معينها تتيح الإمكانات لتفسيرات مختلفة.. وهذا كان حال «الأيام» خلال المحاكمات المشهورة لها في محكمة صيرة الابتدائية في عدن، عندما كان الأستاذ هشام باشراحيل ينتقل من قاضٍ إلى قاضٍ آخر لمحاكمته في عدة قضايا كانت تنهمر عليه من كل حدب وصوب.. وعندما كان القضاء يصدر حكمه، كانت «الأيام» تنشر نصه في الصفحة الأولى دون خوف ولا وجل من تلك الأحكام القاسية.. وإذا ما توجهنا إلى تاريخ «الأيام» فإننا نعرف منذ بدأت أن كل القضايا الجوهرية والمحاكمات المرتبطة بالمصلحة العامة كانا قائمين على جدال عميق، ولكن عندما ينطق القضاء كلمته بالحق أو الباطل كانت «الأيام» تكتفي بما تقدمه من تصور لمختلف الآراء.. وما مدت به الوطن وملايين الناس من كمية هائلة من المقالات والمعلومات وما وفرته من الحوار والنقاش.

والمعروف أن الأستاذ هشام لم يدخل في أي جدال ضد الأحكام التي صدرت ضده، وكان يكتفي بردوده في ساحات القضاء، ويرد على الدعاوى المرفوعة ضده بجد وإسهاب مدعماً ردوده بالحجج.. وكان يدرك مسؤوليته تجاه القضاء مثلما يدرك مسؤوليته تجاه الصحافة.. أما بشأن نشره نص الحكم الصادر ضد الزميل عبدالهادي ناجي علي، فهذا هو واجبه الصحفي، ومع شديد الأسف أن من المنتسبين إلى نقابة الصحفيين اعتبروا ذلك تهجماً على مناطقهم وأفرطوا في استخدام الكلمات المحلية.. ومع الأسف أن الزميل دماج ألصق التهم والتسميات بالنيابة والقضاء و«الأيام» وحول كل شيء إلى أمور شخصية، وبدلاً من أن يسعى إلى توضيح قناعة نقابة الصحفيين، التي حتماً ستقدر لجوء «الأيام» إلى القضاء لحماية حقوقها نصَّب نفسه مدافعاً وقاضياً في آن واحد، وهذا الموقف حال دون الفهم الصائب للقضية الجنائية التي فصل فيها القضاء. ونأسف أن رد دماج لم يتميز بالرأي المبدئي والخلاق بحكم الموقع الذي يشغله في النقابة، بل بالنعوت والأسماء الهادفة إلى تغييب الحقيقة.. وفي هذه الحالة لم يعارض الزميل دماج مفهوماً أو حكماً أو أسلوباً معيناً، بل أشخاصاً لا يروقون له. وحاول جاهداً أن يدافع عن شخص من جماعته من الصحفيين بصرف النظر عن الأخطاء التي ارتكبها وأدانها القضاء. وأن روح الأعراف البالية هذه ما زالت تؤثر تأثيراً ضاراً في طابع علاقاتنا اليوم. وقد انعكس المفهوم غير الوطني في المجتمع على الصحفيين أيضاً، وعلى العلاقات بين النقابة وبعض الكتاب. ولم نتعود على أن جميع الصحفيين متساوون وأن الحكم على الزميل عبدالهادي شرعي، كالحكم على «الأيام» في قضايا سابقة والتي لم يكن للنقابة أي موقف منها واعتبرتها شرعية، حتى لو اختلف وزنها الاجتماعي والنوعي والأخلاقي. وإننا إذ نسينا احترام حقوق الغير نتقلب من الحدة والسباب إلى إلصاق التهم الذي تغرق فيه كل المبادئ الرفيعة. إن إلصاق التهم التي استحثوها حالياً وتصفية الحسابات والتطاول على حقوق الناس هو أسلوب تكتيكي استخدم مراراً بعد حرب 1994م من قبل المتنفذين وهدفه التشكيك بمطالب وحقوق الناس وتوتير الجو إلى أقصى حد (أو التظاهر بأنه متوثر) وتصوير الوضع وكأن «الأيام» - من خلال نقلها للحقائق أو الدفاع عن حقوقها - تخاصم السلطات إلى حد غير معقول، وأن تأديبها أو تشويه مسعاها الوطني والإنساني والديني مطلوب عاجلاً. وبذلك يخرج المتلاعبون بحقوق الآخرين وأملاكهم من مجال المحاسبة والنقد اللذين لم يتعودوا عليهما، وإخماد الرأي الآخر الذي لا تحيا الديمقراطية من دونه، وباختصار العودة إلى الهدوء السابق وإلى السكون المطلق. فما الذي أدى إلى التهاب عواطف الزميل دماج مؤخراً؟ لقد فصل القضاء في دعوى كانت أمامه، وهذا كل ما في الأمر، وإن كل هذا الاستنفار المناطقي لا يغير شيئاً من الحقائق الجدية. وإذا عدنا إلى أحكام محاكم صنعاء نجد أن هناك أحكاماً صدرت ضد من فرطوا بالأمانة أو زوروا وثائق أو استولوا على أموال الآخرين، ولكن لم تنشر تصريحات ومقالات حادة مثل تلك التي نشرت ضد »الأيام» بل أن نقابة الصحفيين مدحت كثيراً من تلك الأحكام القضائية.

ومن هنا تظهر الحواجز النفسية وأدوات العرقلة. إذن ينبغي لنا لا أن نتعلم الانتقاد المهذب فحسب، بل كذلك الرد اللائق عليه. وسيكون أمراً ممكناً على الأرجح إذا ما ضرب بعض القياديين في نقابة الصحافيين اليمنيين مثالاً في ذلك لنا جميعاً. ويلزم بذلك أيضاً الاحترام الرفيع الذي تخطى به الصحف والكتاب لدى الناس، مادامت الأقلام الحرة تطرح المسائل المؤلمة التي تمس مختلف جوانب الحياة. وقد تناقضت أقوال نقابة الصحافيين («الأيام» تجيد استخدام الإرهاب المناطقي) مع قول الزميل دماج «إن «الأيام» تعتبر صحيفة مهمة وكبيرة وتمثل ثقلاً وحضوراً في عدن» وجملة (في عدن) هي المناطقية بعينها.. فلا توزع في عدن سوى (16) ألف نسخة من أصل خمسين ألف نسخة توزع في أنحاء محافظات الجمهورية اليمنية. لذا نقول لإخواننا في نقابة الصحفيين استوعبوا الآخرين وقفوا معهم، والحلول لا توجد عن طريق الالتفاف على الحقائق.. ولا تنسوا أن أمامكم شعباً تعود أن يرى في الكتاب والصحفيين مناضلين من أجل العدالة، وإذا أجرى الصحفيون نقاشاً حاداً بينهم، لكنه نقاش لائق، فإن هذا يدعم سمعة النقابة.

وتأكدوا أنه لا يوجد سوى مفتاح واحد لعمل النقابة ولحل جميع المسائل ألا وهو المساواة بين الصحفيين.