> جلال عمر البطيلي:

هذه المادة القانونية تنشرها «الأيام» للكاتب المحامي والمستشار القانوني الراحل جلال عمر البطيلي، رحمه الله وطيب ثراه، حيث كان قبيل الحادثة التي تعرض لها يوم الأحد 3 ديسمبر 2006 وأودت بحياته في اليوم التالي الاثنين، على موعد لتسليم المادة للنشر، ووفاء منا لوصيته ولأهميتة المادة في الوقت الحاضر ننشر نصها.

أصبحت قضايا الإيجار تشغل حيزا كبيرا من وقت وجهد المحاكم التجارية وأصبحت حقوق الملكية الخاصة تنتهك تحت مظلة القانون.

ومما يثير الانتباه أن أكثر الواقفين أمام المحاكم التجارية هم ملاك (مؤجرون) عجزوا عن استعادة محلاتهم المؤجرة للغير بسبب تمنع المستأجر ورفضه إخلاء العين المؤجرة رغم انتهاء عقود الإيجار مما يدفع بهذا المالك (المؤجِر) إلى الجوء للقضاء لعله يجد فيه من ينصفه وذلك بإلزام المستأجر بإخلاء العين المؤجرة وتسليمها للمالك تنفيذاً لبنود عقد الإيجار المبرم بينهما، غير أنه ومما يؤسف له أن يجد المالك (المؤجر) نفسه في وضع أسوأ إذ تمر عليه السنة والسنتان والثلاث ولربما الأربع وهو في أروقة المحاكم سعياً لاسترجاع ملكه المؤجر، وكل ذلك والمستأجر باق في العين المؤجرة طوال فترة التقاضي هذه خلافاً لإرادة المالك وخلافاً لعقد الإيجار المنتهي ،هذا ما لم يأت الحكم بعد كل هذه السنين الطوال لصالح المستأجر منتهكاً حقوق الملكية الخاصة مكرهاً المالك على التعاقد مع المستأجر وتجديد عقد الإيجار المنتهي لصالح المستأجر مدة إضافية.

وفي أحيان كثيرة يكون المستأجر المنتهي عقد الإيجار المبرم له، هو من يلجأ إلى القضاء لإيجاد ضالته في الحصول على حكم قضائي بإلزام المالك بتجديد عقد الإيجار المنتهي ما لم فإنه يكون وفي أسوأ الأحوال قد استفاد من فترة بقائه في العين المؤجرة فترة التقاضي وهكذا تفقد العلاقات التعاقدية الإيجارية قيمتها ويغيب القانون في غفلة من القائمين عليه.

ولعل ذلك يرجع إلى تحديد الطبيعة القانونية لعقود الإيجار والتي يرجع بها إلى عدد من الأسباب منها ما يعود إلى قصور وغياب النص التشريعي، ومنها ما يعود إلى ضيق تفسير ذلك النص، ومنها ما يعود إلى آلية صياغة عقود الإيجار من قبل رجال القانون وإلى أسباب أخرى لا تخلو منها إجراءات التقاضي.

وكنا نعول على القانون الجديد رقم (22) لسنة 2006م بشأن تنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر أن يسد ذلك النقص والقصور التشريعي في النص المنظم لعلاقة المؤجر والمستأجر وأن يحيط العلاقات التعاقدية بالضمانات وحماية أكبر لضمان نفاذ هذه العلاقات وذلك لضرورة حماية حق المالك من سوء تصرف المستأجر والعكس كذلك. بما يضمن حقوق المستأجر.

غير أنه وللأسف لم يأت هذا القانون المنتظر بجديد وما كان إلا تحصيل حاصل. لذلك ولأهمية هذا الموضوع. وإسهاما منا في التوعية القانونية سنتناول ذلك في مباحث أربعة على النحو الآتي:

المبحث الأول: وفيه قسمان:

ماهية عقود الإيجار وما هي الطبيعة القانونية لها:

القسم الأول:

ماهية عقود الإيجار:

عقد الإيجار هو عقد بين المؤجر والمستأجر يقع على منفعة معلومة بعوض معلوم لمدة محددة أو مطلقة. ذلك هو تعريف عقد الإيجار استناداً لنص المادة (682) من القانون المدني النافذ، أما القانون رقم (22) لسنة 2006م بشأن تنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر فقد عرف الإيجار بأنه عقد يلزم بمقتضاه المؤجر بتمكين المستأجر من الانتفاع بعين مؤجرة لمدة معينة نظير إيجار معلوم أو منفعة مشروعة متفق عليها.

ومن خلال قراءتنا لأحكام عقود الإيجار المتناولة في القسم الثاني من الباب الأول من القانون المدني، والقانون رقم 22 لسنة 2006م بشأن تنظيم العلاقة بين المالك والمستأجر لاحظنا محاولة المشرع اليمني إحاطة عقود الإيجار لبعض الضمانات الكفيلة بتنفيذها، ولربما لذات السبب لم يأخذ المشرع اليمني بمبدأ الامتداد القانوني لعقود الإيجار، غير أننا لم نلاحظ أي جديد في الموضوع. مع تحفظنا على إطلاق لفض المدة القانونية الواردة في تعريف القانون المدني لعقد الإيجار.

القسم الثاني:

الطبيعية القانونية لعقود الإيجار:

ذلك هو جوهر موضوعنا هذا. وهو السؤال الذي نود طرحه للقارئ ولرجال القانون كموضوع للنقاش وهو:

ماهي الطبيعة القانونية لعقود الإيجار؟ وهل يمكن أن تدخل عقود الإيجار ضمن الاتفاقيات (الصلح) المصدق عليها لتكون سنداً تنفيذياً يتم التنفيذ بموجبه تأسيساً على نص المادة (328) مرافعات؟ أم أنها - أي عقود الإيجار- مادة أو موضوع للنزاع والمخاصمة بين مؤجر ومستأجر؟ مع أن عقد الإيجار قد شمل كل ما يمكن أن يكون موضوعاً للخصومة وحدد ما يترتب عليه بإرادة وتوقيع الطرفين؟ علماً بأن قواعد قوانين الإيجار هي من القواعد غير الآمرة التي يجوز للأطراف مخالفتها.

ذلك هو السؤال المطروح للنقاش بقصد تحديد الطبيعة القانونية لعقود الإيجار وما إذا كان يمكن أن تأتي ضمن السندات التنفيذية باعتبارها من الاتفاقيات الموقعة التي يمكن التنفيذ بمقتضاها مباشرة؟ أم أنها من الخصومات التي تتطلب أخذاً ورداً ودليل نفي وإثبات كموضوع صالح للتقاضي؟

مع ضرورة التفريق بين عقود الإيجار المتضمنة شروط وعناصر وأركان عقد الإيجار كالمدة والمنفعة والعوض وغرض استخدام العين والأجرة الشهرية وغيرها وهي التي تقيد فيها سلطة محكمة الموضوع في تقدير أسباب الإخلاء باعتبارها مشمولة بعقود الإيجار وبالتالي عدم وجود موضوع نزاع أو خصومة وبين عقود الإيجار التي تدخل ضمن سلطة واختصاص محكمة الموضوع في تقدير أسباب الإخلاء وهي تلك العقود المفتقرة أو الناقصة وغير المتضمنة لبعض شروط عقد الإيجار كالمدة أو العوض أو الأجرة والتي تشكل موضوعاً للنزاع بين المؤجر والمستأجر وبالتالي يكون وجود خصومة و وجود سلطة واختصاص لمحكمة الموضوع في نظر ذلك وتقدير أسباب الإخلاء لعدم تضمن عقد الإيجار لذلك. ومن خلال تعريف المشرع اليمني لتعريف عقد الإيجار حول تحديد الطبيعة القانونية لهذه العقود وماهيتها نستطيع أن نخلص إلى تحديد حالات وجوب إخلاء العين المؤجرة في مبحث منفصل أدناه.

المبحث الثاني:

حالات وجوب إخلاء العين المؤجرة:

قبل الخوض في تحديد حالات وجوب إخلاء العين المؤجرة يجب أولاً التفريق بين فسخ عقد الإيجار الذي لا يكون إلا بالتراضي والاتفاق أو بحكم قضائي - راجع نص المواد 710- 714 من القانون المدني النافذ - وبين انتهاء عقود الإيجار التي نحن بصدد أسبابها هنا.

عقود الإيجار تنتهي بانتهاء المدة المتفق عليها في العقد وذلك دون حاجة إلى تنبيه أو إنذار (راجع نص المواد 746.711 مدني والمواد 78 من قانون تنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر)، كما تنتهي عقود الإيجار بمخالفة شروطها أو تغيير الغرض المؤجرة له العين. وهنا وفي هاتين الحالتين فإن أمر الإخلاء للعين المؤجرة يكون وجوبياً وبقوة القانون لا تملك محكمة الموضوع سلطة في تقديرها. ومنه فإن إخلاء العين المؤجرة يكون واجباً في حالتين هما:

1- انتهاء عقد الإيجار:

لا شك أنه في حالة انتهاء المدة المحددة في عقد الإيجار أن تكون مسألة إخلاء العين المؤجرة أمراً وجوبياً وملزماً لا سلطة لمحكمة الموضوع في تقديرها وذلك كون عقد الإيجار قد اشتمل على ذلك الشرط وهو من العقود الملزمة التي يجب التقيد ببنودها وليس لمحكمة الموضوع الخروج على ذلك وقد كان المشرع اليمني أكثر وضوحاً في وجوب إخلاء العين المؤجرة بانتهاء عقد الإيجار دون أن يترك لمحكمة الموضوع أي سلطة للاجتهاد أو التقدير في ذلك طالما وشملها عقد إيجار وذلك ما تناوله المشرع في نص المواد (746،711) مدني والمواد (78) من تنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر بقوله: «ينتهي عقد الإيجار بانتهاء المدة المتفق عليها في العقد دون حاجة إلى تنبيه أو إنذار».

2- حالة الإخلال بشروط العقد أو تغير غرض استخدام العين المؤجرة:

ومن ضمن الحالات التي يكون فيها أمر إخلاء العين المؤجرة واجباً وملزماً هي حالات الإخلال بشروط العقد وتغير غرض استخدام العين المؤجرة، حيث عادة يجب أن يشتمل عقد الإيجار على شروط الإيجار وغرض استخدام العين المؤجرة وفي هذه الحالة يتقيد المستأجر بهذه الشروط وبالغرض المحدد للعين المؤجرة ولا يجوز له بأي حال من الأحوال مخالفة ذلك إلا بإذن وموافقة المؤجر والعبرة بما تم الاتفاق عليه وليس بطبيعة العين المؤجرة - وفي هذه الحالة حالة الاتفاق على الشروط وغرض استخدام العين فإن مخالفة المتسأجر لذلك يخول المالك (المؤجر) حق طلب إخلاء العين المؤجرة ولو قبل انتهاء مدة عقد الإيجار وذلك لمخالفة شروط العقد كعدم دفع الأجرة أو تغير غرض استخدام العين.

غير أنه وفي المقابل من ذلك قد نجد أن عقد الإيجار لم يشمل بعض الشروط أو لم يحدد غرض استخدام العين. وهناك يكون لمحكمة الموضوع سلطة في تقدير أسباب الإخلاء بالرجوع إلى القوانين والأعراف، إلا أن ذلك لا يعني دعم تقيد المستأجر بدفع الأجرة أو تغير استعمال العين المؤجرة وإن لم يتناولها عقد الإيجار حيث إن عدم تحديد الأجرة أو الغرض من الإيجار صراحة لا يؤثر في صحة عقد الإيجار ولا يعفي المتسأجر من الالتزام باستعمال العين المؤجرة في الغرض الذي أجره والذي يتحدد من خلال ما اتجهت إليه الإرادة الضمنية المشتركة للمؤجر والمستأجر والتي تحدد من خلال الطريقة التي أعدت بها العين المؤجرة وطبيعتها وما جرت عليه العادة والأعراف. وفي هذه الحالة يكون لقاضي الموضوع سلطة في تقدير أسباب إخلاء العين المؤجرة على خلاف ما إذا شمل ذلك عقد الإيجار فهنا لا سلطة لمحكمة الموضوع في تقدير أسباب الإخلاء وتكون محكمة الموضوع هنا مقيدة بما تم الاتفاق عليه بعقد الإيجار.

لهذا ولأهمية تقدير أسباب إخلاء العين المؤجرة ودور محكمة الموضوع في تقدير هذه الأسباب سنتناول ذلك في المبحث المستقل أدناه.

المبحث الثالث:

سلطة محكمة الموضوع في تقدير أسباب إخلاء العين المؤجرة:

ومما تقدم نستطيع القول إنه متى ثبت استعمال المستأجر للعين المؤجرة في غير الغرض المحدد في عقد الإيجار. ومتى ثبت انتهاء المدة الإيجارية المحددة في عقد الإيجار فإن المستأجر يكون ملزما بإخلاء العين المؤجرة دون قيد أو شرط ودون حاجة إلى إنذار أو توجيه حيث ينشأ هنا حق للمؤجر في طلب إخلاء العين المؤجرة وإن لم يكن مالكاً للعين المؤجرة -كأن يكون مؤجراً من الباطن- وعلى المحكمة في هذه الحالة أن تجيب طلب المؤجر وتقضي بإلزام المستأجر بإخلاء العين المؤجرة متى ثبت لديها ذلك - أي استخدام العين المؤجرة في غير الغرض المحدد لها أو انتهاء المدة الإيجارية- ومنه فإن سلطة محكمة الموضوع تكون مقيدة بالشروط التعاقدية المشمولة بعقد الإيجار وليس لها الخروج عن كل ما ورد في شأنه نص في عقد الإيجار الموقع من أطرافه وعلى العكس من ذلك يكون لمحكمة الموضوع سلطة تقديرية كاملة في كل ما لم يرد بشأنه نص في عقد الإيجار. ولأهمية مخالفة ذلك وما يترتب عليه من آثار قانونية ومادية سنتناوله في المبحث المستقل أدناه.

المبحث الرابع:

ما يترتب على عدم إخلاء العين المؤجرة عند انتهاء عقد الإيجار أو مخالفة شروطه:

أسلفنا الذكر بأن تحديد المدة الإيجارية وغرض استخدام العين المؤجرة من الشروط التي يستقيم عليها عقد الإيجار، وأنه متى ثبت انتهاء المدة الإيجارية أو مخالفة شروط عقد الإيجار فإن أمر إخلاء العين المؤجرة يكون وجوبياً، وعلى محكمة الموضوع أن تحكم به متى طلب منها المؤجر ذلك دون حاجة لتنبيه أو إنذار للمستأجر وذلك بقوة القانون (راجع نص المواد 769.731,746.711) من القانون المدني النافذ والمادة (78) من قانون تنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر).

كما أسلفنا القول أيضاً بأن الملكية الخاصة من الحقوق المصانة قانوناً ودستوراً والتي لا يجوز التعدي عليها بأي حال من الأحوال. ولهذا فإنه من العبث أن يظل المالك (المؤجر) في أروقة المحاكم سنين طوالاً يطالب بإخلاء وإعادة ملكه المؤجر للغير بعقد قد انتهت مدته أو خالف المستأجر شروطه المتفق عليها والمشمولة بعقد الإيجار. ومن التعدي على حقوق الملكية أيضاً أن يبقى المستأجر في العين المؤجرة بعد انتهاء عقد الإيجار خلافاً لإرادة المالك مستفيداً من إجراءات وروتين التقاضي وتدرجه والتي قد تصل جميعها إلى ثلاث أو أربع سنوات وقد يزيد عن ذلك. ومن العبث ايضاً والتجني على القانون أن لا تلزم محكمة الموضوع المستأجر بإخلاء العين المؤجرة لانتهاء عقد الإيجار أو لمخالفته شروط ذلك العقد وأن في بقاء المستأجر في العين المؤجرة وعدم إخلائها وتسليمها لصاحبها بعد انتهاء عقد الإيجار أكان ذلك أثناء مرحلة التقاضي أو قبلها يترك آثاراً سلبية كثيرة على القضاء والمتقاضين وعلى النظام العام على حد سواء ولعل أهمها ما يلي:

1) توريث تركة كبيرة من القضايا أمام المحكمة التجارية.

2) انشغال جزء كبير من المحاكم التجارية في نظر قضايا مفرغ منها ومحسومة سلفاً وفقاً للقانون ووفقاً للعلاقات التعاقدية على حساب قضايا أخرى بحاجة إلى وقت وجهد تلك المحاكم.

3) إضعاف عقد الإيجار كصك قانوني نظم وفقاً لقانون خاص وإفراغه من قيمته القانونية ومن ثم الإخلال بالنظام العام وضعف احترام العلاقات التعاقدية.

4) إيجاد نوع من الفتن والأجواء الملائمة لخلق المشاكل والفوضى بين المؤجر والمستأجر وما يترتب على ذلك من ردود فعل ومشاحنات وعدم احترام القوانين.

5) تمنع وامتناع الملاك عن تأجير محلاتهم التجارية للغير والاستفادة منها في العمل التجاري لتخوفهم من عدم إخلائها عند انتهاء المدة الإيجارية.

6) إضعاف النشاط التجاري والاقتصادي والعمولة السائلة بسبب تخوف الملاك من التأجير للغير.

7) إضعاف الاستثمار في البلاد الناتج عن عدم احترام العلاقات التعاقدية وضعف حماية الحقوق الخاصة.

8) التعدي على حقوق الملكية الخاصة وانتهاكها في غفلة من القوانين.

9) التشجيع على عدم احترام العلاقات التعاقدية ومخالفة القوانين.

وفي الأخير أجد نفسي ملزماً أخلاقياً وأدبياً وأنا أختتم موضوعي هذا بأن أتقدم بالشكر والتقدير للقضاة الأفاضل رئيس وأعضاء المحكمة التجارية - عدن بدرجتيها، ولا أجد ما يعفيني من الاعتراف لهم بالجهد والعناء الذي يبذلونه في تطبيق روح القانون قبل نصوصه في محاولة لتجاوز ذلك القصور التشريعي وتغطيته رغم كل ما ذكر.