> سحر بعاصيري:

سحر بعاصيري
سحر بعاصيري
لعل اخطر مؤشر لكارثية الوضع الاسلامي والعربي حتى الآن هو الهتاف الذي تردد في مهرجان الذكرى الـ42 لانطلاقة "فتح" في غزة عندما استهدف المحتشدون "حماس" بأصواتهم: "شيعة شيعة".

نقول "لعل" و"حتى الآن" لأن هذا ما سمعناه وللمرة الاولى (ربما هناك الكثير مما لا نسمعه) في المشرق، في منطقة الازمات خارج العراق. فلبنان بتركيبته الطائفية مختلف عن تركيبة الفلسطينيين. اما في العراق فهناك من السنة والشيعة من يتبادلون هتافات اخطر، وهناك من تجاوزوا مرحلة الهتافات الى القتل.

وخطورة الهتاف لا تكمن في انه طائفي فحسب بل في انه ساوى سياسيا بين كلمتي "شيعة" و"العدو" الذي هو في هذا الاطار ايران.

فعندما يصف فتحاويون اعضاء "حماس" (السنّة) بانهم "شيعة" فإنهم ينددون بالدور الايراني الداعم لهذه الحركة في ازمتهم الداخلية والتي يرى الجميع انها تنزلق بالفلسطينيين الى هاوية دموية، بل انهم يتهمون "حماس" بتجسيد مشروع ايراني. ويستحضرون في هذا الموقف ايضا ما يراه العرب عموما خطرا داهما عليهم من ايران ومناخا عاما يزداد حساسية طائفية وخوفا من فتنة في المنطقة. ولا يغيّر في هذا، رد القيادي في "فتح" محمد دحلان على الهتاف بانهم (اي "حماس") "ليسوا شيعة بل قتلة".

المفارقة ان ايران التي حققت "توسعا" ماديا ومعنويا في العالم العربي والاسلامي بسبب تبنيها خط المواجهة مع اسرائيل بدعمها حركتين تقاتلانها، واحدة سنية في فلسطين، "حماس"، واخرى شيعية في لبنان، "حزب الله"، انتهى الحال بموقفها هذا الى ان يعتبره نصف الفلسطينيين ونصف اللبنانيين اضافة الى غالبية العرب جزءا من مشروع هيمنة ايرانية على المنطقة العربية. والاسباب تمتد من دورها في العراق بعد الاحتلال الى مواقفها المؤيدة والمؤثرة على هاتين الحركتين في صراعهما على السلطة بما يتجاوز قتال اسرائيل، وان اتخذ الصراع هنا وهناك عناوين مختلفة واشكالا مختلفة، وان تكن لدعمها الحركتين أثمان اقليمية مختلفة.

والمفارقة ايضا ان الموقف الايراني في مواجهة اسرائيل من خلال "حماس" و"حزب الله" ادى، كما هي حال الازمتين الفلسطينية واللبنانية اليوم، الى نتائج يصعب ألا تصب في خدمة اسرائيل. فهذه كانت باستمرار مع تفتيت لبنان ومع حرب اهلية فلسطينية ولم توفر جهدا لتحقيق هذين المشروعين.

في أي حال، ان الهتاف الذي تردد في غزة انعكاس واضح للصراع الايراني - العربي الذي هو في احد وجوهه صراع قومي عربي فارسي وفي احدها الآخر صراع سنّي - شيعي. وانعكاس فاقع لمدى ما بلغه التداخل والتعبئة في الوجهين وتاليا ما يحمله الاحتقان من مخاطر فتنة زاحفة تبدو الارض وقد تهيأت لها.

وما لم يتدارك اطراف الازمتين الفلسطينية واللبنانية خطورة الاطار الاقليمي الذي يتخاصمون فيه وانعكاساته على الداخل، يخشى ان يكون الهتاف الذي تردد في غزة أول الجرف.

عن «النهار» اللبنانية 9 يناير 2007