> جلال عبده محسن:

جلال عبده محسن
جلال عبده محسن
طويلة هي الفترة منذ أطلقها سقراط (469-399 ق.م) يوم قال:«اعرف نفسك»، أما المعلم أرسطو (384-322 ق.م) فله في ذلك حكاية، فقد كان يقف يوما على منضدة خشبية وهو يتمعن عبر منظاره في أجرام السماء، وفجأة زلت قدماه وارتمى على الأرض، فأطلق آهة ألم حزينة عالية شقت صمت بيته، فأسرعت إليه خادمته العجوز وأمسكت بيديه ليتكئ عليها حتى استرد أنفاسه، فاستدارت خادمته أمامه وابتسمت له وقالت: «إنك يا سيدي تحب الحكمة، وتحيط بميادين العلم والشعر والسياسة، وأعرف عنك أنك تحب الواقع، فلماذا تشغل نفسك برصد الأجرام البعيدة في السماء قبل أن تتبين موطئ قدميك على الأرض».

ونحن مازلنا لم نعرف حقيقة أنفسنا في ظل الواقع البائس الذي نعيشه، وهو ما تؤكده تقارير المنظمات والهيئات الدولية من وقت لآخر فيما يخص اليمن والتي كان آخرها تقرير البنك الدولي الصادر في نوفمبر 2006م، والذي خلص إلى أن العقبة الرئيسة أمام تحقيق نمو اقتصادي سريع ومستديم، هي ضعف عناصر الحكم الرشيد، وهو ما تتميز به اليمن بالإضافة إلى ضعف الوضع الأمني، وأن اليمن تعد ثاني أفقر دولة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بالإضافة إلى الانهيار الوشيك للعائدات النفطية وضعف الأداء المؤسسي للمصالح الحكومية، فيما نحن نتكلم أكثر مما نعمل ونملأ الدنيا صراخا وعويلا في تصريحاتنا وخطبنا الطنانة، ونتحدث عن المشاريع العملاقة والنهضة الحديثة وغيرها من الشعارات البراقة، ولايزال اقتصادنا اقتصاداً خدماتياً استهلاكياً قديماً قائماً على مقعد من خشب، ونفتقر إلى بناء الهياكل الأساسية من ماء وكهرباء وصرف صحي... أية نهضة حديثة إن لم تكن التنمية هدفها الإنسان وغايتها؟ ونحن من فقراء العالم، في حين أن دولة لن نقول أجنبية بل عربية وجارة هي دولة عمان الشقيقة لا نكاد نسمع لها ضجيجا وتعمل بصمت بينما هي تنحت في الصخر واستطاعت أن تحقق قفزات تنموية هائلة لتصعد إلى القمة، ونحن مازلنا نطبل ونصفق ونبترع. إن هذه التقارير وغيرها من المؤشرات السلبية السابقة والتي صنفت اليمن بأنها من بين الدول الهشة والفاشلة وفي المرتبة الأخيرة في قائمة اقتصاد الدول العربية وبقية الأصفار التي حصلنا عليها في معيار السيطرة على الفساد وفي حكم القانون، كلها بحاجة إلى وقفات صادقة دون مكابرة، نراجع فيها أخطاءنا ونتعلم منها الدروس، ومن أوليات ذلك أن نتعلم أن نعرف حقيقة أنفسنا ونتعاطى مع الآخرين بمقدار ذلك، ورحم الله امرءاً عرف قدر نفسه.