> محمد سالم قطن:

محمد سالم قطن
محمد سالم قطن
اضطربت مشاعري كثيراً وأنا أطالع الصفحة الأولى من صحيفتنا «الأيام» لعددها يوم السبت 24/2، فقد هالني مشهد الجسد المسجى لطفل في ربيعه الرابع عشر يعمل بائعاً متجولاً للجرائد، فارق الحياة بعد أن صدمته حافلة مسرعة، كما ورد في الخبر.

تخيلته قبل لحظات من ذلك الحادث الأليم الذي أرداه، وهو ينادي بصوته الطفولي الغض، كما ينادي كل باعة الصحف الجائلون منذ الإشراقة الأولى كل صباح (الأيام.. الأيام.. صحف، صحافة..) رحت أتخيل كيف انسلت من بين أنامله الرقيقة تلكم الرزمة الكثيفة من أوراق الصحف لحظة الصدمة القاتلة وطاح بها الحادث المشؤوم بعيداً عن قارعة الطريق، بينما كانت روح الفتى المظلوم تصعد طاهرة نقية إلى السماوات العلى تشكو إلى الله ظلم الدنيا وبؤس الأرض وفساد أهلها.

ماذا يحدث في الأرض؟ أنا لا أعني الحادث الذي أودى بحياة الطفل البرئ، فهذا قضاء وقدر ولكل أجل كتاب! وحوادث المرور تحدث في بلادنا وبلاد الغير يومياً وبالمئات والضحايا منها كثيرون إما موتى أو مصابون.

رحت سارحاً في الخيال، لماذا ياترى جاء هذا الصبي الصغير من قريته ليعمل بائعاً متجولاً للصحف؟ إن مكانه الطبيعي ليس هنا، ينبغي أن يكون داخل صف من صفوف المدرسة يتلقى العلم مثل أقرانه من الأطفال، وأن يحمل بدلاً من هذه الرزمة الثقيلة من الصحف حقيبة مدرسية كالتي يحملها الأطفال في مثل سنه، تذكرت أن هذا الطفل (الموءود) ليس الطفل اليمني أو العربي الوحيد الذي قست عليه الأقدار فيضطر ساعياً إلى العمل- أي عمل- ليعول نفسه أو أسرته، عشرات الآلاف من الأطفال من أمثاله في مدننا اليمنية وفي كل المدن العربية بمئات الآلاف يزحفون في الشوارع المكتظة وعلى النواصي ومداخل الأسواق والأماكن العامة صائحين جائلين، بعضهم ينادي على جرائد وصحف وبعضهم على كعك أو علكة وبعضهم يبيع مناديل السوفت و(الكلينكس)، منهم من افترسته عصابات التسول كضحية يسرقون من خلاله صدقات المتصدقين وما يجود به المحسنون، بعضهم الآخر هوى به المجرمون معهم إلى بئر الإجرام التي ليس لها قرار.

تساءلت فيما بيني وبين نفسي، ربما كان هذا الطفل وأولئك أمثاله أيتاماً؛ مات آباؤهم وتهرب أقرباؤهم وتقطعت بهم السبل! حاولت الإجابة فلم أستطع، ظللت أتساءل: أين المجتمع؟ أين الدولة؟ أين مئات النشرات والتصريحات وعشرات (الورش) والندوات التي تنعقد عبر البث والذبذبة عن الطفل وحقوق الطفل وعن {فأما اليتيم فلا تقهر}، أين برامج ما يسمى بالضمان الاجتماعي؟ هل هي تلك الطوابير الطويلة العريضة أمام مكاتب البريد من فصل إلى فصل من فصول السنة الأربعة؟!

ترقرقت الدموع حرى من مقلتيّ وأنا أتذكر مشهد الفاروق ابن الخطاب رضوان الله عليه وهو يحمل على ظهره أكياس التمر والدقيق إلى بيوت الأيتام والأرامل ويكتب الرسائل المستعجلة إلى ولاته وعماله في الأقطار بأن يعطوا العطايا والأموال لكل مولود من بيت مال المسلمين.

لقد أهمل المسلمون المعاصرون توجيهات عمر، وتبناها اليوم النصارى واليهود وحتى الوثنيون في مجتمعاتهم تكافلاً وأمانة فأعزهم الله في هذا العصر وأذلنا فيه. وصدق الشيخ الإمام محمد عبده رحمه الله عندما قال:(في أوروبا رأيت إسلاماً بلا مسلمين، وها أنا هنا أرى مسلمين بلا إسلام)!!