> «الأيام» أنيس منصور:

الطريق إلى الأثاور
حياة أشبه بحياة القرون الوسطى، طرق جبلية متصعبة يظل فيها السائق مغامراً بحياته بين الصخور والحفر تم شقها بوسائل شعبية قديمة وجهود تعاونية. يقول السائق سلطان ناشر طاهر:«الطريق شريان الحياة وأثناء قيادتنا للسيارة في الأثاور تسير مخاطرة وسط الجبال وكل شيء يصل إلى الأثاور من مواد غذائية ومستلزمات الحياة بإيجارات مضاعفة في النقل وتوجد السيارات في أوقات محددة فقط ماعدا ذلك يذهب الناس سيراً على الأقدام».. ويحكي السائق سلطان قصص وحكايات إسعاف المرضى «حيث يتم نقل المريض على الأكتاف كحمل الجنازة مسافة شاقة صعود وهبوط حتى يصلوا إلى موقع طرق السيارات».
وبعد حديث الأخ سلطان أفاد عدد من السائقين الآخرين أن الطرق التي تربط قرى الأثاور بالخط العام صارت هاجساً مخيفاً في نفوس الناس وهم يحلمون بوحدة شق تخفف عنهم كثيرا من المعاناة.
حياة على ضوء الفوانيس والقماقم
أحاديث ومناقشات متواترة تلقتها «الأيام» من مجموعة شباب منطقة الخزجة بالأثاور أكدوا فيها أن عهد الفوانيس لم يصل بعد إلى عزلة الأثاور حيث لا يزال بعض المواطنين يستخدمون القماقم القديمة وما تسمى «المسرجة» يشعلونها وتخلف بعدها دخانا وعلى ضوئها يسامرون البؤس وثمة مشاهد أخرى طافحة شاهدناها تحكي عن تفاوت درجة الضوء من منزل إلى آخر.
توجد منازل مضاءة بالفوانيس وهم الغالبية العظمى وقليل من يستخدم مولدات كهربائية خاصة. أفادنا عبدالجبار عبدالله الأثوري: «جميع عزل حيفان فيها كهرباء باستثناء عزلة الأثاور لا ندري لماذا حكموا علينا أن نعيش في الظلام» وأشار بيده اليسرى إلى مجموعة من الأعمدة الكهربائية التي وصلت إليهم أثناء الانتخابات اكتشفوا بعدها أنها ورقة انتخابية ليس إلا.
وتجسد الظلام في معيشة الأثاور حتى الشعارات والرموز الانتخابية المرسومة على محاذاة الطرق وعلى جدران المنازل هي فوانيس وشموع تعبيراً عن مدى تعلقهم بالفانوس والشمعة.
تقول الحجة (ن.ز.ق) من منطقة عزيق الأثاور «هي العزلة الوحيدة التي نجح فيها أحزاب المشترك ليس حباً للمشترك لكن إهمال الدولة وإصرارها على عدم توفير خدمة الكهرباء جعلنا نتعلق بالمشترك».
مياه السعودية ومدارس السعيد
بعد إعلان حالة الطوارئ لطوابير من النساء اللاتي تعبث أجسادهن بحثاً عن شربة ماء وبعد ارتفاع جنوني لأسعار الحمير التي تنقل المياه ومسافات شاسعة تقطعها فتيات وعلى رؤسهن دباب المياه في أيام الصيف وليالي الشتاء بدأ تشغيل مشروع مياه الأوثار بفضل الخيرين وقضية مشروع مياه الأثاور طويلة التفاصيل وهو مشروع ضخم تم تمويله واعتماده من المملكة العربية السعودية قبل 17 عاما تعثر أداؤه وتعرض للسرقة وتم تشغيله بجهود بذلها مدير مديرية حيفان عبدالحليم نعمان ومدير مشاريع مياه الريف تعز ورئيس لجنة المستفيدين أحمد عبد المجيد الأثوري.
قال الشيخ منصور عثمان العويني من منطقة المقاشبة:«نشعر بفرح وبهجة عند تشغيل المشروع وتجرعنا كثيراً من المآسي والآن نحمد الله توفرت عزيمة صادقة وإرادة قوية من قبل مدير حيفان والنائب محمد عبده سعيد والشيخ أحمد عبدالمجيد وتم ضخ المياه رغم الصعوبات والعراقيل».

هموم متفرقة
يعيش أبناء الأثاور على طبقات، أثرياء مقاولون ورجال أعمال غادروا عزلتهم وسكنوا المدن والعواصم تنكر بعضهم لموطن الميلاد وذكريات الصبا وهناك مواطنون مسحوقون تحت وطأة الفاقة والأمراض المستعصية بسطاء معزولون عن المدينة والحضارة تولدت لديهم قناعة بقسمة الله في الرزق.
ثمة مشاهد لمخالفات فاضحة في سلك التعليم أدت إلى تدني مستوى التحصل العلمي للطلاب، نقص في الكتب والتخصصات العلمية وغش في الامتحانات ومعلمين حاضرون في السجلات لكنهم غائبون عن قاعة الفصول مع سبق الإصرار والترصد.
نقطة تفتيش في منطقة الخزجة بالأثاور تقوم بتقطع السائرين وتفتيشهم وابتزازهم وحسب مصادر محلية أن هذه النقطة كانت أيام التشطير رسمية بين الأثاور والمفاليس وطور الباحة ومازال حتى الآن مجموعة من الناس يقومون بابتزاز السيارات وتفتيشها، هذه النقطة ليست رسمية ولا يحزنون إنما مجرد تعسف وارتفعت شكاوى الأهالي فهل تستطيع السلطة المحلية والأمنية إيقاف هذه التصرفات التعسفية.
هذه هي عزلة الأثاور اختصاراً ولعل تسعة وتسعين صفراً من معاناة الأثوري جمعت في صفر واحد يسمى الإهمال الرسمي ولم نستطع نقل مآسي أبناء الأثاور وآهاتهم كما هي كما لم نستطع الولوج إلى قرى ومواقع أشد ألماً وبؤساً.. وربما أن هناك حقائق دامية ومآسي يعجز القلم السيال عن الوقوف على تفاصيلها لأنها أبلغ من الوصف.