> عبدالرحمن دحمان

**مقدمة
قدمنا في الأمس القريب (نهاية ديسمبر الماضي) عبر صحيفة «الأيام» مقالا عن الفنان الراحل فريد الأطرش الذي مر على رحيلة 40 عاما، واليوم نقدم مقالا آخر عن كوكب الشرق أم كلثوم، وذلك لمرور 40 عاما على رحيلها.
نهدف من وراء ذلك تعريف أجيالنا الحالية عن عمالقة الطرب العربي الذين رحلوا عنا جسديا، ولكن نذكرهم بأعمالهم الخالدة التي مازالت محفورة في وجدان عشاق الطرب العربي.
أم كلثوم (31 ديسمبر 1898 - 3 فبراير 1975)
أم كلثوم مغنية وممثلة اشتهرت في مصر وفي عموم الوطن العربي في القرن العشرين، ولقبت بكوكب الشرق وسيدة الغناء العربي.
ولدت في محافظة الدقهلية لإبراهيم البلتاجي، مؤذن قرية طماي الزهايرة، كانت تحفظ وتغني القصائد والتواشيح هي وأخوها خالد إبراهيم البلتاجي، وفي حدود سن العاشرة قد أصبحت تغني أمام الجمهور في بيت شيخ البلد بقريتها.
**بدايتها**
بدأ صيت أم كلثوم يذيع منذ صغرها حين كان عملها مجرد دخل إضافي للأسرة، لكنها تجاوزت أقصى أحلام الأب حين تحولت إلى المصدر الرئيسي لدخل الأسرة.
بعد عام 1916م تعرف والدها على الشيخين زكريا أحمد وأبو العلا اللذين أتيا إلى السنبلاوين لإحياء ليالي رمضان، وبكثير من الإلحاح أقنعا الأب بالانتقال إلى القاهرة ومعه أم كلثوم، وكانت تلك الخطوة الأولى في مشوارها الفني، حينها أحيت ليلة الإسراء والمعراج وتلقت أم كلثوم 3 جنيهات أجرا لها.
وفي عام 1924م تعرفت إلى أحمد رامي عن طريق أبو العلا في إحدى الحفلات التي أدت فيها أم كلثوم أغنية (الصب تفضحه عيونه) وكان أحمد رامي حاضرا غير أن البداية الحقيقية كانت عندما سمعها محمد القصبجي الملحن المجدد وقتها، حيث بدأ محمد القصبجي في إعداد أم كلثوم فنيا ومعنويا مشكلا لها فرقتها الخاصة.
وبعد ذلك بعام تقريبا خلعت أم كلثوم العقال والعباية، وظهرت في زي الآنسات المصريات، وذلك بعد وفاة الشيخ (أبو العلا) الذي ترك فيها تأثيرا روحيا، وكان مرشدها في عالم الطرب.
**التعاون مع السنباطي**
في عام 1935 غنت أم كلثوم (على بلد المحبوب وديني) من ألحان الملحن الشاب رياض السنباطي، وقد ظل يلحن لأم كلثوم ما يقارب 40 عاما، وكاد يكون هو ملحنها الوحيد في فترة الخمسينيات.
وفي عام 1946 غنت 3 قصائد من ألحان السنباطي، ومن كلمات أحمد شوقي غنت (سلو قلبي) التي أخذت بعدا سياسيا في أبياتها التي تقول:
ما نيل المطالب بالتمني
ولكن تؤخذ الدنيا غلابا
وكان ذلك بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، ونكوص الإمبراطورية البريطانية عن وعدها بمنح مصر الاستقلال التام، وغنت قصيدة (ولد الهدى) ليصل طلب من القصر بتغيير كلمة (الاشتراكيون) في البيت الذي يقول:
الاشتراكيون أنت إمامهم لولا دعاوى القوم (والغلواء).

في عام 1966م غنت من ألحان رياض السنباطي قصيدة (الأطلال) من كلمات الشاعر إبراهيم ناجي، وكان غناؤها لهذه الأغنية بعد عام واحد من غنائها أغنية (أنت عمري) من ألحان محمد عبدالوهاب، وكان ذلك بمثابة رد من السنباطي على عمل عبدالوهاب (أنت عمري) الذي حقق نجاحا كبيرا، وأثبت السنباطي قدرته الفائقة على تلحين القصائد التي تكتب بالفصحى وحققت (الأطلال) نجاحا قويا.
**متفرقات من حياة أم كلثوم**
غنت أم كلثوم لثورة 23 يوليو على الرغم من الانتكاسات التي مرت بها الثورة، وقد تعرضت أم كلثوم لمنع إذاعة أغانيها من الإذاعة نهائيا، وطردها من منصب (نقيبة الموسيقيين) باعتبارها (مطربة العهد البائد) إلا أن الرئيس جمال عبدالناصر ألغى هذا القرار، وحملت إعجابا جارفا لعبدالناصر بمواقفه الثورية، ويتجلى ذلك في أغنية مثل (بعد الصبر ما طال نهض الشرق، وحققنا الآمال برياستك يا جمال).
عام 1954م خفضت أم كلثوم جدول حفلاتها الموسيقية بسبب المشاكل الصحية التي كانت تعاني منها، والنظارة السوداء التي كانت ترتديها بشكل مستمر هي بسبب مرض الغدة الدرقية الذي أدى إلى جحوظ عينيها.
عام 1954 تزوجت أم كلثوم من حسن السيد الحفناوي، أحد أطبائها الذين تولوا علاجها، واستمر الزواج حتى وفاتها في عام 1975م.
تحصلت على العديد من الأوسمة من رؤساء وملوك العرب، كوسام النهضة من ملك الأردن، ووسام الجمهورية من رئيس تونس الحبيب بورقيبة 1968م.
1964م في العام غنت أم كلثوم واحدة من أشهر أغانيها على الإطلاق (أنت عمري)، هذه الأغنية التي تدخل عبدالناصر شخصيا لتخرج إلى النور، وهي من ألحان الموسيقار المايسترو محمد عبدالوهاب.
بعد النكسة استقبلت أم كلثوم خبر نكسة يونيو 1967م، وهزيمة الجيش المصري بكل حزن مثلها مثل كل المصريين، وقتها سارعت وكانت من أوائل الذين أقاموا الكثير من الحفلات داخل مصر وخارجها للتبرع بأرباحها للمجهود الحربي، غنت أغنيتها الشهيرة (أصبح عندي الآن بندقية)، وغنت أيضا أغنية (حبيب الشعب) لعبدالناصر بعد تنحيته وعودته ثانيا.
في التمثيل شاركت بأفلام غنائية وتمثيلية، واستمرت كممثلة من عام 1935م إلى عام 1948م، ومثلت 6 أفلام هي:
- 1935 وداد - 1936 نشيد الأمل - 1939 دنانير - 1942 عايدة - 1944 سلامة - 1948 فاطمة.
**وفاتها**
أغنية (أوقاتي بتحلو معاك.. وحياتي تكمل برضاك) لم تغنها أم كلثوم، فأثناء البروفات للأغنية وقعت فريسة لمرض التهاب الكلى، وسافرت إلى لندن للعلاج، وكانت قبل سفرها قد طلبت من الشاعر (صالح جودت) أن يكتب أغنية بمناسبة نصر أكتوبر، وبعد عودتها طلبت من الملحن رياض النسباطي تلحينها حتى تغنيها في عيد النصر، ولكنها توفيت قبل أن تؤديها، وكانت الأغنية مطلعها (ياللي شبابك في جنود الله.. والحرب في قلوبهم صيام وصلاة).
في 22 يناير 1975م تصدرت أخبار الصحف مرض أم كلثوم، كما كانت الإذاعات المصرية المختلفة تستهل نشراتها بأخبار مرض أم كلثوم.
وفي 3 فبراير 1975م أعلن وفاة أم كلثوم، لتلتحق بالفنان فريد الأطرش بعد 40 يوما من وفاته، وبذلك خسرت الأمة العربية هامتين من هامات الطرب العربي، كانتا صدمة عنيفة لعشاقهما.