> خالد قائد صالح
دارسعد.. إحدى مديريات محافظة عدن، قلب نابض بالشعر والموسيقى والغناء، لكن كثيرا من صفحات تميزها الثقافي يخشى عليه من الضياع، إذا استمر مهملا هكذا من قبل مثقفينا والمؤسسات الثقافية والإعلامية الرسمية والمنتديات الأدبية والفنية بعدن.
دارسعد.. يُنسب هذا الاسم لأحد مدراء جمارك السلطنة العبدلية فيها، وهو أحد الموالدة، ولا علاقة لهذا الاسم بالبيت العبدلي الحاكم في لحج، وقد لُقب مدير الجمارك بالأمير، لأنه كان آمرا فيها. هذه المعلومة عرفتها من أحد شعراء ومثقفي مدينة دارسعد.
هذه المدينة، يصفها الشاعر خالد قائد صالح، في بعض كتاباته بـ(مدينة القرية وقرية المدينة)، لتشكيلتها السكانية الرائعة بخليط من كل الشرائح والمناطق.
ولم تكن مدينة دارسعد في يوم من الأيام، حقيرة ولا جاهلة ولا مستكينة، بل كانت ولازالت، نبعاً متدفقا للإبداع، لكنها كانت ولا تزال أيضا مهملة مثلها مثل هذه البلاد البائسة، التي تختزن مواهب عملاقة لا تلمع نجومها إلا خارجها، وهكذا هي دارسعد.
إن المتصفح لقليل من تاريخ دارسعد، ولو عشوائيا، سيجد لدارسعد علاقة بثورة الجزائر، فهي التي احتضنت حفلات دعمها، التي كان نجومها عبدالله هادي سبيت ومحمد صالح حمدون ومهدي درويش وغيرهم.
ودارسعد هي التي احتضنت بسكناها نجوم الأغنية والأغنية اللحجية على وجه الخصوص، فانطلق منها أحمد علي النصري، صاحب ديوان (دق القاع) وتوفي فيها، ومهدي علي حمدون صاحب ديوان (ضناني الشوق) وعبده علي ياقوت صاحب ديوان (فراشة أوعدت زهرة)، وسالم علي حجيري، صاحب ديوان (قد نلتقي بكرة)، ومحمود علي السلامي، صاحب ديوان (ساكت ولا كلمة)، وسيف صلوح، صاحب أغنية (يا أمل ياعمر ضايع)، ومحمد نعمان الشرجبي صاحب ديوان (يامشتكي من حبيبك)، وأحمد سيف ثابت، صاحب ديوان (أنا والعقل في حيرة)، وعبدالرحمن إبراهيم صاحب أغنية (تعبنا من حبايبنا)، ومحمد علي ثابت الجمل، ومسرور مبروك، الغني عن التعريف، ومحمد الأردني الذي كتب عددا من الأغنيات لفضل كريدي، منها أغنية (نصيف القلب يانجمة معاكي)، والشاعرة صفية اللحجية، الملقبة بـ(فانوسة).
ومن الفنانين الذين احتضنتهم دارسعد: أحمد تكرير وفضل كريدي وسالم المولد وحمود حزام وفيصل شاهر وأحمد ومحمد شاهر وصادق عبده خالد وصابور ناصر، وسكنها أيضا في بداية حياتهم الفنية عبدالرب إدريس ومحمد سالم بن شامخ، وجرب فيها أبوبكر سالم بلفقيه، أول مشاعر حب الصبا، وقد ترجمها في أغنية (يا ورد محلى جمالك بين الورود) وغيرهم كثر.
وكانت لهذه الأسماء صولات وجولات في مجالات الأدب والفن، كالغناء والتأليف وتأسيس المنتديات و(المبارز) والصالونات الأدبية والفرق الموسيقية الأهلية كفرقة (الشرق) وفرقة لجان الدفاع الشعبي.
فمن منا لم يسمع عن مبرز الحجيري (منتدى لاحقا) ومبرز محمود السلامي وصالون صفية اللحجية (فانوسة)، حيث كان هذا الأخير ملتقى السياسيين والأدباء والشعراء والفنانين، ومنه خرجت القصيدة الخالدة ( أخاف والخوف منك) للشاعر الكبير صالح نصيب، وكان لها هي أيضا نصيب من كتابة الشعر الغنائي كاغنية (خان العهد يا ويله)، ولا أدري لماذا لا يحظى صالونها بالدراسة والتوثيق، ربما لأنها امرأة والرجال يحتكرون الأدب عبر التاريخ، ولذلك فإن المرأة التي تؤسس صالونا أدبيا يكون قبلة لنخبة المفكرين والأدباء والفنانين هي امرأة عظيمة دون شك، لا تقل شأناً عن ولادة بنت المستكفي في قرطبة ومي زيادة في القاهرة، لكن الفرق بينهما وبين (فانوسة) أن الأخيرة كانت متواضعة، إلا أنها نجحت، ربما لأول ولآخر مرة في اليمن، أن تؤسس صالونا أدبيا بمدينة دارسعد، ولاشك أن منتداها له نتائج هامة وكبيرة على المستوى السياسي والأدبي، لابد من دراستها وتوثيقها.
ومن مبرز الحجيري خرج المؤلف المرجعي (مئة شاعر وستمائة أغنية) للحجيري وأحمد سيف ثابت، وعن جلساتهم ومساجلاتهم في شعر الدان إخرج محمود السلامي، وخالد قائد صالح كتاب (مساجلات في شعر الدان من أيام زمان).
والجدير بالإشارة أن دارسعد كانت حاضنة لنهضة الأغنية اللحجية في مرحلة ما بعد الاستقلال 1967، وقدم بعض أغنياتها بكلمات جديدة على أعمال وألحان قديمة، كأغنية (على بالي مكاني مانسيتك) للحجيري، التي ركبت على لحن أغنية (مسك لي سيف) للنصري، والعجيب بقاء الأغنيتين وبنفس اللحن علامة من علامات الفن اللحجي.
والمثير للانتباه أن عناوين عدد من الدواوين الشعرية لشعراء دارسعد هي لأغنيات استأثر بها نجم تلك المرحلة وما تلاها إلى اليوم، فيصل علوي، ما عدا أغنية (ضناني الشوق) التي كانت من نصيب المرشدي وفنان العرب محمد عبده، وهي للشاعر مهدي حمدون، بينما توزع بقية ديوانه بين فيصل علوي ومحمد صالح حمدون وطه فارع.
وخبايا دارسعد كثيرة، وتحتاج لمنقب خبير يبحث ويكتب عنها، وأرى في الدكتور ابن دارسعد، جمال السيد، خير منقب عن الكنوز، لكن الدعوة عامة لكل مثقفي دارسعد خاصة وعدن بشكل عام.
هذه السطور ليست إلا ومضات سريعة جدا، لعناوين كتب، إن أراد المهتمون كتابتها، عن هذه المدينة التي اشعرت بريطانيا بالغيرة، حينما منعت (القات) في عدن، فانتقل تجارها بثقلهم إلى دارسعد، فاشتروا الأراضي وزرعوا البساتين وعاشوا البذخ والجمال في آن، وفي أحد هذه البساتين عام 1954 استقبل المرشدي الشاب الموهوب حينها أبوبكر سالم بلفقيه، الذي جيء به للمرشدي ليحكم على موهبته، وفيها أيضا اكتشف عبده علي ياقوت “وفاء الفراشة للزهرة” ووشى بهما، في رائعته ورائعة فيصل علوي (فراشة أوعدت زهرة).
وبسبب ذلك الازدهار، وعزم السلطنة العبدلية على استمرار تخطيط دارسعد تخطيطا حديثا، غارت بريطانيا وقامت بتخطيط مدينة المنصورة، لتسحب البساط من تحت أرجل هذه المدينة الوادعة اللامعة (دارسعد).
دارسعد.. يُنسب هذا الاسم لأحد مدراء جمارك السلطنة العبدلية فيها، وهو أحد الموالدة، ولا علاقة لهذا الاسم بالبيت العبدلي الحاكم في لحج، وقد لُقب مدير الجمارك بالأمير، لأنه كان آمرا فيها. هذه المعلومة عرفتها من أحد شعراء ومثقفي مدينة دارسعد.
هذه المدينة، يصفها الشاعر خالد قائد صالح، في بعض كتاباته بـ(مدينة القرية وقرية المدينة)، لتشكيلتها السكانية الرائعة بخليط من كل الشرائح والمناطق.
ولم تكن مدينة دارسعد في يوم من الأيام، حقيرة ولا جاهلة ولا مستكينة، بل كانت ولازالت، نبعاً متدفقا للإبداع، لكنها كانت ولا تزال أيضا مهملة مثلها مثل هذه البلاد البائسة، التي تختزن مواهب عملاقة لا تلمع نجومها إلا خارجها، وهكذا هي دارسعد.
إن المتصفح لقليل من تاريخ دارسعد، ولو عشوائيا، سيجد لدارسعد علاقة بثورة الجزائر، فهي التي احتضنت حفلات دعمها، التي كان نجومها عبدالله هادي سبيت ومحمد صالح حمدون ومهدي درويش وغيرهم.
ودارسعد هي التي احتضنت بسكناها نجوم الأغنية والأغنية اللحجية على وجه الخصوص، فانطلق منها أحمد علي النصري، صاحب ديوان (دق القاع) وتوفي فيها، ومهدي علي حمدون صاحب ديوان (ضناني الشوق) وعبده علي ياقوت صاحب ديوان (فراشة أوعدت زهرة)، وسالم علي حجيري، صاحب ديوان (قد نلتقي بكرة)، ومحمود علي السلامي، صاحب ديوان (ساكت ولا كلمة)، وسيف صلوح، صاحب أغنية (يا أمل ياعمر ضايع)، ومحمد نعمان الشرجبي صاحب ديوان (يامشتكي من حبيبك)، وأحمد سيف ثابت، صاحب ديوان (أنا والعقل في حيرة)، وعبدالرحمن إبراهيم صاحب أغنية (تعبنا من حبايبنا)، ومحمد علي ثابت الجمل، ومسرور مبروك، الغني عن التعريف، ومحمد الأردني الذي كتب عددا من الأغنيات لفضل كريدي، منها أغنية (نصيف القلب يانجمة معاكي)، والشاعرة صفية اللحجية، الملقبة بـ(فانوسة).
ومن الفنانين الذين احتضنتهم دارسعد: أحمد تكرير وفضل كريدي وسالم المولد وحمود حزام وفيصل شاهر وأحمد ومحمد شاهر وصادق عبده خالد وصابور ناصر، وسكنها أيضا في بداية حياتهم الفنية عبدالرب إدريس ومحمد سالم بن شامخ، وجرب فيها أبوبكر سالم بلفقيه، أول مشاعر حب الصبا، وقد ترجمها في أغنية (يا ورد محلى جمالك بين الورود) وغيرهم كثر.
وكانت لهذه الأسماء صولات وجولات في مجالات الأدب والفن، كالغناء والتأليف وتأسيس المنتديات و(المبارز) والصالونات الأدبية والفرق الموسيقية الأهلية كفرقة (الشرق) وفرقة لجان الدفاع الشعبي.
فمن منا لم يسمع عن مبرز الحجيري (منتدى لاحقا) ومبرز محمود السلامي وصالون صفية اللحجية (فانوسة)، حيث كان هذا الأخير ملتقى السياسيين والأدباء والشعراء والفنانين، ومنه خرجت القصيدة الخالدة ( أخاف والخوف منك) للشاعر الكبير صالح نصيب، وكان لها هي أيضا نصيب من كتابة الشعر الغنائي كاغنية (خان العهد يا ويله)، ولا أدري لماذا لا يحظى صالونها بالدراسة والتوثيق، ربما لأنها امرأة والرجال يحتكرون الأدب عبر التاريخ، ولذلك فإن المرأة التي تؤسس صالونا أدبيا يكون قبلة لنخبة المفكرين والأدباء والفنانين هي امرأة عظيمة دون شك، لا تقل شأناً عن ولادة بنت المستكفي في قرطبة ومي زيادة في القاهرة، لكن الفرق بينهما وبين (فانوسة) أن الأخيرة كانت متواضعة، إلا أنها نجحت، ربما لأول ولآخر مرة في اليمن، أن تؤسس صالونا أدبيا بمدينة دارسعد، ولاشك أن منتداها له نتائج هامة وكبيرة على المستوى السياسي والأدبي، لابد من دراستها وتوثيقها.
ومن مبرز الحجيري خرج المؤلف المرجعي (مئة شاعر وستمائة أغنية) للحجيري وأحمد سيف ثابت، وعن جلساتهم ومساجلاتهم في شعر الدان إخرج محمود السلامي، وخالد قائد صالح كتاب (مساجلات في شعر الدان من أيام زمان).
والجدير بالإشارة أن دارسعد كانت حاضنة لنهضة الأغنية اللحجية في مرحلة ما بعد الاستقلال 1967، وقدم بعض أغنياتها بكلمات جديدة على أعمال وألحان قديمة، كأغنية (على بالي مكاني مانسيتك) للحجيري، التي ركبت على لحن أغنية (مسك لي سيف) للنصري، والعجيب بقاء الأغنيتين وبنفس اللحن علامة من علامات الفن اللحجي.
والمثير للانتباه أن عناوين عدد من الدواوين الشعرية لشعراء دارسعد هي لأغنيات استأثر بها نجم تلك المرحلة وما تلاها إلى اليوم، فيصل علوي، ما عدا أغنية (ضناني الشوق) التي كانت من نصيب المرشدي وفنان العرب محمد عبده، وهي للشاعر مهدي حمدون، بينما توزع بقية ديوانه بين فيصل علوي ومحمد صالح حمدون وطه فارع.
وخبايا دارسعد كثيرة، وتحتاج لمنقب خبير يبحث ويكتب عنها، وأرى في الدكتور ابن دارسعد، جمال السيد، خير منقب عن الكنوز، لكن الدعوة عامة لكل مثقفي دارسعد خاصة وعدن بشكل عام.
هذه السطور ليست إلا ومضات سريعة جدا، لعناوين كتب، إن أراد المهتمون كتابتها، عن هذه المدينة التي اشعرت بريطانيا بالغيرة، حينما منعت (القات) في عدن، فانتقل تجارها بثقلهم إلى دارسعد، فاشتروا الأراضي وزرعوا البساتين وعاشوا البذخ والجمال في آن، وفي أحد هذه البساتين عام 1954 استقبل المرشدي الشاب الموهوب حينها أبوبكر سالم بلفقيه، الذي جيء به للمرشدي ليحكم على موهبته، وفيها أيضا اكتشف عبده علي ياقوت “وفاء الفراشة للزهرة” ووشى بهما، في رائعته ورائعة فيصل علوي (فراشة أوعدت زهرة).
وبسبب ذلك الازدهار، وعزم السلطنة العبدلية على استمرار تخطيط دارسعد تخطيطا حديثا، غارت بريطانيا وقامت بتخطيط مدينة المنصورة، لتسحب البساط من تحت أرجل هذه المدينة الوادعة اللامعة (دارسعد).