> كتب / هاني سالم مسهور*
عكست إحاطة الثاني من أغسطس 2018 للمبعوث الأممي مارتن جريفيثس أمام مجلس الأمن الدولي محورين رئيسيين، الأول يتعلق بنظرة المجتمع الدولي للحوثيين باعتبارهم طرفا سياسيا موازيا للمؤسسة الشرعية اليمنية، والمحور الثاني يتمثل في الاستفادة السياسية من الفوضى اليمنية بالاصطياد في المياه العكرة.
فمن الواضح أن هناك أطرافا دولية تحاول الحصول على حصتها في الكعكة اليمنية. هذان المحوران يعتبران تحولا خطيرا في مآلات ما يمكن أن تؤول إليه الأزمة اليمنية.
واحدة من إشكاليات المجتمع الدولي أنه لا يريد التعامل مع ميليشيات الحوثي على اعتبار أنها جماعة تمتلك ذات الخصال التكوينية للجماعات الإسلامية السنيّة، فلا يمكن التفريق بين تنظيم داعش أو القاعدة أو غيرها من جماعات العنف الإسلامية، فكل هذه الجماعات تنطلق من مفهوم واحد وتمارس السياسة من خلال معتقداتها الدينية، الإشكالية في التعامل الدولي مع هذه الأفكار المزدوجة عند الغربيين، ويمكن التدليل على هذه الازدواجية في تعامل دول الاتحاد الأوروبي مع حزب الله.
فعلى الرغم من أن هذه الجماعة تحمل أيديولوجية متشددة وتعلن خصومتها لليبرالية الغربية، غير أن دول كألمانيا مثلا لا ترى أنه حزب متشدد، بل تتيح له الفرصة ليتحرك من الأرض الألمانية عبر منظمات حقوقية وخيرية مختلفة التمويل، لذلك برز هذا التناقض في رؤية دول الاتحاد الأوروبي لتيارات الإسلام السياسي الشيعية تحديدا، برغم أن هذه التيارات ترفع شعارات مناهضة للغرب بداية من الثورة الخمينية التي تنادي بالموت لأميركا ووصولا إلى شعارات الحوثيين التي تصب اللعنات على اليهود والأميركان.
تبدو هذه الإشكالية تتطلب توضيحا من قبل دول الاتحاد الأوروبي، فهذا الالتباس، إن صح التعبير، يقود إلى نتائج سلبية تظهر في عدم إدانة الحوثيين في ملفات متعددة، بداية من زراعتهم لأكثر من مليون لغم، ومرورا بتجنيدهم للأطفال في الحرب، ووصولا إلى استخدامهم الصواريخ الباليستية واستهداف خطوط الملاحة الدولية سواء في جنوب البحر الأحمر أو في باب المندب.
قد يفسر هذا الالتباس عند دول الاتحاد الأوروبي حول معرفة حقيقة الحوثيين عدم اكتراث الحوثيين بردة فعل المجتمع الدولي حيال تصرفاتهم، خاصة عند العودة إلى حادثة التصفية الجسدية للرئيس السابق علي عبدالله صالح في الرابع من ديسمبر عام 2017، والتي لم ترتق ردة الفعل الدولية تجاهها إلى مستوى جسامة الحدث وخطورته.
قد يكون اليمن مقبلا على أسوأ السيناريوهات بوجود نصف دولة خمينية أي استدامة الصراعات المسلحة في مجتمع يمتلك البيئة والدوافع لإطلاق سلسلة حروب لا منتهية على أرض اليمن، فكرة مارتن جريفيثس بالقفز على المرجعيات وجمع الأطراف المتنازعة في جنيف عبر طاولة مشاورات هي تمهيد لتفكيك المرجعيات، وتبدو الاستنادات التي بدأت تتكشف تتابعا من اندفاع الاتحاد الأوروبي في موقفه من حادثة مستشفى الثورة وسوق الصيد في مدينة الحديدة وكذلك من حادثة صعدة تعطي مؤشرات أن هناك تمهيدا لإيجاد أرضية لتفكيك المرجعيات الأساسية.
وبالـتأكيد فإن المرجعية التي لن يسمح بالمساس بها ستبقى مرجعية المبادرة الخليجية، فهذه المرجعية دون غيرها لا تحتمل المساس ولا تحتمل حتى إعادة تركيبها مجددا، وتبقى مرجعيات مؤتمر الحوار الوطني والقرار الدولي 2216 أيضا مرجعيات لها أهميتها وإن كان يلوح حولها الكثير من التعاطي فهناك رغبة لتعليق القرار الأممي وإنهاء تفويض التحالف العربي، وقد ظهرت إشارات متعمدة تم تسريبها قبيل انعقاد جلسة 2 أغسطس 2018 عبر الأمم المتحدة التي تحدثت عن وضع ضوابط للاشتباك العسكري في اليمن، وهذا يعني بشكل واضح تفكيك القرار 2216.
وهذه الإشارات تبدو ممهداتها قائمة من خلال بيانات الاتحاد الأوروبي الأخيرة حيال الأزمة في اليمن ومنها التضخيم المتعمد في أعداد النازحين في الحديدة والتي تحدثت عن 340 ألف نازح من أصل 600 ألف هم سكان الحديدة، وهذا رقم مبالغ فيه يأتي في إطار التمهيد لخطوة تعليق أو تفكيك القرار 2216.
الخلل في تحركات المبعوث الأممي مارتن جريفيثس يكمنُ في أنه يرغب في إيجاد حلول لإنقاذ الحوثيين ومنحهم المسوغات السياسية وتجنيبهم تبعات انقلابهم في سبتمبر 2014، برغم أن مهمة مارتن جريفيثس هي تنفيذ القرار الدولي 2216 والذي ينص على انسحاب الحوثيين من المدن وتسليم السلاح ومقرات الحكومة إلى المؤسسة الشرعية السياسية.