> كتب/ محمد نجيب

توقيت تغريدة رئيس اللجنة الاقتصادية أ.حافظ معياد الأخيرة (23 سبتمبر الماضي) كان غير موفق ومناسب، ذلك أن تغريدته جاءت بعد يوم واحد فقط (22 سبتمبر المنصرم) من اجتماع للجنة برئاسة دولة رئيس الوزراء في القاهرة. ويبدو ان ما دار خلال هذا الاجتماع وما تمخض عنه (ومما قد يختمر منه لاحقا) من قرارات لم تات لصالح الاخ حافظ ميعاد وهواه. فبادر واستبق بتغريدته اي تطورات قد تضعه في موقف لا يحسد عليه. ولقد كانت تغريدته ومحتوياتها خطوة غير محسوبة العواقب. ذلك ان الوضع الحساس الذي يمر به «اقتصادنا الكرتوني» والعملة الوطنية المنهارة لا يتحملان إطلاقا اي مناكفات او تلميحات كالتي اطلقها السيد معياد.
والسؤال هو لماذا أقدم على هذه الخطوة وبهذا التوقيت؟.

كان بإمكان السيد حافظ  تاجيل الرد على الأسئلة (اعتبرتها مستفزة!) التي وجهت إليه كرئيس للجنة عن أسباب استمرار تدهور سعر صرف الريال أو حتى كان تجاهل هذه الاستفسارات جملة وتفصيلا.

ولكن يبدو جليا أن السيد معياد لجأ إلى  تغريدته لـ «تبرئة» نفسه ولجنته (ضمنا) لفشلهم، حتى بالحد الأدنى، في اداء مسؤولياتهم عامة وعجزهم على وقف استمرار نزيف سعر صرف الريال خاصة حتى بعد نحو شهرين من تأسيس لجنته بقرار جمهوري (أغسطس الماضي - حدد مهام ووظائف ومسؤوليات اللجنة). وتحديدا بعد ان اوكل اليها فخامة الرئيس أولى مهامها خلال اجتماعه باللجنة بتاريخ 4 سبتمبر الفائت المرتبطة بمواضيع اقتصادية خطيرة وحساسة منها على سبيل الذكر وليس الحصر:
1 - سبل وقف تدهور أسعار صرف العملة الوطنية (كان على مستوى قريب من 600 ريال/للدولار آنذاك).
2 - العمل على تصدير النفط من كل الحقول في مأرب وشبوة وحضرموت.
3 - البدء بتصدير الغاز عبر ميناء بلحاف.
4 - الحد من المصروفات والنفقات العامة.
5 - تفعيل أجهزة الرقابة على المال العام.
6 - أخرى.
وبرغم الثقل والخطورة والاهمية القصوى للمواضيع والمهام التي اوكلت اليها (المذكورة اعلاه).
وثأتيراتها المباشرة والعميقة على أوضاع الوطن الاقتصادية عامة وحياة ومعيشة المواطن خاصة، إلا ان اللجنة وفي خلال مدة زمنية قصيرة جدا (96 ساعة) اصدرت بلاغها الإعلامي (بتاريخ 8 سبتمبر) أعلنت فيه «انتهاءها» من مهامها. واليكم تحليل لأهم النقاط في البلاغ والمرتبطة بموضوعنا وهي التالية:
1 - اكد البلاغ الإعلامي الاول (بيان الـ4 ايام)  «انتهاء» اللجنة من وضع «الحلول والمخارج» للمهام (امور اقتصادية ومالية شائكة) التي اوكلت اليها (راجع بيان اللجنة - 7 سبتمبر 2018م). واكدت فيه اللجنة أن تنفيذ توصياتها (اي الحلول والمخارج) يقع على عاتق الحكومة من خلال مؤسساتها وادواتها كالبنك المركزي.

ولكن وبخيبة امل متوقع سرع وعمق ذات البلاغ الإعلامي الضرر «بسعر صرف الريال» واوصله في فترة زمنية قصيرة الى مستويات صرف لم يصلها في تاريخه، عند نحو 750 ريالا لكل دولار امريكي (بتاريخ 30 سبتمبر 2018م).

2 - اهم نقطة تضمنها بلاغ اللجنة الإعلامي كانت إعلان انتهاء مهمتها (الرئاسية والأولى) وإغلاق ملفات «المهمة». واكدت اللجنة استعدادها وجاهزيتها بالانخراط في أي مهمة جديدة ومستقبلية تطلبها الحكومة.

في التغريدة (23 سبتمبر 2018م) أفصح السيد معياد (ايضا ضمنا) عن انقلابه على وظائف ومهام اللجنة كما حددها قرار تأسيسها الجمهوري وتنصله الكامل بهذا الخصوص. بل قلب الطاولة على كل جوانب ذات القرار الجمهوري ولخص ذلك بأنه لا توجد مهام او وظائف او مسؤوليات لـ «اللجنة الاقتصادية « إلا واحدة فقط ولاغير، وهي «إعطاء الراي» «لا غيره». بمعنى ادق فمستقبلا لا حلول ولا مخارج مبنية على بحوث ودراسات وبراهين عملية وأكاديمية سترافق الانتهاء من مهام او مسؤوليات تحول إلى اللجنة من قبل الحكومة وكما نص عليه قرار تأسيسها الرئاسي. كل وجل التي ستقوم به «اللجنة» فعليا من تاريخ (23 سبتمبر 2018م) هو إبداء «الرأي» والرأي... لاغير.

الأخ الفاضل حافظ ومع كل الاحترام، الحكومة المؤقرة ليست شركة إنتاج أفلام/ مسلسلات/ مسرحيات. كما ان أعضاءها (دولة رئيس الوزراء والوزراء) ليسوا كتابا لرويات (بكل أنواعها) ولا يمتهنون الشعر ولا التمثيل...إلخ حتى تغنيهم وتحفهم بـ «رأي» ناقد وغني وفني ومتفانٍ.

الوضع الاقتصادي الصعب والذي يتفاقم يوما بعد يوم وعجز الحكومة المزمن واساليبها العقيمة والضارة وقلة حيلتها إلخ. كل هذا يتطلب منكم لزاما ولجنتكم اكثر من «رأي»!!
اخي الكريم انتم (واللجنة التى ترأسونها) تقفون على امور ومواضيع اقتصادية ومالية تمس حياة ومعيشة ومستقبل المواطن.

ولك أخي الكريم في الأزمة المالية العالمية (2008 - 2009م) مثال حي لان تبعاتها عصفت وماتزال تعصف بعدد من الدول في العالم؛ وهي الاكبر في تاريخنا المعاصر. وقعت ولم يتوقع او يتنبأ (يعطي رأي) لاساسياتها او حدوثها كبار الاقتصاديين (من حملة جوائز نوبل في الاقتصاد) وكبار رجال المال والأعمال (انهيار بنك ليمن برادرز بأصول قاربت 0.65 ترليون دولار امريكي، هو اكبر الامثلة).

اخي الكريم، الاقتصاد هو علم وهو أكاديميات ومدارس ونظريات وتطبيقات وقواعد معلومات وأرقام وتجارب ومحاكات بافتراضات مقبولة ومنطقية ونمادج وسيناريوهات ولحالات وظروف مختلفة ومتعددة إلخ، كيف لـ «لجنة اقتصادية» أن تتجاهل وتغفل وتتنكر عن هذه الاساسيات والمتطلبات عند القيام بأي مهام ووظائف دراسية وبحثية، تكون محصلته النهائية إعطاء «رأي»؟!

بنظركم ونظر اللجنة المؤقرة، أي من مدارس الفكر الاقتصادي المعاصر ك «آدم سميت» ورفاقه من بعده ماتيوس ريكاردو أو مدرسة جون كينز، يجب تطبيقها «للخروج» بأقل الخسائر، من وضعنا الاقتصادي المنهار والمشؤوم عامة وإنقاذ العملة الوطنية خاصة؟
دعونا نعود مجددا الى ما ذكرتم في تغديرتكم (23 سبتمبر 2018م):
نقتبس.... «يسألني الكثيرون عن سبب ارتفاع الدولار وهنا اود التوضيح أننا في اللجنة نقدم «رأي» ولسنا مخولين قانونا بالتنفيذ»... انتهى الاقتباس... جملة غير متوازنة ومردودة عليكم.

ولكن سبق لك (اللجنة) في المذكرة المؤرخة 7 سبتمبر 2018م وان ذكرتم الآتي:
نقتبس.... «انهت اللجنة الاقتصادية أعمالها لدراسة الحالة الاقتصادية ووضع التدابير الكفيلة بعودة الاستقرار التمويني والغذائي والخدماتي إلى وضعها الطبيعي، ووقف انهيار العملة الوطنية أمام سلة العملات الأجنبية». وفي نفس البلاغ ذكرتم ... نقتبس:

«وإعادة السوق من حالة القلق التي تقف وراء التداعي السريع للعملة الوطنية إلى حالة الاطمئنان وقدمت (اللجنة) «مسودة حل» (لاحظ ليس رأي) لانقاذ الوضع الاقتصادي ووقف انهيار العملة الوطنية، الى مجلس الوزراء...انتهى الاقتباس....
عجب ورب العالمين.. دراسة وبحث وتدابير مؤكدة لوقف انهيار الريال!!.

كل هذه المسودات الإنقاذية والحلول والمخارج وبالذات فيما يخص الريال، تمخضت بين عشية وضحاها الى مجرد  «رأي»! ليس إلا!! ما الذي حدث ليجعلكم تهبطون بمقامكم بهذه السرعة المدوية؟ وانتم مرجعيات وخبراء اقتصاد ومال وقرار، لهم وزنهم وثقلهم المادي على الساحة الوطنية. ثم فجأة، وبتغريدة تحولتم الى مجرد مجموعة «تنحصر» مهامها (الخطيرة والمصيرية بإعطاء «رأي» فقط؟. بالتاكيد هذا التحول، من مهام صعاب شبه مستحيلة تتطلب عمل شاق وجهد استثنائي الى مجرد اطلاع سطحي وضحل يوصل الى «رأي يتطلب منكم تفسيرا منطقيا ومقبولا.

وبرغم قيامكم بهذا التغير الخطير، فحتما لم يتم المساس بحزمة التعويضات المالية (Financial Compensations Package) (مكافات، حوافز، علاوات إلخ).
لرئيس اللجنة والأعضاء؟
تغريدتكم لم تشر إطلاقا او تلمح عن ماهي وكيفية الـ «آلية» التي ستستخدم لتوصيل «الرأي» المستخلص الى الجهة (الحكومة) المعنية بها؟
ولكن وطالما وانكم قد أفصحتم واوضحتم طريقتكم «إعطاء الراي فقط»، فهل لنا ان نتصور ان  مستقبلا، ستعطون/ ستوصلون «الرأي» رايكم الى، مثلا، دولة رئيس الوزراء شفهيا، وجه لوجه ام عبر الموبايل او بشريط مسجل أو عن طريق وسيط ثالث؟.
ام ربما ان اللجنة سترسل «رايها» مكتوبا عبر البريد الحكومي يرسل بمعية اطقم حراسة نظرا «لأهميته» القصوى ومحتواه «المصيري»؟.
وهل لنا أن نفترض انه في نهاية المطاف قد ترسل اللجنة «رايها» عبر الواتس اب؟!.

وعليه وبناء على الفرضيات اعلاه، سوف نسترسل معكم ونفترض أن دولة رئيس الوزراء استلم «راي»، رايكم، بواسطة واحدة من وسائل التسليم السالفة الذكر. وقام بعد ذلك بدراسة ومراجعة «الراي». ومن ثم قام هو ايضا بالتواصل مع محافظ البنك المركزي اليمني (كمثال) بنفس الطريقة التي تم تسليمه بها «الراي» لانها أثبتت انها الانجع. وطلب من محافظ البنك المركزي «الدراسة والعمل بموجبه» اي «الراي».

وبحسب مثالنا اعلاه، فإن وجود المستلم الاول (دولة رئيس الوزراء) والمستلم الثاني (محافظ البنك المركزي) في نفس المدينة (بالتاكيد خارج الوطن) فإن التسليم ونقل «الراي» من الاول الى الثاني كان سلسلا وسهلا وسريعا. ذلك لأن «بيئة» خارج الوطن خالية من ولا توجد فيها مشاكل (بكل اشكالها) ولان كل شيء محضر وجاهز ومدفوع بالعملة الصعبة، وعليه فلزاما على الأخ محافظ البنك المركزي (مثال) العمل والتنفيذ بالـ «راي» بكل عناية ومهارة وضمان نجاحه الاكيد. خاصة وان مسوداتكم للحلول والمخارج الانقاذية «تشترط» حصر تنفيذها من قبل مؤسسات ودوائر وادوات إلخ الحكومية لا غير كالبنك المركزي اليمني (في تغريدتك الاخيرة) بل انك اخي الكريم اكدتم بما لا يدعو إلى الشك او الريبة أن تنفيذ «الراي»، فيما يخص «مهمة» سعر الصرف، تقع مسؤوليته إجمالا وبالكامل على عاتق البنك المركزي وان الاخ المحافظ هو المخول قانونا بتنفيذ «الرأي» ولا احد غيره، كالاخ النائب و/ أو لجنة من البنك المركزي، مثلا.

هنا، لابد من وقفة نسالكم فيها بناء على أي سلطة / قانون والذي بواسطته / خلاله اعطيتم واستمديتم لانفسكم الحق بـ «حصر»  تنفيذ «الراي» على الأخ محافظ البنك المركزي فقط (وليس دفاعا عنه) ولا احد سواه؟.
سؤال اخر لك اخي رئيس اللجنة... هل سبق لكم اختبار «الراي» (رأيكم ) واساسياته ومراحله من قبل حتى تعطيه وترخصه وتعتمده وتدمغه «صيغة الحلول والمخارج»؟.

هل هناك مؤهلات ومتطلبات أكاديمية وسجل اعمال وكفاءة وظيفية ومهنية لا يملكها (حصريا) الا الأخ محافظ البنك المركزي، دون سواه، وقواسم مشتركة تتوافق وابجديات «الراي» (رايكم - سعر الصرف)؟
ماذا لو نفذ الأخ محافظ البنك المركزي «الراي» بحذافيره وبطريقة قانونية وتبث واخفاقه؟ من سيكون المسؤول عن ذلك؟
بحسب تغريدتك، فإنها تشير «ضمنا» إلى أنه في حصول مثل هذا الـ «إخفاق فإن الاخ المحافظ هو السبب ولا احد سواه!!!».

وكانك، اخي الكريم تتوقع حتمية فشل الأخ محافظ البنك المركزي في تنفيذ «الرأي»، فاستبقت ذلك ووجهت له النصح لكيفية القيام «بواجبه» على أكمل وجه (ضمنا تعني إنه لا يعلم ذلك). وقد كتبتم:
نقتبس من التغريدة.... «حن جاهزين لمساعدته «عند الحاجة» وننصحه بخطوتين هما...» انتهى الاقتباس.

«عند الحاجة» تقصد عندما يفشل الأخ محافظ البنك المركزي في القيام «بواجبه» ام انكم تشيرون الى حدث/ ظرف خطير ومزلزل سيحدث وطور التكوين ويتعلق ويرتبط بالوضع الاقتصادي والمالي يستدعي (عند الحاجة) تدخلكم (رأي)؟ ألسنا، بالله عليك، نعيش نحن الان هذه الاحداث والظروف (اسميتها انت «عند الحاجة») بكل آلامها ومأسيها وووو؟ أم أنكم تتوقعون أحوالا وأهوالا أكبر وأكثر بكثير، كما وكيفا، من الحي والقائم لتقوموا حينئذ بـ «رأي» متطور وجديد يناسب ويتوافق مع المتوقع والقادم؟

اخي الفاضل، إذا انتم لا تعيشون ظرف  «عند الحاجة»، فأغلبية «الأمة» تنام وتصحى على ظروف وأحوال «عند الحاجة»... فهل انتم جاهزون لتبعاتها؟
لقد سئم المواطن من  اللامبالاتكم وفشلكم الذريع والمزمن وحججكم الواهية واساليبكم الملتوية وكذبكم الفاضح وذاتكم المتعجرف وبعدكم حسا وشعورا وانسانيا وضميريا وانعدام الحد الادنى من الكفاءة.
هذا هو «رأى» الشعب مقابل «رأيكم»...وهو «الاقوى» وسوف تشعرون به عندما يحين توقيت «عند الحاجة» وهو «آت» لا محالة مع انزلاق وانحطاط  سعر صرف الريال وتوجه الصاروخي صوب سعر صرف الألف مقابل الدولار الأمريكي.

لقد استشعرت وحست المملكة، حماها الله من كل عين وسوء وشر، بما نحن فيه ومدى ما وصلت اليه البلاد والعباد من احوال واهوال ومآسٍ، فالمملكة لم ولن تبخل وقدمت الكثير وما تزال تقدم بنفس الزخم، دون ملل او كلل، عطاء بعد عطاء. ولكن وأنتم كما انتم، ستكونون اول من سيخذلها قولا وفعلا وموقفا.
عند تحين ساعة «عند الحاجة» (كما هي بتفسيركم) لن يستطيع احد الوقوف امام الجيشين الشعبي الآني العارم والقادم وبطبيعة مراحله الانتقالية والمنتقاة..... لا محالة.​