> صالح البيضاني*
بقرار مفاجئ أقال الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي، الإثنين الماضي، رئيس حكومته أحمد عبيد بن دغر، وبخلاف كل التوقعات، أتى بشخصية شابة من الظل، لتتبوأ هذا المنصب.
عيّن الرئيس وزير الأشغال العامة والطرق في حكومة بن دغر، معين عبدالملك رئيسا للوزراء، مضمنا قراره نقطتين غير مألوفتين في تاريخ السياسة اليمنية المعاصرة وتشكيل الحكومات، فلم يكلف رئيس الحكومة الجديد بتشكيل حكومته كما هو متبع عادة، إضافة إلى احتواء القرار على فقرة أخرى ملغومة من خلال الإشارة إلى حيثيات إقالة رئيس الحكومة أحمد عبيد بن دغر التي استوجبت إحالته إلى التحقيق.
ووفقا لديباجة القرار الصادر فقد تمت إقالة بن دغر من منصبه «نتيجة للإهمال الذي رافق أداء الحكومة خلال الفترة الماضية في المجالات الاقتصادية والخدمية، وتعثر الأداء الحكومي في تخفيف معاناة أبناء الشعب وحلحلة مشكلاته وتوفير احتياجاته وعدم قدرتها على اتخاذ إجراءات حقيقية لوقف التدهور الاقتصادي في البلد، وخصوصاً انهيار العملة المحلية، ولفشلها في اتخاذ الإجراءات اللازمة لمواجهة كارثة إعصار لبان بمحافظة المهرة وما أصاب أبناء المهرة جراء هذه الكارثة دون تحرك فعلي من الحكومة».
فور تعيين رئيس الوزراء اليمني الجديد تداولت وسائل الإعلام اليمنية والعربية تساؤلات عن خلفيات هذا القرار، باعتبار أنّ عبدالملك لم يكن معروفا من قبل على نطاق واسع حتى في أوساط المشهد السياسي اليمني، والسبب في ذلك يعود إلى عدم ممارسته أي دور سياسي قبل العام 2013 عندما خاض أول تجربة سياسية له كعضو في مؤتمر الحوار الوطني الشامل ممثلا لشباب الثورة التي اندلعت ضد الرئيس اليمني الراحل علي عبدالله صالح في العام 2011 وكان معين عبدالملك أحد الناشطين فيها، إلى جانب عدد من النشطاء والشباب اليمنيين الذين أصبحوا لاحقا قيادات فاعلة في بنية الحكومة الشرعية.
وعلى الرغم من حالة الجدل التي دارت عن الانتماء السياسي والحزبي لعبدالملك والذي اتهمه البعض بالقرب من تيار الإخوان المسلمين نظرا لمشاركته في احتجاجات 2011 التي كان الإخوان حجر الزاوية فيها، فإن فريقا آخر تحدث عن انتمائه للحزب الناصري بالنظر لانتماء معظم أفراد أسرته لهذا التيار القومي، لكن المؤكد أن عبدالملك يعد واحدا من المحسوبين على تيار عريض نشأ بعد العام 2011 ويتواجد في مختلف الأحزاب والمكونات السياسية اليمنية وهو تيار «الربيع العربي» الذي نشأ في ساحات الاعتصام.
ويرى العديد من المراقبين للمشهد اليمني أن تعيين عبدالملك هو مؤشر على إصرار تيار قوي ونافذ محيط بالرئيس هادي يقوده سفير اليمن في واشنطن أحمد عوض بن مبارك على المضي قدما في تغيير بنية الدولة في اليمن والإطاحة برموز النظام السابق.
ائتلاف الأكاديميين
طبيعة عبدالملك التكنوقراطية هي الميزة التي جعلته خارج مربع الصراعات في معسكر الشرعية، غير أنه يفتقر إلى مكون سياسي يدعم طموحات طبيعة عبدالملك التكنوقراطية هي الميزة التي جعلته خارج مربع الصراعات في معسكر الشرعية، غير أنه يفتقر إلى مكون سياسي يدعم طموحاته.
المبتعد عن الإثارة السياسية
ويعتقد العديد من المهتمين بالشأن اليمني أن مرحلة الاحتجاجات الثورية التي انخرط فيها عبدالملك حفزت خبراته السياسية بعد أن كان كل نشاطه مقتصرا على مجاله المهني والأكاديمي، وتهيأت له الفرصة بعد ذلك للمشاركة في العديد من المؤتمرات التي قدم فيها رؤيته كممثل للشباب حول السياسات والتخطيط الاستراتيجي، وهو المجال الذي برع فيه كما يبدو وقدم حوله الكثير من أوراق العمل الخاصة برسم السياسات والاستراتيجيات، وتقول سيرته الذاتية إنه شارك في عدة ورش عمل وندوات تتعلق بصياغة مشروع قانون الهيئة الوطنية المستقلة لحقوق الإنسان في اليمن ووضع الهيئات الوطنية في الدساتير، والقوانين المنظمة، ومستويات الحكم والإدارة في الدول الاتحادية والنصوص التي تتعلق بها في الدساتير.
أما نقطة التحول المحورية على الصعيد السياسي فقد كانت بعد اختياره عضوا في مؤتمر الحوار الوطني ممثلا عن الشباب المستقل وانتخابه رئيسا لفريق استقلالية الهيئات الوطنية والقضايا الخاصة في المؤتمر، وهو الموقع الذي هيأه إلى الانضمام لاحقا لعدد من أبرز الفرق واللجان المنبثقة عن مؤتمر الحوار، حيث كان عضوا في لجنة التوفيق وعضوا في لجنة تحديد الأقاليم وعضوا في لجنة صياغة الدستور ومقررا لها.
وتولى واحدا من أهم الملفات التنموية في اليمن من خلال تعيينه نائبا لرئيس لجنة التنسيق والمتابعة للمشاريع التنموية والتي تتولى التنسيق والإشراف على «برنامج إعمار اليمن» المدعوم من الحكومة السعودية والذي تم تدشينه من محافظة أرخبيل سقطرى في مايو 2018 ووصفه عبدالملك حينها بأنه محطة فارقة لمختلف المحافظات اليمنية المتضررة.
اقتصر عمل معين عبدالملك طوال مسيرته المهنية كمهندس وأكاديمي على الجوانب المتعلقة بتخصصه العلمي، حيث عمل مستشارا لعدد من المؤسسات الخاصة والحكومية من أهمها هيئة تنمية وتطوير الجزر اليمنية.
في مواجهة العواصف
العديد من المراقبين للمشهد اليمني يرون أن تعيين عبدالملك مؤشر على إصرار تيار قوي ونافذ يحيط بالرئيس هادي، ويقوده سفير اليمن في واشنطن أحمد عوض بن مبارك، على المضي قدما في تغيير بنية الدولة في اليمن والإطاحة برموز النظام السابق.
قوبل تعيين عبدالملك بعاصفة من الانتقادات والشكوك التي قادتها العديد من الأطراف، حيث رأى فيها أنصار الرئيس السابق وأعضاء المؤتمر الشعبي العام امتدادا لاحتجاجات العام 2011 التي انتهت بتنحي صالح وإضعاف شوكة المؤتمر.
بينما اعتبرت قيادات قبلية وإخوانية على رأسها الشيخ ورجل الأعمال والقيادي في حزب الإصلاح حميد الأحمر أن تعيينه خروج عن جوهر المبادرة الخليجية ومخرجات مؤتمر الحوار في مؤشر على حالة القلق التي ولدها قدوم شخصية لتصدر المشهد الرسمي من خارج إطار التوافقات التقليدية لمراكز القوى في اليمن.
* عن (العرب اللندنية)