> «الأيام» العرب اللندنية
زادت الإدارة الأميركية في خنق إيران، وإحراجها أمام المجتمع الدولي بعدما كشفت عن أدلة جديدة على تورّطها في دعم مسلحين، بمختلف بلدان منطقة الشرق الأوسط، وآخر هذه الأدلة ما تم عرضه من أجزاء تثبت وجود أسلحة إيرانية بأيدي مقاتلين في اليمن وأفغانستان، في خطوة جديدة تؤكد تصميم إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب على اتخاذ إجراءات أشد قوة ووطأة ضد إيران وأذرعها في المنطقة، وهي التي وضعت ردع إيران في مقدمة استراتيجية الأمن القومي الأميركي.
أثبتت التحركات الأميركية الأخيرة ضد إيران أن ما أعلن عنه وزير الخارجية مايك بومبيو منذ شهر أغسطس الماضي عن تشكيل فريق على مستوى رفيع لتركيز الجهود بهدف تعزيز الضغوط على إيران لم يكن فقط تهديدا عرضيا بل موقفا رسميا حازما يؤكد جدية العمل على كشف كل الملفات التي تورط طهران في تخريب وزعزعة أمن منطقة الشرق الأوسط، وحتى خارجها.
وفي كشف جديد، عرضت واشنطن أجزاء لأسلحة إيرانية كانت بأيدي مسلحين في اليمن وأفغانستان، ضمن تصعيد يأتي بالتزامن مع تشديد العقوبات الأميركية على طهران من جهة، ورفض متصاعد للدور الذي تلعبه الميليشيات الإيرانية في دول مثل العراق ولبنان واليمن من جهة أخرى، وغضب داخلي نتيجة تجويع النظام الإيراني للشعب مقابل صرف أمواله على أذرعه في الخارج.
ولم يكن ما كشف عنه الممثّل الخاص لوزارة الخارجية الأميركية للشؤون الإيرانية برايان هوك، من «أدلة على انتشار صواريخ إيرانية»، في اليمن وأفغانستان وغيرهما، أمرا جديدا، حيث سبق أن قدمت الإدارة الأميركية أدلة مشابهة وتأكيدات، من ذلك ما عرضته المندوبة الأميركية السابقة لدى الأمم المتحدة نيكي هايلي، في سنة 2017، من “أدلة دامغة” بأن إيران حاولت تغطية انتهاكات لالتزاماتها الدولية، ومستمرة في “أنشطتها المزعزعة للاستقرار في الشرق الأوسط ومناطق أخرى في العالم”.
وفي ذات المكان، تحدث هوك قائلا: «إن دعم إيران للمقاتلين الحوثيين (في اليمن) تزايد منذ عام تماما، كما هذه الجردة في المستودع».
ومن القطع التي عرضها صاروخ أرض جو من نوع “صياد 2” قالت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون): «إن السعودية اعترضته في اليمن، وصواريخ موجهة مضادة للدبابات سلمتها إيران، حسب واشنطن، إلى مقاتلي حركة طالبان الأفغانية، وصادرها الجيش الأفغاني في قندهار». كما عرضت طائرة «شهيد 123»، وأسلحة أخرى سلمتها سلطات البحرين إلى الولايات المتحدة.
وتابع أنّ «هذا الصاروخ كان من المقرر إرساله إلى المتمرّدين الحوثيين، الذين كانوا سيستخدمونه لاستهداف طائرة للتحالف على بُعد 46 ميلا». وأكد هوك أن «إيران تقدّم الدعم المادي لطالبان منذ 2007 على أقلّ تقدير».
ومن ناحية القانون الدولي، فإنه إذا ما ثبت أن إيران ترسل أسلحة إلى اليمن وأفغانستان ودول أخرى فسيكون ذلك انتهاكا لقرارات صادرة عن الأمم المتحدة.
وقالت كاتي ويلبارغر، النائبة الأولى لمساعد وزير الدفاع المعني بشؤون الأمن الدولي: «لا نريد أن يكون هناك شك في أنحاء العالم في أن فضح طهران هي أولوية بالنسبة للولايات المتحدة، وأن من المصلحة الدولية معالجتها».
واستشهد البنتاغون بشعار شركة دفاعية إيرانية في القسم المخصص للرأس الحربي، الذي لم يعرض، وكذلك بكتابة باللغة الفارسية على الصاروخ من بين الأدلة على أن الأسلحة إيرانية.
ولم يتضح بعد ما هو التأثير الذي يمكن أن يحدثه عرض مثل تلك الأسلحة علنا على إيران، وحلفاء الولايات المتحدة والمسلحين في المنطقة؟ أو إن كان سيحدث أي تأثير من الأصل. لكن العديد من المراقبين يؤكدون «أن إمداد إيران أسلحة للحوثيين هي حقيقة ثابتة وعلى الأمم المتحدة أن تتحرك بمزيد فرض ضغوط وعقوبات على طهران».
وأضاف هوك أن «الحوثيين أطلقوا العديد من الصواريخ صوب السعودية، وأن الولايات المتحدة لديها الخيار العسكري على الطاولة، لكنها تفضل استخدام الجهود الدبلوماسية للتعامل مع إيران».
وأضاف أن «ما يدل على أن تلك الصواريخ إيرانية، هو وجود علامات فريدة على الصواريخ إضافة إلى طريقة طلائها». وأكد هوك أن «إيران تقدّم الدعم المادي لطالبان منذ 2007 على أقلّ تقدير».
وشدد هوك على ضرورة تسوية النزاعات في الشرق الأوسط، وخصوصا اليمن بينما يجري الحديث عن بدء محادثات سلام في ديسمبر، مشيرا إلى أن «إيران ليست لديها أي مصلحة شرعية في اليمن سوى توسيع دائرة تأثيرها، وإقامة منطقة نفوذ شيعي».
وفي شأن استئناف العملية العملية السياسية فإن الحراك الكثيف المدفوع بإرادة دولية قوية في عقد جولة محادثات جديدة بين الفرقاء اليمنيين في السويد، لا يعني تأمين النجاح لتلك المحادثات، والوصول من خلالها إلى الهدف المنشود، وهو إيجاد مخرج سلمي للأزمة، ووقف الحرب الدائرة في اليمن. فالإعداد للمحادثات لا يبدو جيدا، والأسباب التي أدت إلى فشل جولتي الكويت وجنيف لا تزال قائمة، ولا تطور ملموسا في مواقف أيّ من فرقاء الصراع يمكن البناء عليه.
ويدرك كلّ طرف في النزاع؛ الحكومة المعترف بها دوليا والمدعومة من التحالف العربي بقيادة السعودية، والمتمرّدون الحوثيون المدعومون من إيران، مدى تشبّث الطرف المقابل بأهدافه ومطالبه واستحالة زحزحته عنها، ما يعني استحالة التوصّل معه إلى توافق حول السلام.
وبدأت المواقف الدولية، وتصريحات كبار المسؤولين في الدول المتدخلّة في الملف اليمني بتهيئة الأجواء النفسية لتقبّل فشل جولة محادثات السويد على قرار جولة جنيف الماضية، التي أجهضت قبل أن تبدأ بسبب تغيّب الحوثيين عنها، وأيضا على غرار محادثات الكويت التي استمرّت قرابة الثلاثة أشهر، وانتهت صيف سنة 2016 دون تحقيق نتيجة تذكر.
وقالت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي التي تلعب بلادها دورا كبيرا في الدفع نحو عقد محادثات سلام بين الفرقاء اليمنيين، والتي يتولى مواطنها مارتن جريفيثس منصب مبعوث أممي إلى اليمن ويقود جهود التقريب بين هؤلاء الفرقاء: «إنّ الحل الطويل الأمد في اليمن هو حل سياسي، وسوف نشجع كل الأطراف على البحث عن ذلك والعمل من أجله».
وقال للصحافيين في بوينس أيرس بالأرجنتين حيث شارك في اجتماعات قمّة مجموعة العشرين: «لا أريد أن أرفع سقف التوقّعات كثيرا، لكنّنا نعمل بكدّ من أجل ضمان أن نتمكّن من أن نبدأ محادثات سلام مجدية هذا العام»، مضيفا “كما تعرفون هناك نكسات”.
ولا تبدي الحكومة اليمنية رضاها عن المعالجات الأممية للملف اليمني، ولا عن تحرّكات جريفيثس التي تقول: «إنّها تشجّع المتمرّدين على فرض الأمر الواقع بالمخالفة لقرار أممي واضح، يعتبرهم طرفا معتديا، ويحمّلهم مسؤولية ما حدث في اليمن بعد انقلابهم على سلطاته وغزوهم لعدد من مناطقه».
يدرك كل طرف مدى تشبث الطرف المقابل بمطالبه واستحالة زحزحته عنها ما يعني استحالة التوافق معه حول السلام... ومما يرسّخ تشاؤم قسم كبير من اليمنيين بشأن محادثات السويد المرتقبة، وقوع الطرف الأساسي في الأزمة، جماعة الحوثي في دائرة التأثير الإيراني، فيما طهران لا تبدو صاحبة مصلحة في إنهاء الحرب باليمن ما سيعني خسارتها لورقة تستخدمها في الصراع على النفوذ بالمنطقة.
كذلك تتمسّك الحكومة اليمنية بثوابت لا ترغب في أن تحيد محادثات السلام عنها. وقال عبدالعزيز المفلحي مستشار الرئيس عبدربه منصور هادي، الجمعة: «إنّ أي خروج عن المرجعيات الثلاث أمر لا يمكن القبول به». والمرجعيات المقصودة هي «المبادرة الخليجية، ومخرجات الحوار الوطني، وقرار مجلس الأمن الدولي 2216».