> «الأيام» عن «مركز الإمارات للدراسات»
باتت دول الخليج بأموالها الطائلة وطموحاتها الكبيرة تفرض نفسها على القرن الأفريقي بشكل غير مسبوق، حيث تتراكم الدلائل على زيادة قوة علاقات دول القرن الأفريقي مع دول الخليج، لا سيما مع إعلان الرياض عن إنشاء تحالف جديد للأمن على البحر الأحمر يضم كلاً من جيبوتي والسودان والصومال وما سبق ذلك من توقيع إثيوبيا وإريتريا على اتفاق سلام ساعدت السعودية والإمارات للتوسط فيه، واستمرار الإمارات في بناء مشاريع عقارية في أديس أبابا هي الأكبر من نوعها في تاريخ المدينة.
منطقة لصراع النفوذ
وتمتلك الإمارات قاعدة عسكرية في إريتريا منذ عام 2015 وتبني قاعدة أخرى في «أرض الصومال»، وهي دولة منشقة في شمال الصومال، كما تخطط السعودية لبناء قاعدة في جيبوتي، وتقوم قطر وتركيا بتجديد ميناء في السودان، لكن، لماذا؟
وبحسب تقرير لمجلة «فورين أفيرز» فإنه في الوقت الذي تحاول فيه كل من الإمارات والسعودية وقطر وتركيا توسيع نفوذها في القرن الأفريقي، فإنها تصدر منافسات الشرق الأوسط إلى منطقة لديها منافساتها الكثيرة الخاصة بها، بالإضافة إلى أن تلك القوى ليست الوحيدة التي بدأت الآن تعير اهتماما لمنطقة كانت نائمة، فالصين مثلا قامت بإنشاء أول قاعدة عسكرية لها خارج أراضيها في جيبوتي -على بعد 6 أميال فقط من القاعدة الأمريكية في أفريقيا- ما يجعل البحر الأحمر حلبة تنافس جديدة بين القوى العظمى.

مساعدات تحمل أجندة سياسية
القرن الأفريقي مسلم في غالبيته مثل الخليج، كما أن المنطقتين مرتبطتين أيضًا بروابط الهجرة، حيث كانت الروابط الاقتصادية كامنة نسبياً طوال التسعينيات، ولكن بعد قفز أسعار المواد الغذائية في عام 2008، سارعت دول الخليج الغنية إلى شراء الأراضي الزراعية في السودان وإثيوبيا كوسيلة للتحوط ضد انعدام الأمن الغذائي.
وبين عامي 2000 و2017 استثمرت دول الخليج 13 مليار دولار في القرن الأفريقي، خاصة في السودان وإثيوبيا.
وبالنسبة للبلدان الأفريقية الفقيرة في الموارد، فإن الفوائد الاقتصادية للاستثمارات الخليجية واضحة، حيث يعاني كل من السودان وإثيوبيا من نقص حاد في العملة الصعبة، وكان من بين الخطوات الأولى التي اتخذها «أبي أحمد» رئيس وزراء إثيوبيا، عند توليه منصبه في أبريل الماضي الحصول على ثلاثة مليارات دولار من المساعدات والاستثمارات من الإمارات، بما في ذلك إيداع مليار دولار في البنك المركزي للبلاد، كما تلقى البنك المركزي السوداني وديعة بقيمة 1.4 مليار دولار من الإمارات في مارس.
وفي عام 2014، أجبرت كل من السودان وإريتريا على قطع العلاقات مع إيران وطرد الدبلوماسيين الإيرانيين، أما بالنسبة لدولة الإمارات - وهي مركز لوجيستي ومركز للشحن - فإن التهديد المتنامي للقرصنة الصومالية، والذي أعقبه اندلاع الحرب في اليمن في عام 2015، قد حث الإمارة على التركيز على الأمن البحري، وتدشين سلسلة موانئها وقواعدها على طول الحافة الجنوبية لشبه الجزيرة العربية والبحر الأحمر كجزء من استراتيجية لمد النفوذ في جميع أنحاء المنطقة (تستخدم الإمارات قاعدتها في إريتريا لشن هجمات في اليمن).
حالة من عدم الاستقرار
في الوقت ذاته فإن هناك تغيرات تاريخية تجتاح القرن الأفريقي: فإثيوبيا تشهد نموا اقتصاديا بخانتين، وتمر في أشمل تحول سياسي منذ بدايات تسعينيات القرن الماضي، كما رفعت الأمم المتحدة عقوبات دامت عقودا ضد إرتيريا، التي لطالما كانت منبوذة بسبب سجل حقوق الانسان، وفوجئ المواطنون والمراقبون بسعي عدوين سابقين للمصالحة معها، الحكومة الفيدرالية الصومالية التي انتعشت بالتعاون الإقليمي قد تكون الآن على منعطف بعد عقود من عدم الاستقرار.
ويقول الكاتب في مجلة «فورين أفيرز» زاك فيرتين: «إن كانت التدخلات الخارجية ستساعد أو تعيق التغير على المدى الطويل في القرن الأفريقي فإن هذا سيعتمد على براعة تلك الدول في إدارة العلاقات غير المتكافئة مع شركائها في الخليج، فيجب على هذه الدول الضعيفة -التي تعاني أصلا من التقلبات الداخلية- أن تجد طريقة للاستفادة من الاستثمارات دون التخلي عن سيادتها، أو الانجرار لتنافسات سياسية لا تنطوي على كثير من الفائدة».

ويذكر فيرتين أن «دول الخليج الثرية تسابقت منذ عام 2015 بشكل جنوني على شراء العقارات على ساحل البحر الأحمر، وانتشرت الموانئ الجديدة والبؤر العسكرية، في الوقت الذي تهافتت فيه هذه الدول على شراء المواقع الاستراتيجية في جيبوتي وإرتيريا والصومال والسودان وحتى في اليمن، وتنافست دول الخليج بشدة على هذه المواقع كجزء من جهودها لإعادة تعريف النظام الإقليمي، ولفرض أنفسهم كلاعبين على الحلبة الدولية».
ساحة للتنافس الإقليمي
ويشير فيرتين إلى أن «بعض الدول الأفريقية استفادت حتى الآن بشكل عابر من التدخل الخليجي التركي، وأشعلت الاستقطاب في دول أخرى، فمثلا ساعد ضخ الأموال الإماراتية في إثيوبيا مثلا على التخفيف مؤقتا من أزمة الديون الخطيرة، ومددت فترة شهر العسل لرئيس الوزراء، آبي أحمد، واستطاع الزعيم الأفريقي البالغ من العمر 42 عاما، وهو أصغر الزعماء الأفارقة، أن يتفوق على الحرس القديم، ويفكك الدولة الأمنية التي بنوها، من خلال إنهاء حالة الطوارئ، وإطلاق سراح آلاف المساجين السياسيين، وتخفيف القيود على الإعلام وحرية التعبير وغيرها من الإصلاحات، ولدى آبي أحمد خططا للخصخصة، وعين عددا قياسيا من النساء، ما زاد من شعبيته في بلده وفي الخارج».
ويستدرك الكاتب بأن «هذه الحال ستتغير عندما تواجه خططه غير العادية عقبات، بما في ذلك حالة الاضطراب التي تسود مناطق الإثنيات، فاستقرار هذه البلد ذات المئة مليون مواطن يعتمد على تمكن آبي أحمد من الاستمرار في برنامج إصلاحه الطموح والاستجابة في الوقت ذاته للمطالب الشعبية، والقضاء على التشكك، والتغلب على الشعور السائد بالتشكك، ولذلك فإنه من الحكمة بالنسبة لدول الخليج أن تحد من نهمها، وتمارس الصبر، وتمتنع عن نقل الخلافات الخليجية إلى بيئة خطيرة».
ويلفت الكاتب إلى أنه «في إرتيريا المجاورة استفاد الرئيس أسياس أفورقي من تدخل دول الخليج، على الأقل على المدى القصير، حيث ساعدت استثمارات السعودية والإمارات في إخراج نظامه من حالة العزلة التي كان يعيشها، وكانت السعودية والإمارات بحاجة لقاعدة على البحر الأحمر، تشن منها غاراتها عندما بدأت حربها في اليمن عام 2015، فوقع الاختيار على مدينة عصب، وحولتها إلى قاعدة جوية، بالإضافة إلى أن الإمارات أرادت تطوير الميناء في عصب بعد خلافها مع جيبوتي».
ويقول الكاتب: «أما التجربة في الصومال فأثبتت أن التدخل الخليجي، كما سبب التقارب في حالة إرتيريا وإثيوبيا، قد يسبب الانقسام، فقد دخلت كل من السعودية والإمارات وتركيا وقطر في المشهد السياسي في مقديشو، في السنوات الأخيرة؛ أملا في كسب حلفاء واستثمارات وتأثير على أطول ساحل أفريقي، لكن الانقسامات الخليجية انعكست في بلد هو منقسم أصلا».
وينوه فيرتين إلى أن «وجود تركيا أقدم من وجود دول الخليج في الصومال، لكن دول الخليج ومصر تخشى من أن التدخل التركي في الصومال والسودان هو محاولة تركية لمد نفوذها إلى مناطق كانت في السابق تابعة للإمبراطورية العثمانية».