> تقرير/ وئام نجيب
█ مدير مركز جراحي: استقبلنا 25 إصابة من 2018 وحتى أبريل الجاري
كعادته كان يمارس هوايته المفضلة، وهي لعبة كرة القدم مع أصدقائه في ملعب حامد في مديرية الشيخ عثمان، لتأتي رصاصة طائشة من السماء توقفه عن اللعب، بعد أن أصابته في أحدى قدميه، وهو الآن لا يستطيع المشي إلا بصعوبة.
إنه الطفل أيمن مطيع سيف ذو الـ 13 عاماً، من أبناء حي السد العالي بالشيخ عثمان، والذي لم يكن يعلم أنه في عصر يوم السبت الموافق 19 يناير من العام الجاري، سيحرم من ممارسة لعبته المفضلة إلى أجلٍ غير مسمى، بينما المتسبب في ذلك ينعم بالهدوء.
ولا تقتصر ضحايا الرصاص الراجع على الأطفال فحسب، وإنما أيضاً حصدت ضحايا من الكبار، ناهيك عن تضرر منازل من هذه الأعيرة النارية الراجعة، ففي يناير الماضي أصيب المواطن علي هاشم علي (45 عاماً) من أبناء منطقة البساتين بلوك 4، بعيار رصاص راجع، كما توفي في فبراير العام الجاري الشاب أحمد مهدي الزوتري وهو في العقد الرابع من العمر، متأثراً بإصابته برصاصة راجعة، في فرزة الهاشمي بالشيخ عثمان، وذلك عندما استقرت في دماغه.

وكثيراً ما حول إطلاق الأعيرة النارية الأعراس إلى مأتم، ففي الشهر الجاري تسببت إطلاق الرصاص الحي في عرس بحارة الوحش في مديرية صيرة بسقوط كابل كهرباء على الحاضرين وهو ما عرض العديد منهم لصعق كهربائي بعضهم في حالة خطيرة.
أسباب كثيرة وراء انتشار هذه الظاهرة القاتلة، أبزر وصول السلاح لأيدي الجميع في ظل غياب دور الجهات المعنية والأهالي على حدٍ سواء، وضعف التوعية بمخاطر حمل السلاح واستخدامه، وتردي الأوضاع الأمنية وغيرها.
ولاقت هذه الحوادث استنكاراً واسعاً في المجتمع العدني جراء الاستهتار بأرواح الناس، وطالب ناشطون مدنيون وحقوقيون كلاً من وزير الداخلية ومدير أمن عدن بوضع حد لفوضى حمل السلاح المنتشرة في المدينة، والذي يذهب ضحيته مواطنون أبرياء مسالمون.
وكانت وزارة الداخلية قد أعلنت عن عزمها في تنفيذ حملة شاملة لمنع وتنظيم حيازة السلاح في عدن مطلع شهر فبراير من هذا العام، ولكن ما زالت هذه المشكلة قائمة دون أي حلول جذرية.

إحدى ضحايا الرصاص الراجع
وقال مسؤول البحث الجنائي في إدارة شرطة صيرة العقيد أحمد الشرعبي: “إن المديرية لم تسجل أي إصابات منذ العام الماضي وحتى الوقت الحاضر، كما أننا لم نضبط حَمَلة السلاح لعدم تسلّح أفرادنا”.
وأوضح مدير الشؤون الإدارية في شرطة المعلا العقيد صالح البزية، أنه تم تسجيل، خلال عام 2016م، أربع حالات، وحالتي إصابة في 2018م، أحدهما في شارع، الأخرى بجانب الميناء، وهذا العام لم يصب أحد في المديرية حتى الآن من الرصاص الراجع، وفي حال تم إطلاقها في الهواء نتحرك لضبط المخالف بناءً على وجود بلاغ، وفي السابق كنا ننفذ الحملات الخاصة بمنع حمل السلاح بناءً على توجيهات رسمية، كما كنا في فترة ما قبل الحرب نعد تقارير الإنجاز الأسبوعي في كل ما يخص القضايا التي تحدث في المديرية، ومن ثم نرفعها إلى إدارة الأمن، ولكننا توقفنا عن هذا منذ عام.
من جهته، أشار مسؤول البحث الجنائي في مديرية التواهي الرائد عصام عبدالعزيز، إلى أن “إدارته لم تسجل حتى الآن من العام الجديد 2019م أي إصابة بالرصاص الراجع، مع تسجيل حالة واحدة فقط في العام الماضي”.

الرائد عصام عبدالعزيز
وأضاف، في تصريحه لـ “الأيام”: “كثيراً ما تحدثنا حول موضوع حمل السلاح وخطورة الضرب العشوائي، ومن اللازم والواجب أن يتم منع حمل السلاح والتجوّل به في المدينة منعاً باتاً، سواء أكان من قِبل العسكري أم المدني، إلا في حال الواجب، وبسبب العشوائية في هذا المجال، أصبحنا لا نستطيع التمييز بين رجل الأمن والمدني، والذين كثيراً ما نجدهم يتجولون بالسلاح في الأماكن العامة، ولن نستطيع قول شيء بهذا الخصوص، كون الناس أصبحت جميعها مسلحة، وهذا يرجع لعدم توحيد الأجهزة الأمنية”.
ولحل هذه المشكلة لابد أن يكون هناك تراخيص بشأن حمل السلاح، وهناك العديد من القرارات الصادرة بشأن منع حيازة السلاح، ولكن لا يوجد تنفيذ لها، وقد قمنا في السابق بحملات توعوية مع كافة الجهات، وهناك تعاون من إدارة أمن عدن معنا في هذا الجانب باعتبارنا خاضعين لها، وتعمل على رفدنا بتعزيزات حال طلبنا ذلك، وحتى الآن ليس هنالك أي حملة لمنع حمل السلاح، وفي حال أشعرونا بأن هناك حملة سنتحرك على الفور، ومن المؤكد أن هذه المديرية تُشكل حالة أفضل، نتيجة لضبطنا الأمور فيها، وذلك من خلال التنسيق مع قاعات الأعراس في المديرية بعدم قبول أي شخص إلا بترخيص من قبلنا، ونحن بدورنا نأخذ من الراغب تعهد بعدم إطلاق الرصاص في موكب العرس، وفي حال تخلف عن ذلك يتحمل المسؤولية، وقد ضبطنا حالات وفرضنا عليها غرامة مالية تقدر بـ “خمسين ألف ريال”، وحبس العريس أو والده أو من أطلق الرصاص لمدة 24 ساعة، كما قمنا في الآونة الأخيرة بإلغاء دور عقال الحارات في المديرية، وعملنا على تشكيل لجان في الأحياء، مهامها مساعدتنا في ضبط الأمن، وتزودنا، بهذا الخصوص، بتقارير شهرية.

الطفل أيمن مطيع
وقال مسؤول البحث الجنائي في مدينة القلوعة الملازم ثاني حسين الحميقاني: “لا توجد أي إصابات بالرصاص بالراجع منذ عام 2015 وحتى الآن، على الرغم من الإطلاق العشوائي لها، ولكننا في المقابل ننزل إلى موقع الإطلاق فور سماعنا لأصواتها وضبط المخالفين واتخاذ الإجراءات القانونية تجاههم”.
ولفت في حديثه لـ “الأيام” إلى أن إطلاق الرصاص في الأعراس والمناسبات بدأت تخف بعد أن كانت تطلق بكثرة في المديرية، بسبب مكافحتها من قبل الطوارئ في إدارة أمن عدن، والتي تعمل على ضبط المخالفين، لكوننا في مركز الشرطة لا توجد لدينا الإمكانيات للخروج بدوريات لشحة توفر السلاح والسيارات الكافية، وعدم توفر مادة البترول بالشكل المطلوب، ناهيك عن عدم وجود الزي العسكري للأفراد، حيث إن غالبية العسكر بالزي المدني، ونود الإشارة هنا أيضاً إلى أن جميع الأفراد في شرطة خورمكسر يعملون في مكتب واحد، ولا توجد أثاث في جميع المكاتب، وقد رفعنا عدة مذكرات بهذا الشأن ولم نجد سوى الوعود، كما نؤكد هنا بأننا منعنا جنودنا من التجوّل بالسلاح في الشوارع، ومن يتجول به هم أفراد تابعون للمعسكرات، ويوجد خياران لضبط هذه المشكلة وهما أن يتم عمل خطة أمنية لمنع حمل السلاح، أو إخراج المعسكرات من عدن، لاسيما وأن هذه الظاهرة تفشت بعد فترة الحرب.

ضحية الرصاص الراجع الشاب أحمد مهدي
وأفاد لـ “الأيام” مدير الشؤون الإدارية بشرطة المنصورة، الملازم رائد أحمد، أن المديرية سجلت، العام الماضي، حالة وفاة طفلة بسبب طلق ناري راجع في منطقة خليفة، فيما سجلت هذا العام إصابة حالتين، إحداهما طفلة بريمي وأخرى لشخص في بلوك 35 بالمديرية.
وبحسب مسؤول في قسم البحث بمديرية الشيخ عثمان، فقد سُجلت هذا العام حالة إصابة واحدة، فيما لم يشهد العام الماضي أي إصابة.
من جهته، أوضح مدير مركز المنصورة الجراحي المدعوم من اللجنة الدولية للصليب الأحمر، د.جمال عبدالشكور، أن المركز استقبل، خلال العام الماضي وحتى شهر أبريل الجاري، 25 حالة إصابة غالبيتها من مناطق: البساتين، والقاهرة، ودارسعد.
ولفت في تصريحه لـ “الأيام” إلى أن “المركز يقدم خدماته مجانًا، ويعمل على رفع التقارير إلى مراكز الشرطة في المديريات، من خلال المسؤول الأمني فيه، باعتبار أن حالات الإصابة بالرصاص الراجع تعد قضية جنائية”.
وقالت رئيسة مبادرة منصورة بلا رصاص، بثينة العمري: “بدأنا الحملة بالتوعية في عام 2017م، من خلال إنشاء مشروع مبادرة “كن إنساناً”، وكانت عبارة عن أقلام توعوية عن حمل السلاح ومخاطره، تحت مسمى بصمة إنسانية، وبدعم من المجلس الانتقالي، ولكنها توقفت بسبب الدعم، ومؤخراً رجعنا بمبادرة منصورة بلا رصاص، في الشهر الجاري واستهدفنا مديريتي المنصورة وكريتر، بالتنسيق مع مكتب التربية والتعليم ومدراء عموم والشرطة في المديريتين، واستهدفنا الشباب للتوعية وكسبنا التأييد، وحصلنا على تجاوب كبير، حيث حضرت منظمات دولية، كما أننا جمعنا توقيعات من نشطاء مدنيين ومجتمعيين من المؤيدين للحملة، وأرسلناها للجهات المعنية، ونتمنى مشاركة الجهات الأمنية معنا”.

طفلة ضحية الرصاص الراجع
بدوره، قال مصدر أمني رفيع، فضل عدم ذكر اسمه: “إن هناك حملة لمنع حيازة وحمل السلاح، وبالتنسيق مع وزارة الداخلية والتحالف العربي، ولكنها لم تنفذ بعد، وهذا قد يكون بسبب ظروف الحرب في المحافظات الأخرى، وهذه الحملة بحاجة لتنسيق على مستوى الأمن والجيش، الموضوع الآن بحاجة إلى قرار من وزير الداخلية، ولم نعلم ما هي الظروف المستجدة على وجه التحديد، ومتى ما اتخذ القرار إدارة الأمن ستنفذ”.