أخر تحديث للموقع
اليوم - الساعة 02:02 ص بتوقيت مدينة عدن

مقالات الرأي

  • ​عدن...حين تشبه هانوي

    جسار مكاوي




    في مقاله المعنون بـ «هانوي؟» والمنشور في صحيفة الشرق الأوسط بتاريخ 5 يونيو 2025، كتب الصحافي والكاتب اللبناني الكبير سمير عطا الله:

    (هانوي من المدن التي لا تموت... لا تحتاج إلى كثير من الشعر، بل إلى قليل من الخجل ممن خانها، وكثير من الوفاء ممن أحبها) . عبارة موجعة ومضيئة في آن، تنطبق – بحذافيرها – على عدن، هذه المدينة التي ما زالت تتقلب على نار الواقع، لكنها ترفض أن تُطفأ.

    لكن، ما هي هانوي؟

    هانوي هي عاصمة فيتنام، المدينة التي صمدت أمام أعتى آلات الحرب، واجهت الغزو الفرنسي ثم الأمريكي، وقُصفت بقسوة خلال حرب فيتنام. كان العالم ينظر إليها كأنها ستُمحى. لكنها بعد أن وضعت الحرب أوزارها، لم تغرق في خطاب المظلومية، بل شرعت في إعادة الإعمار، فصعدت تدريجيًا لتصبح من أسرع عواصم آسيا نموًا. أصبحت مركزًا صناعيًا وتجاريًا، ومدينةً حديثة تستقطب السياح ورجال الأعمال، وتُصدّر صورة أخرى غير تلك التي كانت تُعرف بها زمن الدمار.

    ومن هنا جاءت رمزية "هانوي" في مقال عطا الله. فهي ليست مدينة فحسب، بل فكرة: أن المدينة التي تحترق لا تموت، بل قد تُبعث أنقى وأقوى.

    وعدن؟ عدن – هي الأخرى – ليست مجرد مدينة جغرافية. إنها ميناء التاريخ، ونافذة العرب الأولى على العالم، ومركز إشعاع مدني وثقافي وسياسي منذ القرن التاسع عشر. لكنها دخلت حروبًا لم تخترها، وتعرضت للتهميش، ثم التشظي، فدخلت في دوامة أطماع سياسية ومشاريع متناقضة، جردتها من بريقها، وأثقلت كاهلها بالبؤس.

    ومع ذلك... ما تزال عدن حية.

    مثل هانوي، لم تسقط رغم الألم، ولم تسلّم راية الحياة. لكنها اليوم تقف على مفترق طرق: فإما أن نعيد صياغة مشروع عدن – وعدالة الجنوب كله – على قاعدة المواطنة والمؤسسات، وإما أن نظل نراوح مكاننا في العتمة، نلعن الزمن، ونمنح الفرصة لمن يستثمر في فوضانا. عدن بحاجة إلى من يحبها بصدق، لا إلى من يتاجر بها.

    بحاجة إلى من يضعها أولًا، لا إلى من يستخدمها جسرًا لمصالحه.

    وإذا كانت هانوي قد نجت من الحرب واستعادت دورها، فما الذي يمنع عدن؟

    الجواب فينا، لا في غيرنا.

    عدن لا ينقصها التاريخ، ولا الموقع، ولا الروح. ينقصها الاتفاق على أن تكون وطنًا لا مصلحة، ومدينة لا غنيمة.

    كما قال سمير عطا الله عن هانوي:

    (من المدن التي لا تموت...) نعم، وعدن أيضًا، من المدن التي لا تموت.

المزيد من مقالات (جسار مكاوي)

Phone:+967-02-255170

صحيفة الأيام , الخليج الأمامي
كريتر/عدن , الجمهورية اليمنية

Email: [email protected]

ابق على اتصال