هذا الشعب يشتغل ويكافح، لا يصيبه يأس ولا ملل، رغم قسوة المعيشة.
كذا هي لحظات الصباح الأولى في المدينة، باصات تذهب وباصات تأتي وزخم من الحضور والتنقل، وازدحام في المرور والخطوط، وتشعر كأن البلد يعيش أجواء من السلام ورَغَد العيش.
تزدحم أسواق المدينة بالبضائع المتنوعة في المحلّات والبسطات وحركة بيع وشراء لا تتوقف، وكأن الناس في مهرجان.
هذا المواطن مُذهل حتى عندما نسمع أن الوقود نفد من المحطّات أو أن سعر اللتر من البنزين ارتفع فلا تتوقف حركة السيارات ولا يخف الازدحام، فترى الجولات تعبأ بوقوف المركبات، ورجل المرور يحتار في تنظيم السير، والناس في ذهاب وإياب، ويمضون في قضاء حوائجهم بيُسر وهم يبتسمون.
هذا شعب كريم يصبر، لكن لا يغفل عن جلّاديه، صبور يقنع بالقليل، إذا لَصَت الكهرباء بعد ثمان ساعات أو حتى 15 ساعة يفرح بالضوء، وأحياناً يبتهج إذا (شَقَحَت) واختفت، يصب الأمل على نفسه صبّاً، ولا يستسلم للإحباط.
إذا أضاء عمود الكهرباء ثم انطفأ لا يقلق المواطن، بل يسلم ويذهب يبتسم ويمازح جاره وكأن شيئاً لم يكن.
كم مكث الوزراء في الاغتراب وما زالوا، لديهم المراكب المرنة والفُرُش الوثيرة، والأطعمة الشهيّة، وشيكات وأرصدة وحقائب وأمتعة وأثواب فاخرة ورحلات وأسفار، بينما يظل العسكري الموقوف راتبه قاعداً على كرسي سيارته تحت حرارة الشمس في انتظار زبون يستأجر منه.
الموظف في عدن هو من يقود المؤسسات وليست الحكومة، هو من يعمل في المدرسة والمشفى والمكتب، والحياة تمضي ولا تتوقف. الصانع والتاجر والزارع والصيّاد والبزّاز والعطّار والطبّاخ والقهوجي والإسكافي والحدّاد والنجّار والبنّاء والحمّال والمهندس، كلهم يعملون كأنهم خلية نحل، ووحدها الحكومة راقدة.
يستفتح سائق باص الأُجرة في مدينة عدن يومه بالتوقُّف عند المحطّات في الصباح الباكر في انتظار الرُّكاب متوكلاً على الله، فتسمع أصوات المندوبين، أو ما يُقال عنهم "الدلالين" يحرّجون لأصحاب الباصات: الشّعب، المعلا، التواهي، خور مكسر، عدن ساني، لحظات وتنطلق الباصات تباعاً في حركة دائبة إلى كل مناطق المدينة.
المواطن في عدن ليس لديه وقتاً للكسل. وحدها الحكومة تغرق في نومها وتعبث بقوت الشعب.
هذا المواطن مُذهل حتى عندما نسمع أن الوقود نفد من المحطّات أو أن سعر اللتر من البنزين ارتفع فلا تتوقف حركة السيارات ولا يخف الازدحام، فترى الجولات تعبأ بوقوف المركبات، ورجل المرور يحتار في تنظيم السير، والناس في ذهاب وإياب، ويمضون في قضاء حوائجهم بيُسر وهم يبتسمون.
هذا الشعب كريم لا ينسى أن لديه حكومة غافلة عن معاناته، وأن كثيراً من هؤلاء السائقين لسيارات الأُجرة منهم الخرّيج من الجامعة والفاقد لوظيفته والعاطل عن العمل، والمتقاعد الذي لا يكفيه المعاش، والعسكري الموقوف راتبه، والموظف الذي أقصي من عمله، ومع ذلك يبتسمون ويمزحون ويفرحون بـ "على بابك يا كريم".
لقد أدمنت الحكومة في حصار المدينة. ذهبت للاغتراب مجدداً أكثر من مرة وتركت عدن التي آوتها وفتحت أذرعها لكل الوافدين إليها من المسئولين، بينما فتحت هي طريقاً لتغوّل الفساد ليعبث بالمال العام، ويصير العسكري الذي خدم الوطن وذاد عن حياضه بلا راتب ولديه أولاد وبنات يعانون شظف المعيشة، بينما أعضاء حكومة الفنادق في الرياض يصرفون بالدولار ويبذّرون على الحاشية، ومنهم مسؤولون كهول يحتفلون بعيد ميلادهم في بعض الأقطار ويرقصون لأصوات الموسيقى. صَدَقَ من سمّاهم "مهابيل الشرعية".
عدن ترمي بالهم الذي تريد أن تراكمه عليها الحكومة، إلى البحر.
شعب طيب وكريم، لكنه لن يسكت عن الظالم، وسيحاسبه في الوقت المناسب.
وقد رأينا من هؤلاء المظلومين من يفترش الأرض أمام صندوق من البطاطس أو البصل يبيع للناس، أو عاملاً عند بائع سمك يقطّع ويزن.