بعد الوحدة انقلب مشايخ الهضبة على كل الاتفاقات القائمة مع الجنوب ولم يعملوا أبداً على تبني حتى فكرة وطنية واحدة ، أما بعد حرب عام 1994 تغيرت العلاقة بين شريكي الوحدة وتم إدارة دولة الوحدة بصيغة المنتصر في الحرب ، واليوم هم من يتحمل مسؤولية الحروب والانهيار المتسارع لدولة الوحدة وتدهور الأوضاع الاقتصادية والصراعات السياسية في البلاد.

غالبًا ما يتم تجاهل العوامل الرئيسة، التي ساهمت في تدهور الوحدة وانقسام المجتمع وعودة طرح الجنوبيين لموضوع فك الارتباط بقوة وهي كالتالي:
- رفض مشايخ الهضبة تقبل الجنوب وشعبه كما هو، ومحاولاتهم المستمرة وإلى يومنا هذا تغيير الجنوب من حيث الديموغرافيا والثقافة والهوية والجغرافيا والسيطرة على ثرواته ونهبها ، ما يعتبره الجنوبيون نهج خطر تجاههم و تهديدًا لوجودهم ولاستقرارهم الداخلي و للجنوب كليًّا.

- ينظر رجال الهضبة إلى قبائلهم ومشايخها باعتبارها السلطة الشرعية الوحيدة المسؤولة عن دولة الوحدة وأمنها ، هذه الطريقة والعقلية في نظر الجنوبيين تهدد أمن الدولة والمجتمع وحقهم كشركاء في إدارة البلاد وأمنهم وحقوقهم بشكل خاص.
- سعى الجنوبيون إلى العدالة الاجتماعية واستعادة الحقوق المدنية والدينية بسلمية ولكنهم لم يجدوا آذاناً مصغية من الشريك الشمالي الحاكم للبلاد وتم عزلهم وظلمهم داخليا وخارجياً.

العَلاقة بين طرفي الوحدة خلال الــ27 عاما الماضية كانت غير ودية بسبب الإدارة الأحادية للدولة من قبل الهضبة و دون تقسيمها إلى مصالح رئيسية وثانوية بشكل عادل مع الشريك الجنوبي ، وعندما احتج الجنوبيون على سياسة الإقصاء والتهميش أصر مشايخ الهضبة في الشمال على أحقيتهم بالدولة وقوتها وإدارتها و مصادرة مواردها لأنهم "سلطة سماوية " كما يدعون دائما أضافوا على ذلك اختراع مفهوم عودة الفرع إلى الأصل الذي ابتدعوا لأنفسهم جماعة الفيد المتخلف ، وهي الجماعة التي نشرت التنظيمات الإرهابية في حدود الجغرافيا الجنوبية فقط واشغلوا الجنوبيين بقضايا داخلية خطرة كالإرهاب والانقسامات و الإشاعات وزرع الفتن .

إن اللعب على مشاعر الوحدة وخطر الحوثي لتقوية مواقف ما تبقى من مشايخ وأحزاب الهضبة في الجنوب لن يجدي نفعاً ، لان صورة الشمال في الجنوب سلبية للغاية والعكس كذلك ، كما أن فرص التعاون مغلقة لإعادة الثقة بين الطرفين خاصة مع بروز تقاطع مصالح دول الإقليم والدول العظمى.

لكسر المأزق السياسي الحالي سيتعين على مشايخ وأحزاب الهضبة إجراء العديد من " التغييرات " الرئيسية في علاقتهم مع الجنوبيين ، بما في ذلك تحديد أولويات السياسة الخارجية للبلاد خاصة فيما يتعلق بالقضية الجنوبية مع التركيز على المجالات الرئيسية من ضمنها موضوع فك الارتباط والاستقرار الاستراتيجي للبلاد والمنطقة وترك الهيكل السياسي والأمني الداخلي للجنوب حسب تقدير الجنوبيين أنفسهم ،إذ ليس من المنطقي من الجنوبيين الأخذ بهذه التغيرات في الشمال و التعهد من بعدها بالعودة السريعة إلى حضن هذه القبائل المتخلفة والغدارة والأمل في نتيجة مختلفة .