> د. حمود اليهري

تمثل معركة "إعصار الجنوب" تحولًا نوعيًا في الاستراتيجية التي يعمل بها التحالف في اليمن، ويمكن اعتبارها بداية لمرحلة جديدة ستحدث فيها تطورات وتحولات كبيرة ومهمة على المستويين العسكري الميداني، والسياسي الدبلوماسي، لصالح التحالف والأطراف المحلية التي يدعمها.

وتأتي هذه العملية بعد ثلاثة أعوام من توقف معركة الساحل الغربي التي خاضتها ألوية العمالقة الجنوبية مع القوات الحوثية وانتهت بتوقيع اتفاق ستوكهولم الذي يرى البعض أنه جاء لإنقاذ الحوثيين، بعد ما كادوا يفقدون جبهتم البحرية الوحيدة التي يطلون بها على البحر الأحمر، ويفقدون ميناء الحديدة، فأعطاهم ذلك زخمًا أكبر لاستمرار معاركهم على الجبهة الشرقية من اليمن باتجاه محافظتي مأرب وشبوة النفطيتين.

وبنظرة فاحصة للعوامل التي ارتبطت بقرار إعلان هذه العملية العسكرية، سنجد أن ثمة معطيات وعوامل جغرافية وسياسية وعملياتية ميدانية قد شكلت جميعها أسباب وشروط موضوعية أقنعت التحالف بقرار إعلان هذه المعركة التي تكتسب أهميتها من الأهمية الجيوستراتيجية للمنطقة التي تدور على أرضها، والمنطقة التي نعنيها ليست محافظة شبوة فحسب، لكنها تشمل أيضًا محافظتي مأرب وحضرموت، لأن الهدف الأول من إعلان معركة إعصار الجنوب كان لمنع سقوط هذه المحافظات بيد الحوثيين، فالحوثيون لن يتوقفوا عند إسقاط مأرب بأيديهم، بل ستكون شبوة هي وجهتهم الثانية، بدليل أنهم أسقطوا ثلاث مديريات منها حتى قبل إكمال سيطرتهم على مأرب، وإن تركت هذه المناطق بدون حماية ودفاع من وحدات قتالية موثوق بها مثل العمالقة، فقد يسيطر عليها الحوثيون مثلما حصل في مديريات بيحان، وإذا سقطت شبوة ومأرب ستتبعهما حضرموت، وفي حالة استطاع الحوثيون السيطرة على هذه المحافظات الثلاث، فسيحققون مكاسب استراتيجية مهمة يمكن تلخيصها بالآتي:

1- ستصبح موارد الثروة النفطية والغازية تحت أيديهم، وبالتالي سيتوفر لديهم المال الكافي لشراء الأسلحة وتغطية المجهود الحربي للمعركة، وتعزيز جبهات القتال بالأعداد الكافية من المقاتلين، وسيساعدهم في تجاوز عدد من المشكلات المالية التي تواجههم مثل دفع مرتبات الموظفين، والاستغناء عن بعض أبواب الإتاوات المالية التي كانوا يفرضونها على السكان ليكسبوا رضاهم.

2- سيحصلون على واجهة بحرية طويلة على البحر العربي، يسهل عليهم من خلالها تهريب الأسلحة التي تحتاجها المعركة.

3 - سيتصلون مباشرة بسلطنة عمان عبر منافذ اليمن الشرقية في محافظة المهرة، وبالتالي سيسهل اتصالهم بإيران وتسهل عملية إمدادهم بالخبرات وبالأسلحة النوعية التي تمنحهم قوة ردع أكبر ضد التحالف وحلفائه على الأرض.

4- قد لا يستطيع الحوثيون الحفاظ على تلك المحافظات تحت أيديهم مدة طويلة من الزمن، خصوصًا وهي تشكل بيئة بشرية غير حاضنة لهم، لكنهم سيحققون منها مكاسب سياسية وعسكرية واقتصادية كبيرة في المدة التي تظل بها تحت سيطرتهم، ستتيح أمامهم خيارات وبدائل عديدة ومتنوعة، تمنحهم مساحة أوسع للمناورة والضغط عسكريًا وسياسيًا في ميدان المعركة وعلى طاولة المفاوضات.

لقد كان من الممكن أن تذهب كل تلك المكاسب بما تمثله من نقاط قوة جيوستراتيجية عالية القيمة لصالح الحوثيين، لو لم تتم معركة إعصار الجنوب، وبالتالي فإن هذه المعركة قد حققت نصرًا مهمًا للتحالف ولحلفائه المحليين، وبدرجة رئيسة المجلس الانتقالي الجنوبي، فتحرير مديريات بيحان من الحوثيين، وإنهاء نفوذ الإخوان على محافظة شبوة، وعودة النخبة الشبوانية إلى مدينة عتق، وقرار تجنيد 25 ألفًا من الشباب الحضرمي لتشكيل قوة عسكرية تحفظ أمن واستقرار محافظة حضرموت، لتحل هذه القوة كما هو متوقع بدلًا عن قوة المنطقة العسكرية الأولى، التي يرجح أن يطلب مغادرتها محافظة حضرموت إلى جبهات القتال في مأرب والبيضاء .

كل هذه المكاسب العسكرية على الأرض تصب في مصلحة التحالف والمجلس الانتقالي الجنوبي معًا، بصرف النظر عن رؤية كل منهما حول نوع المكاسب السياسية التي يسعى كل طرف أن يحققها من تلك الانتصارات العسكرية في مفاوضات الحلول السياسية اللاحقة.

وإلى جانب التحالف والانتقالي يوجد طرف ثالث يشترك معهما في المصلحة وفي المكاسب المتحققة من معركة إعصار الجنوب، هذا الطرف هو المؤتمر الشعبي العام، وطارق محمد عبدالله صالح ويتوقع أن تسير الأوضاع على الميدان في الأيام القادمة باتجاه يعزز من وجود المؤتمر وطارق محمد عبدالله صالح في المحافظات التي سيتم تحرريها من الحوثيين، وباتجاه يخدم خطط التحالف في معركته مع الحوثيين، يساعده في ذلك وجود قوات العمالقة الجنوبية بما تحمله من عقيدة قتالية ودينية تؤمن بوجوب تحرير كامل الجغرافية اليمنية من السيطرة الحوثية وليس فقط تحرير الأراضي الجنوبية، فنظرتها إلى صنعاء هي نفس نظرتها إلى عدن بأنها أرض مسلمة يجب تطهيرها من الرافضة بحسب العقيدة الدينية والقتالية لتلك القوات.

وعليه فإن معركة إعصار الجنوب لن تتوقف عند حدود المحافظات الجنوبية، لكنها ستتسع باسم معركة تحرير اليمن إلى محافظات أخرى خارج شبوة، هي مأرب التي شرعت قوات العمالقة الجنوبية بالسيطرة على إحدى مديرياتها وهي مديرية حريب، ومحافظتي البيضا وتعز.

وفي تصوري الشخصي أن المرحلة الأولى سيتم فيها تأمين مدينة مأرب من قبل قوات العمالقة الجنوبية، ثم ستجري عملية إعادة هيكلة لكل من القوات التابعة للجيش الوطني، وقوات المنطقة العسكرية الأولى في حضرموت، وسيدفع بتلك القوات لتحرير بقية محافظة مأرب وتحرير محافظة البيضاء، بينما قوات طارق صالح ستشارك في تحرير محافظة تعز، مع قيام طيران التحالف بتوجيه ضربات لأهداف في الساحل الغربي لربما يكون ميناء الحديدة أهمها، وبعد تحرير هذه المحافظات الثلاث يتوقع أن يتم إعادة هيكلة وزارة الدفاع وهيكلة جميع القوات المشتركة في تحرير تلك المحافظات وضمها جميعًا إلى وزارة الدفاع، باستثناء قوات العمالقة التي ستظل على وضعها السابق تدار مباشرة من التحالف، كما يرجح أن تشهد المرحلة القادمة تحرير مركز القرار السياسي والعسكري في الشرعية من هيمنة ونفوذ حزب التجمع اليمني للإصلاح بإبعاد بعض عناصر الحزب من مواقعها وتعيين بدلًا عنها شخصيات مستقلة ومؤتمرية على علاقة جيدة بالتحالف، وقد يتم تعيين طارق صالح وزيرًا للدفاع، لتبدأ بعدها مرحلة الاستعداد للمعركة الأهم وهي معركة تحرير صنعاء، وهذه المعركة قد يستعد لها التحالف وشركائه المحليين، لكن مسألة حصولها أو عدم حصولها يظل مرهونًا باعتبارات ومعطيات عديدة منها : توفر القرار السياسي الدولي الذي يسمح بحصولها، وهل سيستجيب الحوثيون بجدية لمفاوضات الحلول السياسية، لأن ذلك لو حصل قد لا يتحاج التحالف لهذه المعركة، وماهي درجة استعداد كل من السعودية والإمارات لاتخاذ قرار المعركة بموافقة أو بدون موافقة الفاعلين الدوليين وبدرجة رئيسة الأمريكان والإنجليز.