الحياة بكل ما فيها بالنسبة للفرد أو المجموعة -بما في ذلك القيادات والشعوب- ليست سوى مجموعة من التجارب بشقيها السالب أو الموجب.

بطبيعة الحال هناك فارق في مستوى أهمية التجارب بالنسبة للفرد أو المجموعة، بين القائد والمقُود، ومدى خطورة تبعات التجارب على من تُجرى عليه التجارب، ومن الطبيعي أن نقول إن قيادة الشعوب في مسيراتها نحو أهدافها هي الأكثر أهمية والأكثر خطورة والأكثر وجوباً للدراسة والتحليل والنقد البناء لكل المعطيات المستقرأة للواقع والمحيطين القريب والبعيد.

في مجال البحث العلمي في العلوم التطبيقية وغير التطبيقية لا تسمح المبادئ العلمية للعمل التجريبي بأن يرصد أكثر من متغيرين، في التجربة الواحدة، وكلما زاد عدد المتغيرات المرصودة قلّت دقة التجربة، وكلما كانت النتائج المرصودة أقل مصداقية، فقد تصل الأمور إلى إلغاء النتائج المتحصل عليها وعدم الاعتماد عليها.

في مجال البحث العلمي هناك مبدأ أساسي آخر، ينص على أنه يمكن اعتبار النتائج السلبية إيجابية من حيث إن الفائدة المستحصلة منها تعني الابتعاد عن تجربة المسار الذي سار فيه الباحث، وبلغة أخرى نطبق قاعدة المثل الشعبي الذي ينص على عدم تجريب المجرب، أي على صاحب التجربة أن يسلك منحى آخر يوصل للنتائج المتوخاة، فما من تجربة تجري دون تصور مسبق في رأسه لما يتوقع الحصول عليه من نتائج.

أنا أتفهم من سيطرأ في باله سؤال ولماذا نستخدم كلمة تجربة أو تجارب هنا على الشعوب وقياداتها وسُبُل ومآلات قد تتحطم فيها إرادة الناس والشعوب، فالشعوب (ليست فئران) تجارب. وللإجابة على سؤال كهذا -وهو حق للسائل لا تجوز مصادرته-، نقول إن كل الأمم والشعوب تشكل حلقات متصلة ومتداخلة من حيث نعلم أو لا نعلم نحن في هذه البلاد على سبيل المثال (وكثير آخرين ممن هم أفضل حالًا منا) نشكل بكل كينونتنا جزءًا من متغيرات تدخل في تجارب أخرى تجريها دول أخرى على هذا الكوكب، ونحن فيها أشبه بفئران التجارب وربما أسوأ مما قد يتصوره صاحب أنظف سريرة من بيننا.

ما يقلقني حقيقة بشأن وضعنا السياسي والمعيشي والمستقبلي في هذه البلاد هو أننا نَمُر بمرحلة تُجْرى فيها مجموعة من التجارب تداخل فيها الذاتي والموضوعي والمحلي والإقليمي والدولي الخاص والعام، مع عدم القدرة على التغيير في كثير من المدخلات والمخرجات التي تتوالى تباعاً علينا وعلى حياتنا، وما نعيشه ليس سوى انعكاس للواقع التجريبي هذا. ليس هذا فقط ما يقلقني، بل أيضًا فقدان السيطرة على كل هذه المتغيرات وعدم المراجعة، وحالة الالتباس الواضح بين التكتيك والاستراتيجية، ومثلها التنازلات التي تقدم على طريقة (خليه.. با نشوف إلى فين عقله با يوصله) التي قد لا توصلنا إلى ما كُنا نطمح إليه. سنرى ونرصد متغيرات قادمة، ستُدرج في نفس التجربة وملامحها تتضح يوما بعد يوم.

أعلم التصنيف الذي يضعني فيه رفاقنا.. وودي أن أكون متفائلاً بحق أو أكون ممن يطبّلون أو يبترعون في جوقات كله تمام يا أفندم، وأن نريح ونستريح بالنا، لكن اتضح لي أن للجينات دورًا وأن الإنسان الطبيعي لا يستطيع أن يكون إلاّ نفسه.