الدبلوماسية واحدة من أقدم المهن في العالم، هي فن ونشاط استراتيجي لا يتسامح مع الخيانة والعنصرية والضجيج والمفاخرة والغباء.

العثرات والإخفاقات المزمنة والمتعددة للدبلوماسية اليمنية هي بسبب قلة الكفاءات وزيادة الورثة الشقاة من خارجها، الذين بجهلهم وقلة خبرتهم أخرجوا هذه المهنة عن سياقها وسببوا متاعب كثيرة لليمن، ونزعوا عنها هيبة سلاحها الخارجي، لأنهم ربطوا مفهوم الدبلوماسية بجيوبهم من خلال الحصول على نسب من مصادقة العقود التجارية واستجداء المساعدات المالية باسم الدولة وتحويلها الى حساباتهم الخاصة.

فقط في اليمن من الممكن أن يقوم البعض بترك العمل في المطعم أو في بيع القات وبتوصية من شيخ القبيلة ودون أي امتحان يستطيع الالتحاق بالسلك الدبلوماسي وفتح قنصلية فخرية في أوروبا في شقته السكنية ومنها، وباسم الدبلوماسية اليمنية يمارس بحرية التجارة والتهريب والعنصرية الشطرية تحت اسم دولة تدعي الوحدة، بينما سلوكها أجبر المواطن الجنوبي على التعامل باحترام مع مبدأ وحدة الأراضي، لكن في سياق حق فك الارتباط.

الثقافة السياسية لكل أمة هي نتاج تجربتها التاريخية، وقبل الوحدة شارك الدبلوماسيون الجنوبيون في الهندسة الاجتماعية وبناء الأمة وبتبني دبلوماسية تصب في مصلحة الدولة والشعب، بينما بعد الوحدة أصبحت الدبلوماسية في الغالب رهينة الولاءات القبلية والحزبية السامة في الداخل، التي قادت إلى اجتياح الجنوب في 1994، وانخراط المنتصرين بعدها من شيوخ قبليين وعائلاتهم وعسكر وساسة في صراع عنيف حول الوظائف في السلك الدبلوماسي وحول ميزانية وزارة الخارجية، ونظموا عروضاً عامة في نهب أموال الخارجية عبر شراء العقارات الفخمة والسيارات الفاخرة خارج اليمن، وقاموا بتحويل السلك الدبلوماسي اليمني إلى "نادي قبلي مغلق".

دبلوماسية الدولة العميقة القائمة على عسكرة الوعي وشعار الوحدة أو الموت والفيد خلقت انفصاما دبلوماسيا ومزيجًا مقززًا من الأحادية القبلية والمذهب في إدارة شؤون الدولة الخارجية والداخلية، وملأت السلك الدبلوماسي بأفراد من قبيلتين أو ثلاث رئيسيتين + أتباع بعضهم يعملون من أجل "الدولة العميقة" الفاشلة حتى يومنا هذا.

السؤال الذي يطرح نفسه لا إراديًا: هل نحتاج إلى كل هذا الكم من الأشخاص حول العالم من الذين لا يفقهون في الدبلوماسية؟ لماذا تزخر السفارات والقنصليات اليمنية بمسؤولين وموظفين من ذوي الروابط العائلية والقبلية الذين لا يقدمون حوافز كافية للسلوك الجيد والذكاء ولا يعلمون كيفية مساعدة المواطنين ممن يجدون أنفسهم في ظروف طارئة أو مشكلة قانونية؟

لا يزال بعض موظفي البعثات الدبلوماسية يتعاملون مع أمور لا تتعلق بمصالح الدولة، ومصالحهم التجارية الخاصة لها الغلبة على الوطنية ويجهلون أن نجاحات السياسة الخارجية هي من منجزات الدبلوماسيين الأفراد وليست سمة من سمات النظام ككل.