في عام 1956 وجه من القاهرة الراحلان أحمد محمد نعمان ومحمد محمود الزبيري خطابًا إلى الشعب اليمني بعنوان "مطالب الشعب" ضمناه المطالبة بتشكيل حكومة مؤقتة، تلتزم المحافظة على استقلال البلاد وحريتها ووحدتها، وتطهيرها من الظلم والرشوة والاختلاس والفساد، وتنظيم الجيش وتحسين أحواله، وإلغاء الإجراءات التعسفية كافة، التي تنهب أموال الناس تحت مسميات مختلفة، وإعلان تحريم قطع الرؤوس، وزج الناس في السجون إلا بحكم قضائي، وإطلاق سراح المسجونين السياسيين والرهائن.
كما طالبا الحكومة المؤقتة بتقديم مشروعات قوانين إلى الجمعية التأسيسية، المناط بها وضع دستور للبلاد وممارسة دور السلطة التشريعية كبرلمان مؤقت، وبعد إقرار الدستور تُجرى انتخابات برلمانية على أن تعرض القوانين والقرارات الصادرة منها على البرلمان، ليقرها أو يلغيها أو يعدلها حسب الضرورة.
لم يتمكن الزعيمان الوطنيان من إقناع الإمام أحمد بفكرتهما، التي اشترطت أن "الملك يملك ولا يحكم" على رغم أن والده الإمام يحيى أعلن -أثناء مقاومة الأتراك- بأن يحكم أهل كل منطقة أنفسهم بأنفسهم، لكنه بعد تثبيت ملكه "هدم ما كان قد بدأ الأتراك في تثبيته من أسس اللامركزية في البلاد"، ولكن القضية ظلت حية في أذهانهما، ولم تغب عن بالهما، وبقيت أمرًا يلحان عليه بعد الثورة، باعتبار أن اللامركزية تمنع تجمع السلطة في يد واحدة لأن "الأسس الحديثة في تنظيم الدولة يستلزم توزيع الاختصاصات بين الحكومة المركزية والهيئات المحلية".
وفي الواقع جرى انتخاب مجالس محلية على مستوى المحافظة، لكن صنعاء السياسية ظلت متحكمة في الاختيارات، وأصرت على أن تكون لها الكلمة الفصل، عند إصدار قرارات تعيين رؤساء المجالس المحلية، الذين -بطبيعة الحال- صار ولاؤهم لمن أصدر قرار تعيينهم أكثر من ارتباطهم بالناخبين، بل إنهم همشوا المجالس المحلية وانتقلت المركزية من العاصمة السياسية إلى عاصمة المحافظة.
ثم بلغ الحديث عن اللامركزية أقصى مراحله عند التوقيع على "وثيقة العهد والاتفاق" في 18 يناير 1994 وعوضًا عن التخفيف من حدة الخلافات والاحتقان الذي عطل الحياة السياسية في البلاد، وكانت تمهيدًا للانفجار الكبير في 27 أبريل 1994 الذي انتهى في السابع من يوليو من العام ذاته، بهروب قيادات الحزب الاشتراكي السياسية والعسكرية، وكان ذلك إيذانًا بتصاعد دعوات الانفصال التي بلغت أوجها في 2007.
وفي 10 فبراير 2014 وقع عدد من الأحزاب والكيانات السياسية التي شاركت في مؤتمر الحوار الوطني علي وثيقة تقسيم اليمن إلى ستة أقاليم، واعترض عليها ممثلو جماعة أنصار الله الحوثية، وتحفظ ممثل الحزب الاشتراكي رغم توقيعه.
والواقع أن المواطنين لم يطلعوا على دراسة علمية لتحديد الخطوط الجغرافية، التي تفصل بين كل إقليم ولا الماهية الاقتصادية والديموغرافية، التي حددت تلك الخطوط، ولا مبرر للاستعجال في فرض أمر غاية في الحساسية، أثر في كل الأحداث التي عصفت باليمن من تلك اللحظة، التي كانت بمثابة نزوة تاريخية عابرة.
بمراجعة النص، الذي صدر عن اللجنة المكلفة بدراسة تقسيم البلاد إلى أقاليم فقد ذكر "توافق معظم" أعضاء اللجنة على اعتماد خيار الستة أقاليم، على أن يجري تقسيم الجنوب إلى إقليمين وأربعة أقاليم في الشمال، وهي صياغة فيها إشارة إلى اعتراض بعض المكونات التي رفضت الفكرة صراحة، وبعضها تحفظ على فكرة التقسيم والاكتفاء بالحكم المحلي كامل الصلاحيات أو واسع الصلاحيات.
بعد مرور ثماني سنوات، على اندلاع الحرب الضروس توارى المشروع الطموح الذي يتحدث عن قيام دولة اتحادية، أو حكم محلي بكافة تفريعاته، وانشغلت أطراف الحرب في المعارك، إلى أن أعلن فجأة تكليف شركة ألمانية يمثلها وزير سابق القيام بدراسة تطبيق الحكم المحلي في محافظات حضرموت وتعز وعدن، بعد أن أعلن رئيس مجلس القيادة الرئاسي نيته منح حضرموت حكمًا محليًا كامل الصلاحيات على سبيل التجربة، ثم تطبيقها في حال نجاحها في محافظات أخرى.
إندبندنت عربية