> القاهرة "الأيام" العرب:
وانتفضت قوى إقليمية ودولية، الاثنين، سعيا وراء تليين موقف إسرائيل المتصلب من إدخال المساعدات مقابل خروج العشرات من حملة الجنسيات الغربية من غزة.
وأجهضت الحكومة الإسرائيلية ما قيل إنه اتفاق تمّ مع مصر والولايات المتحدة لإدخال المساعدات إلى القطاع.
ويرى متابعون أن تراجع حكومة بنيامين نتنياهو عن الاتفاق نابع من خشيتها أن يفهم على أنه خضوع سيصب في صالح تخفيف طوق الحصار المفروض على حركة حماس في غزة، والذي يعد الورقة التي تقبض عليها إسرائيل لتهدئة شعبها بعد صدمته المرّوعة في السابع من أكتوبر الجاري.
ولم تلتزم إسرائيل بالموعد الذي حددته القاهرة صباح الاثنين لمرور قوافل المساعدات إلى غزة بالتعاون مع الولايات المتحدة التي قام وزير خارجيتها أنتوني بلينكن بزيارتها وعاد منها إلى إسرائيل مرة ثانية، الاثنين، بما فُهم منه أنه يحمل في جعبته معالم الصفقة المتعلقة بإدخال المساعدات وخروج أميركيين.
وحاولت حكومة نتنياهو الاستثمار في الانتفاضة الإنسانية لإدخال المساعدات في طرح ملف الأسرى لدى حماس ويصل عددهم إلى نحو 200 شخص، تصفهم إسرائيل بـ”الرهائن” وليس الأسرى، ما عطل الصفقة المتفق عليها وأدخلها في تفاصيل أخرى ربما تستغرق وقتا طويلا.
وفي الوقت الذي تضاربت فيه الأنباء حول إدخال المساعدات إلى غزة وشروطها، كانت حماس تتواءم في تشددها مع موقف إسرائيل ورفضت الصفقة المشروطة، وبدت غير عابئة بما يتم تدبيره إقليميا ودوليا لأجل تعزيز صمودها، وصمود الفلسطينيين في القطاع، والذي تدفق الآلاف منه نحو الجنوب.
وأخذت مشاهد القصف الإسرائيلي على قطاع غزة وما خلّفه من دمار كبير تغير نسبيا في مواقف بعض القادة السياسيين في الغرب من التعاطف المفتوح مع إسرائيل بعد التصعيد المتزايد في غزة، ما أفضى إلى تحويل ملف المساعدات إلى قضية جوهرية، وحصر الأزمة في هذا النطاق بدلا من التباحث حول وقف إطلاق النار.
ويعزز التوجه فكرة تحويل المجتمع الغربي القضية الفلسطينية من قضية سياسية – عسكرية إلى ملف إنساني فقط، وتفريغها من مضامينها التاريخية وثوابتها التي أججت الصراع بين المقاومة الفلسطينية وإسرائيل.
ومن الواضح أن الحديث عن المساعدات وتعقيداتها ينطوي على تمهيد لفتح ملف اللجوء بشكل عملي وعلى نطاق واسع لتمريره، وكأن هناك تعمدا لتضخيم البعد الإنساني في الوقت الراهن باعتباره الحلقة الأضعف التي يمكن تحقيق اختراق ملموس فيها.
ولا يخلو التركيز على البعد الإنساني من مآرب غربية تجعل الأولوية للضغط على إسرائيل في ملف المساعدات بدلا من الضغط عليها لوقف القصف أو التخلي عن الاجتياح البري الذي يتم الإعداد له حاليا من قبل الجيش الإسرائيلي.
ويتوافق المسار الإنساني مع مزاج المجتمع الدولي من دون التورط في طرح أفكار سياسية حاليا، أو الحديث عن قرارات الأمم المتحدة والشرعية الدولية، والتي تحرج القوى الغربية وتضعها أمام مسؤولية يتم غض الطرف عنها كثيرا.
ويمثل تضخيم ملف المساعدات حلا جيدا لبعض القوى أمام شعوبها وإسرائيل، ويظهر في شكل التجاوب مع نداءات زعماء عرب يريدون إظهار تضامنهم الإنساني مع الفلسطينيين في غزة قبل أن تتفاقم الأمور وتأخذ منحى أشد خشونة يسبب حرجا لبعضهم.
ووجدت الولايات المتحدة فرصة في هذه المكونات وقررت سريعا تعيين السفير ديفيد ساترفيلد مبعوثا خاص بالقضايا الإنسانية في الشرق الأوسط، وإرساله على الفور إلى القاهرة للحوار حول آلية دخول مساعدات كانت أحد أسباب عودة بلينكن إلى إسرائيل، والتي خلت تقريبا من نقاشات جادة حول الأدوات العملية لوقف الحرب.
ويتوجه وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية مارتن غريفيث إلى الشرق الأوسط، الثلاثاء، للمساهمة أيضا في مفاوضات إدخال المساعدات إلى غزة.
وانشغل دبلوماسيو المنطقة والعالم الساعات الماضية بكيفية إيجاد صيغة مناسبة ومرضية لكل الأطراف بما يخفف من حدة الضغوط الإنسانية، وتوجهت الأعين نحو رد الفعل الإسرائيلي الذي يوافق تارة ويرفض أخرى أو يضع شروطا قاسية.
وأكد وزير الخارجية المصري سامح شكري، الاثنين، أن الحكومة الإسرائيلية لم تتخذ موقفا يمكن من خلاله فتح معبر رفح لدخول المساعدات الإنسانية.
وقال شكري في مؤتمر صحفي مع نظيرته الفرنسية كاترين كولونا في القاهرة إن الوضع الحالي يصعب استمراره بهذا الشكل واستمرار سقوط الضحايا من المدنيين والممارسات التي تخرج عن إطار القانون الدولي والإنساني.
وأفادت مصادر مصرية أمنية أن اتفاقا جرى بين الولايات المتحدة وإسرائيل ومصر على وقف لإطلاق النار في جنوب غزة يبدأ في السادسة صباحا بتوقيت غرينتش من يوم الاثنين، بالتزامن مع إعادة فتح معبر رفح الحدودي، بعد أن أكد بلينكن في زيارته إلى القاهرة، الأحد، أنه واثق من أن المساعدات الإنسانية ستعبر من مصر إلى غزة.
وأوضحت وزيرة خارجية فرنسا أن باريس تؤيد القانون الدولي وحماية المدنيين في قطاع غزة، وسيادة ضبط النفس وصوت العقل، وأن الوضع خطير في غزة ومحيطها بما يهدد أمن المنطقة.
وانتهزت الإدارة الأميركية الزخم الحاصل في الملف الإنساني، وذكر المتحدث باسم البيت الأبيض جون كيربي أن المسؤولين في واشنطن يأملون في إمكانية فتح معبر لبضع ساعات لاثنين للسماح لبعض الأشخاص بمغادرة القطاع قبل الهجوم البري الإسرائيلي المتوقع.
وأبدت إسرائيل تشددها على دخول كل شاحنات المساعدات من رفح، وطلبت تخفيض عددها واشترطت معرفة مصير الرهائن لدى حماس للموافقة على هدنة مؤقتة.
ونفى مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي ما ورد في تقارير غربية تتحدث عن وقف مؤقت لإطلاق النار وموافقة تل أبيب على إدخال مساعدات إنسانية إلى القطاع مقابل إخراج حملة الجنسيات الأجنبية.
وقد تأخذ عملية إدخال المساعدات حيزا كبيرا من المداولات التي تجريها قوى متعددة، على أمل الابتعاد عن مس جوهر الصراع في شقيه العسكري والسياسي حاليا، واستباق زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى المنطقة ورسم خطوطها العريضة، وتقييد جدول أعمال القمة الإقليمية الدولية التي اقترحتها مصر في الجانب الإنساني.