دعوني أكن محامي الشيطان وأتحدث بصوت الآخر، وأعتبر أن لجنة الحوار التي شكلها الانتقالي كما سبتقها من لجان غير مؤهلة وفاقدة للمصداقية الشعبية والسياسة في نظر بعض المكونات الجنوبية، سواء لشخوصها الذين جاؤوا من تيار واحد، أو لأنها لا تمتلك أن تجعل قرارتها ملزمة.
لعل من أهم أسباب عدم نجاح أي حوار وطني في أي بلد، هو عدم توفر الثقة فيمن يديره، خصوصًا عندما لا تملك إدارته البعد الفكري الجامع والمعرفة والاطلاع على المشكلات الحقيقية، التي يجب أن تكون محورًا للنقاش، أو أنها تحاول تبني وجهة نظر معدة سلفًا، وهو ما ينمي الشكوك بين المكونات المدعوة للحوار، بسبب الارتياب من تسلط الآخر، إضافة إلى النظرات القاصرة والحزبية والرغبة لدى البعض للتمتع بامتيازات جنتها في غفلة من الزمن.
دون أدنى شك أن التأثير الخارجي وارتباطاته الداخلية لا يمكن التقليل منه، خصوصًا ونحن مررنا بتجربة حرب مريرة مزقت إلى حد كبير النسيج الجنوبي، وعبثت به قوى عديدة استرخصت الوطن وسعت وراء المكاسب الشخصية، و لو كان ذلك على حساب الأقربين قبل عامة الشعب.
أما الأمر الآخر هو، ما هي ضوابط الحوار؟
فمن يتكلم عن إقامة الدولة الجنوبية وشكلها ونظامها السياسي والاقتصادي والإداري ما هي الحجج والأسانيد التي يبني عليها وجهة نظره؟ وكذلك الحال بالنسبة لمن يتمسك بمشروع الدولة الاتحادية اليمنية وهل ما زالت قابلة للتحقيق وبأي مواصفات وشروط.
إن معالجة حالة عدم اتفاق بعض المكونات الجنوبية سواء منها تلك التي تختلف مع الانتقالي في طريقة إدارة الصراع مع القوى اليمنية، الطامعة في إبقاء الجنوب فرعا تابعًا لصنعاء، او الذين لديهم آراء حول هيكلية الانتقالي نفسه، أو حتى الذين لا يرون قيام دولة جنوبية، لا يمكن أن تكون إلا من خلال الحوار.
شرط نجاح الحوار هو أن يتم فيه التقاء المكونات السياسية الجنوبية، من مؤيدين ومعارضين، والاتفاق على خارطة طريق يمكن من خلالها الانتقال بالجنوب إلى وضع أساس الدولة الجنوبية المنشودة.
في الأخير ما يجب قوله هو أنه ليس هناك من موانع لدى أبناء الجنوب من التحاور والتشاور، فهذا قدرهم أن يكونوا شعب هذه الأرض العربية الجنوبية، ولا يمكنهم استعادة وطنهم وبينهم من يعيش متاهات السياسة ونزوات الاستئثار المرتبط بمن يعتبر نفسه منتصرًا أو الأحق بقيادته.