من دون شك هناك أطراف في العالم والإقليم يحملون رغبة حقيقية بحل الصراع اليمني-اليمني والصراع الجنوبي-اليمني، ويعتقدون أن التاريخ والمصالح، أمور يمكن الحوار حولها وعليها بين العقلاء الذين يدركون مصالحهم، وربما سيتوصلون بعدها إلى حلول وسطية تتمثل أما بحل الدولتين أو أقلها بكونفدرالية من نظامين.

بقايا الشرعية في اليمن يرون أن الانقلابيين الحوثيين أصبحوا في وضع أضعف من قبل، وأنه لا يجب تمكينهم، وأن شرعيتهم هي الأحق بحكم صنعاء وأنهم حملوا السلاح من أجل ذلك، وأن ثبات إمارة مأرب وصمودها في الشرق أسقط ظنون البعض بقوة الحوثي، كما كرّست انتصارات قوات طارق عفاش المزعومة أو المهداة إليه غربًا في الساحل الغربي تشكل معادلة ردع أخرى، لن يعرف الحوثي بعدها إلا الهزائم، وأن زواله أصبح مسألة وقت.

هؤلاء المتشرعنون، خصوصًا في مجلس القيادة وأشياعهم السياح في الخارج، لم ولا يقدمون أي رؤية للسلام أو كيف سيتم إسقاط الحوثي وتحرير صنعاء وماذا سيفعلون بالحوثة؟ في الواقع هم غير قادرين على إسقاط الحوثي، وليس لديهم مشروع لمواجهته ولا مشروع سلام دائم لديهم، ما يعني استمرارهم في حالة من اللاسلم واللاحرب وإبقاء الصراع والحرب العبثية وتواصل الانهيارات بكل تبعاتها التدميرية، ليس على اليمن والجنوب بل وخطرها على أمن الإقليم، والعالم.

في الوقت ذاته هناك مفاوضات تجري وراء الكواليس، تحمل خطرًا كبيرًا يتم التسويق له حول مشاريع تسويات دولية وإقليمية قد يكون الجنوب العربي هدفًا لها، وتهدف كما يتم تقديمها إلى استقرار أمني وسياسي واقتصادي، في تجاهلٍ للثمن الذي سيترتب على الجنوب دفعه بعيدًا عن حقوق شعبه الوطنية والسياسية وحتى في حصولهم على شراكة متوازنة، بما يعني ازدراءً كاملًا لمصالحهم ومصالح أجيالهم، وأحد الأدلة هو أن تتم هذه الصفقات بعيدًا عن مشاركة الجنوبيين ودون أي اعتبار لدورهم الإيجابي في هذه الحرب.

والخطير جدًّا في هذه الصفقات هو تكريس مليشيات الحوثي ممثل إيران في جنوب العرب حاكمًا معترف به في صنعاء ما يعني تثبيت المشروع الإيراني في المنطقة بما يحمله من تهديد للاستقرار وتسريع القضاء المبرم على ما تبقى من تلك الشرعية المهترئة وانحلال مشروعها!

هنا لابد من التأكيد أنه لا طريق لحلٍ حقيقي ومستدام مع استمرار الخلل في فهم الصراع الذي بدونه لن يستطيع أي طرف مهما بلغ تأثيره أن يفرض حلولًا مبتورة بعدما ترسخت قناعة عميقة وواسعة بأن إنهاء هذا الصراع بالنسبة للجنوبيين يجب أن يأخذ مسارًا صحيحًا قائمًا على مبدأ حق الجنوبيين في إقامة دولتهم الوطنية هو الأساس والباقي تفاصيل يمكن مناقشتها، وأن كل محاولات لفرض أي تسوية باطلة لن تأتي بالسلام المنشود وإنما بتهيئة الظروف لإشعال حروب مستدامة عوضًا عن السلام الدائم.