> أحمد الأغبري:
منذ أكثر من عامين واليمن يعيش في حالة اللاسلم واللاحرب، وهي حالة تحمل في مقتضياتها ما يؤسس لتداعيات خطيرة، في مقدمتها إفراغ القوى السياسية من فاعليتها، وإحالة البلد إلى المكوث في حالة اللااستقرار، وهي حالة تتيح لتجار الحرب الاستثمار ومراكمة ثرواتهم على حساب استمرار معاناة الشعب، وتكريس واقع اللادولة، وهو ما يعني ذهاب سلطات الحرب إلى تفخيخ طريق استعادة الدولة وتأسيس فاعليتها المدنية، التي تتجسد في دولة المساواة، والمواطنة، والعدل، والتوزيع العادل للسلطة والثروة.
السؤال الذي يفرض نفسه واليمن ما زال في المنطقة الفاصلة بين الحرب والسلام: إلى متى ستستمر هذه الحال؟ وما هي مقتضياتها الراهنة ونتائجها وتداعياتها في حال استمرارها؟ وكيف يمكن أن يتجاوز البلد هذه الحالة إلى تحقيق السلام والاستقرار؟ بمعنى ما هي اشتراطات السلام الضامن للاستقرار الذي يطمح إليه اليمنيون شمالًا وجنوبًا، والتي يعاد من خلالها لُحمة البلد كوطن قابل للحياة وتعايش التنوع؟
- التهديد الدائم
يرى نقيب الصحافيين اليمنيين الأسبق، المفكر عبدالباري طاهر، أن حالة اللاحرب واللاسلم في اليمن لا تقل خطورةً وتهديدًا عن الحرب نفسها.
وقال لـ«القدس العربي»: «التهديد الدائم بعودة الحرب مروع وكارثي، فهو يعني توقف النشاط العام في الحياة، وبقاء الأوضاع المأساوية على حالها، وإعاقة البناء والتطور وإصلاح الأوضاع، وتطبيع الحياة الآمنة، واستمرار الحصار، وعدم الإفراج عن المعتقلين والمخفيين قسريًا، وتبادل الأسرى، ومعالجة أوضاع البلاد والعباد، وصرف المرتبات، وفك الحصار، والسعي للمصالحة الوطنية والمجتمعية».
وأضاف: «إن المستفيدين من هذه الأوضاع الكارثية هم سلطات الأمر الواقع في الشمال والجنوب والشرق والغرب، وهم قادة الحرب وميليشياتها».
وفي قراءته لما تعنيه المرحلة الراهنة قال:» تعني حالة اللاحرب واللاسلم استمرار تفكك البلاد، وتناحر مكوناتها، وغرس العداوات، ومصادرة الحريات العامة والديمقراطية وحرية الرأي، وتغول النهب والفساد والاستبداد، وقمع إرادة الشعب وإرغامه على الصمت».
المأزق- كما يعتقد طاهر- أن هذه الحالة البالغة السوء والجور كانت مرتهنة للصراع الإقليمي السعودي الإماراتي مع إيران، وللصراع أيضًا ارتباط بالرباعية الدولية والتحالف العربي، وكان للوساطة الصينية أثرها الطيب في تصالح السعودية وإيران، وهو ما أسهم إيجابيًا في الهدنة القائمة، وفتح حوار بين أنصار الله (الحوثيين) والعربية السعودية، ولكن الحرب الإجرامية ضد غزة، والدعم اليمني للمقاومة الفلسطينية، والموقف ضد السفن الإسرائيلية والأمريكية والأوروبية قد عطل وأعاق الحوار والتوصل إلى حل لكارثة الحرب في اليمن.
ويرى عبدالباري أن «حالة اللاحرب واللاسلم أصبحت مرتهنة لما يجري من حرب إبادة في غزة. فالرباعية الدولية المتورطة في الحرب والمنحازة بالمطلق لإسرائيل تعمل على إضعاف المنطقة العربية، ومنعها من التضامن -مجرد التضامن- مع الشعب الفلسطيني، وطال ويطال اليمن الكثير من عدوان أمريكا وأوروبا».
ويؤكد طاهر «فإن غياب الحامل الوطني اليمني ممثلاً في قيادة الأحزاب الوطنية، ومؤسسات المجتمع المدني، والشخصيات العامة كعب أخيل، نقطة ضعف قاتلة في بقاء هذه الحالة».
ويخلص عبدالباري طاهر إلى اعتبار إرادة اليمنيين والعرب هي الفيصل في تجاوز هذا الواقع.
وقال: «بدون امتلاك اليمنيين والعرب لإرادتهم، فإن تسيد إسرائيل وأمريكا وبريطانيا لن يسمح للأمة ولا الشعوب العربية بنصرة قضيتهم الأولى فلسطين، أو حل قضاياهم الداخلية».
بالموازاة، استعرض رئيس تحرير منصة «خيوط» الكاتب محمد عبدالوهاب الشيباني، بعضا من محطات المفاوضات التي شهدتها الأزمة اليمنية الراهنة، وصولًا إلى اتفاق هدنة في الثاني من أبريل 2022 والذي مُدد لمرتين في يونيو أغسطس، وبقي دون توقيع في أكتوبر، ومع ذلك ظل صامدًا حتى اليوم، وصار اليمن بسببه في حالة اللاهدنة واللاحرب، حد تعبير الشيباني.
ويعتقد الشيباني أنه مع استمرار بقاء البلد رهينة أدوات الحرب ورعاتها فإن هذه الحال ستبقى عنوانا للمرحلة.
وقال: «ما دامت البلاد برمتها رهينة أدوات الحرب في الداخل ورعاتها في الخارج ستبقى هذه الحالة بسيولتها عنوانا للمرحلة، فكل طرف بمسنوده الخارجي يريد الإبقاء على مكتسباته التي حققها على الأرض خلال سنوات الحرب، وأي بوادر للحل ( كتوقيع خارطة طريق) حسب التسريبات المتعددة وتحركات المبعوث الأخيرة ستكرس هذه الحالة، حتى وإن ذهب الجميع إلى سلام (بأي شكل كان وتحت أي ظرف) سيكون سلاماً هشاً، لأن أصابع أطراف الحرب القوية لم تزل على الزناد، فما قيمة التسوية (السلام الملغوم) والضمانات إن لم يُنزع سلاح أطراف الصراع، وتشكيل سلطة وطنية قوية تعكس رغبة الداخل لا إملاءات الخارج.. ولديها القوة في معالجات الملفات الشائكة السياسية والأمنية والاقتصادية».
ويؤكد محمد الشيباني أنه «بدون ذلك تصير كل هذه العناوين مجرد حلم كبير لدى اليمنيات واليمنيين، لا يدرون متى سيتحقق».
«القدس العربي»