قبل حرب 1994 اعتكف الرئيس السابق علي سالم البيض في مقره الرئاسي بعدن والتف حوله المندسون والمنافقون وأصحاب المصالح وبائعو الوهم وصوروا له أن الأوضاع لصالحه على جميع المستويات وأن النصر واستعادة الجنوب مسألة وقت فقط وأغفل كثيرًا من الملفات التي لعبت دورا في الهزيمة واحتلال الجنوب.
ومن أهم ما تم إغفاله هو إجراء مصالحة جنوبية جنوبية بعد انقسام 1986 وإشراك أبناء المحافظات الشرقية في معركة الدفاع عن الجنوب وكذلك كسب التأييد الإقليمي والدولي وتحصين المؤسسة العسكرية الجنوبية من الاختراق، ولكن كل هذا لم يحصل وبقي رهينة للصوت المضلل الذي جعله يرتكب كثير من الأخطاء إلى درجة صوروا له أن هناك الكثير من القادة السياسيين والعسكريين والقبليين اليمنيين إلى جانبه مثل أبو لحوم والكهالي وبعض أبناء المناطق الوسطى.
وعندما بدأت الحرب وقف اليمني بجانب أخيه وهذا الطبيعي بالمقابل علي عبدالله صالح ضمن تأييد الموقف الإقليمي والدولي له واستفاد من وجود قوات عسكرية جنوبية في الشمال لعبت دورا كبيرا في انتصاره على الجنوبيين واخترق المؤسسة العسكرية الجنوبية فسقطت أهم المواقع العسكرية الجنوبية في اللحظات الأولى للحرب بسبب الخيانة مثل قاعدة العند التي سهل سقوطها من سقوط عدن واللواء 22 في مكيراس الذي سهل سقوطه من نزول القوات اليمنية عبر عقبة ثرة والسيطرة على أبين وتعزيز لواء العمالقة المتواجد في زنجبار.
تم حصار عدن في الأيام الأولى للحرب، اليوم يتكرر السيناريو حيث اعتكف عيدروس الزبيدي في جولد مور والتف حوله الخونة والمندسون وأصحاب المصالح والمطبلون وصوروا له أن كل شيء لصالحه، ويبدو أنه ارتهن لهذا الصوت وغفل الانفتاح على القوى الإقليمية والدولية وإرسال رسائل طمأنينة لها تضمن حقوقها والعمل على مصالحة جنوبية حقيقية تستوعب الجميع أخوةً سواسية في الحقوق والواجبات والاستماع إلى أنين ومعاناة أبناء الجنوب الذين يعانون من الخوف والفقر والجوع والحرمان والمعاناة الدائمة وتحصين المؤسسة العسكرية والأمنية الجنوبية باستمرار من الاختراقات المعادية.
الواقع الجنوبي اليوم يعاني بسبب انهيار الدولة وإطالة أمد الأزمة ومعاناة الناس المستمرة وإدارة المشهد الجنوبي بنفس مناطقي استفادت منه مناطق محدودة وأشخاص محددون على حساب شعب ووطن، وهذا سبب تذمر من الغالبية الجنوبية مما ساعد القوى اليمنية بجميع أيدلوجياتها من التغلغل في المناطق الجنوبية وخاصة الشرقية منها وجاء ذلك بدعم وتأييد من قوى إقليمية ودولية تعمل على بقاء الجنوب تحت سيطرة قوات الاحتلال اليمني، أنا على يقين تام بأن الجنوبيين لن يستسلموا ولن يسقط الجنوب بيد اليمنيين ليحكموه بالكامل مثلما حدث بعد 1994 وسيكون أرضا ملتهبة ووبالا على جميع القوى اليمنية التي مازالت تحلم وتعمل على العودة والسيطرة على الجنوب مرةً أخرى، لكن هذا لا يمنع من الأخذ بالأسباب والعمل بصورة صحيحة.
المرحلة تتطلب من القيادة الجنوبية الاستفادة من أخطاء الماضي لمواجهة التحديات الماثلة أمامنا وهي تحديات كثيرة وخطيرة جداً.
عن "الاتحاد"