هو الوصل، مفردة تدلُّ على اللقاء، واللقاء حبيب، وإنْ كان برسالة أو اتصال عبر أثير الجو، وقد جاء العِلم الذي اخترع "النت" وأبدع وسائل التواصل، فقرَّب المسافات، وزوى العالم في قرية صغيرة، فلا يتعب المُفارِق المُضنى من البعاد، ولا يشقّ عليه طول السَّفَر، فقد يلقى صاحبه ويحدّثه صوتا ويراه صورة.

لكني سأكتب في صفحة "الأيام" الأنيقة، عن جمال التواصل، وعن الوسائل اللطيفة والبديعة، وقصاصات الأخبار المتداولة بين الأحبّة عن الشوق واللقاء، والحُبّ والشّجَن، وعن السياسة والمال والاقتصاد.

سأكتب عن العبارات المنسّقة الجميلة التي تعطي للحياة طعمًا وذوقًا وتضفي عليها وهَجًا وأريحية.

عن جُملة صِيغت بِرَوح الروح، وفاحت بِزَهر القلب، وسَمَت بصوت العقل، حتى أن قارئها لَيَغدو نشوانًا، يحسُّ أن مقادير من السعادة قد سُكِبَت في جوفِه، ويظلُّ يلعق حلاوتها كلما قرأ وكرّر.. وقد قيل:"كرِّر العِلم فالمكرّر أحلى"..

إنّ قطعة لنشيد مُغنّى بصوتٍ رخيمٍ ومنمنم، لتجتذب روحك، لا سيما إن كانت كلماتها رصينة، سُبِكَت لتهذيب النفس وسمو العاطفة، قطعة من كلام مموسق تذهب خلال الأثير كرسالة تُحيي الإنسان وتوقظه من غفلته، وتهب روحه طاقة إيجابية من أجل الفعل والحركة فتسوقه إلى الحُبِّ والخير والسلام.

والذي نفسه بغير جمالٍ لا يرى في الوجود شيئًا جميلا..

والكتابة بحرارة، إنما تأتي من قلبٍ ملذوع، والواعظ المُحترِق كما قيل هو من تصل كلماته إلى شغاف القلوب..

لا تعذل المشتاقَ في أشواقهِ حتى يكونَ حشاكَ في أحشائهِ.. هذا خَبَرٌ عن مُحبٍّ مُضنى أرّقهُ السُّهد.. "متى يلقى من يروم وصاله"؟

وهذا خبر عن قرار البنك المركزي، يريد استعادة مال المواطن الضائع بين دهاليز السياسة..

شتان بي لوعة المحب المُفارق لخِله، ولوعة المواطن المُفارق لحقه المنهوب.

لاشك سيطغي قرار البنك على قرار المفارق لخِلّه، وأحسن الكُتّاب براعة وأدبًا من يصغي لمن قال:"لكل مقامٍ مقال"، ويعلو بهمّته كلما عَظُمَ الحَدَث، وتمايزت الأشياء، وسنرى في الأثناء ثورة في مواقع التواصل الاجتماعي عن أخبار البنوك، لكن نريدها انبعاثة تقرِّب لا تُباعِد، وعبارات تَصِلُ ولا تقطع، ونريد أن نرى المتكلم والمخاطَب كليهما يسعيان إلى ظِلال السلام.

أنْ تأتي بلمسة حانية في الواتس، أو حائط الفيسبوك، أو منصة(x) أو قناتك الخاصة في اليوتيوب، بخبر أو صورة أو كلمة مموسقة تصنع حبًّا وتصيغ جمالًا، وتجمع رأيًا وتؤلّف قلوبًا، أحسن من أن تكتب مقالة تثير لغَطًا، وتبثُّ سُمًّا، وتحرِّض على الفتنة.

إنّ جمال التواصل في السياسة، والحديث عن القرار الاقتصادي، لابد أن يصحبهما حديث عن الحُب والسلام، فيُصبغان بهما، كي تهدأ النفوس، وتستقر الأوضاع، وينجو البلد إلى بر الأمان.

حتى الحديث عن السياسة يا قومنا نريده قطعة أثير من رقيق الكلام، ولِين الخطاب..

"وقولوا للناس حُسنى".