أن تعمل تسوية لقضية ما شرط أساسي أن تكون نزيها ومحايدا وأن تستمع لكل الأطراف المعنية وتناقش لب وجوهر القضية وليس قشورها أو نتائجها، وإن قفزت للنتائج فعليك أن ترى كل النتائج التي وصلت إليها الأطراف، لكن ما يجري في هذه التسوية فإن الوسيط يعتبر جزءا أساسيا من المشكلة سواء كان مشاركا بشكل مباشر أو غير مباشر عبر دعمه لهذا الفريق أو ذاك.. هذا وإلا ثانيا فإن التسوية قفزت لتناقش نتائج طرف وتساومه على الحلول وتجاهلت طرفا آخر أساسيا في القضية، وهذا يعتبر إخلالا فاضحا في عملية التسوية، ومن جانب آخر لاحظنا منذ بداية الحرب أن التعامل مع أطراف الأزمة ليس عادلا، ففي الأيام الأولى للحرب أي بعد أسبوعين أعلنت هدنة إنسانية وسيرت الأمم المتحدة أسطولا كبيرا من السفن محملا بالمواد الغذائية والوقود وغيرها نحو ميناء الحديدة التي لا توجد فيها حرب أصلاً وكأنه دعم مجاني للانقلابيين عبر بوابة الإنسانية.. بينما عدن التي تدار فيها معارك ضاربة وتدك المنازل على رؤوس ساكنيها ومحاصرتها من الاتجاهات شرقا وغربا وشمالا تحت النار لم تقدم لها أي مساعدة، وهذا مؤشر منذ البداية على أن هناك خللا في إدارة الإقليم والعالم لهذه الحرب.

عدن والجنوب تجاوزا الأزمة صمدا وقدما أنموذجا للمقاومة الباسلة ليس في طرد الغزاة الشماليين، لكن في التصدي لخلايا القاعدة وأخواتها التابعة لنظام صنعاء والتي تولت مواصلة التفجيرات والاغتيالات وغيرها وسلم الجنوب للشرعية تحت رعاية التحالف العربي وقدم الجنوب ما عليه من التزامات تجاه التحالف حتى تحرير الساحل الغربي إلى مشارف الحديدة وتم تجاهل كل ذلك وبدأت الشرعية تحت قيادة حزب الإصلاح (الإخوان المسلمين) بحرب الخدمات والمرتبات وعرقلة تطبيع الحياة في المناطق المحررة حتى سيرت الجيوش من مأرب وسيئون لاحتلال عدن وفشلت.

لماذا التركيز على الجنوب وعدن؟ الكل يريد أن يتدخل ليس من أجل انتشال أوضاعها، لكن من أجل أمور أخرى.. هل الجنوب وعدن هما المشكلة بينما لا نرى أي تدخل في ناحية الشمال بل العكس كان التدخل من أجل توفير تسهيلات من شأنها خدمة نظام الانقلاب عبر فتح الموانئ والمطارات وغيرها؟

نلاحظ النشاط السياسي للإقليم والعالم في الجنوب من خلال إنشاء مكونات جديدة في مناطق جنوبية، وكذا العمل النشط في إدارة حوارات جنوبية جنوبية لجنوبيين ليس لهم حضور اجتماعي وسياسي وازن على الأرض وفي أرقى المنتجعات العالمية وحتى إنشاء قوات عسكرية وتوزيعها على مناطق أصلا فيها قوات جنوبية تتبع المقاومة الجنوبية، أو قوات تم إنشاؤها بعد طرد المحتلين وتعمل بشكل شرعي.

السؤال: لماذا بالمقابل لا نرى نشاطا مثل هذا من قبل العالم والإقليم في ناحية الشمال مثل توحيد القوى الوطنية عبر حوارات تديرها فيما بينهم أو رص صفوفهم على الأقل لمواجهة تمرد الحوثي والوقوف ضد إجراءاته التي تخلخل النسيج الوطني للمجتمع عبر إدخال مفاهيم دخيلة عليه؟ كما لا نرى إنشاء مكونات جديدة في المناطق الشمالية، وكذا لم نلاحظ إنشاء قوات عسكرية لزجها في تحرير الأرض من احتلال الحوثي الذي يشكل خطرا وجوديا ليس لأبناء تلك المناطق ولكن للإقليم والعالم، وهذا ما ظهر مؤخرا في تعطيل الملاحة الدولية في البحر الأحمر.

الشيء غير المفهوم أن هناك تدخلا سافرا من جميع الأطراف الإقليمية والدولية في شؤون الجنوب في الجانب السلبي.. الهدف فرض أجندات على الجنوبيين لا يرغبون بها ويمارس عليهم أشد أنواع الحصار والتنكيل من خلال حرمانه من الخدمات الضرورية مثل الكهرباء وأيضاً التعنت في عدم صرف مرتباتهم لعدة أشهر.. لماذا كل هذا يا عالم ويا إقليم؟ ماذا تريدون من الجنوب هاتوا من الآخر؟

الجنوبيون قدموا تضحيات هائلة لهدف واحد هو استعادة دولتهم وكرامتهم المفقودة، وقبلوا بالمشاركة مع الشرعية التي كانت تقوم بقتلهم في الميادين وتجرعهم مرارة العيش لعقود من الزمن وكان ذلك بحسن نية من جانب الجنوبيين لعل وعسى أن نخرج إلى بر الأمان ليس للجنوب فقط ولكن للشمال الذي أصبح جزءا أساسيا في استراتيجية الهيمنة الإيرانية لتجنيب الإقليم والعالم أزمات قادمة، لكن لله في خلقه شؤون.