> يحيى العكوري:
"قصم ظهري واسودت الدنيا في وجهي حين اتصل بي أحدهم: زوجتك في ذمة الله". بتلك العبارات يصف طارق الشميري تلقيه خبر وفاة زوجته، وهو في الغربة، بإحدى المستشفيات الخاصة في صنعاء؛ نتيجة خطأ طبي.
وضعت مريم طفلتها، لكنها كانت تعاني تشوهات؛ نتيجة ضعف خبرة الأطباء وإهمالهم أثناء إجراء عملية التوليد؛ حسب التقرير الطبي.
وأضاف أن زوجته تلقت الجرعة من أحد الممرضين الممارسين “تحت التدريب” في المستشفى، سببت لها مضاعفات؛ ونُقلت إلى العناية المركزة.
لافتًا إلى أنه لم يُسمح لأقاربها بزيارتها لمدة سبعة أيام، إلى أن أخبروهم بإصابتها بجلطة في المخ، أدخلتها في غيبوبة.
تحقيق اللجنة أظهر أن الجرعة نفذها فني تخدير متدرب، لا يحمل مؤهلًا علميًا ولا رخصة مزاولة مهنة، استقدمته المستشفى للعمل بأجر أقل.
وكشف التحقيق عن وجود قصور في رعاية المنوفية أثناء عملية الولادة.
ليعزم طارق عندها السفر لإلقاء النظرة الأخيرة على زوجته، واحتواء طفلتيه، وهنا كانت المفاجأة.
ورغم إدانة محكمة غرب الأمانة للمستشفى، إلا أنها اتهمت طارق بتشويه سمعة المستشفى عبر وسائل التواصل الاجتماعي، حسب حديثه.
عاد طارق للملمة أوجاعه، بعد أن داهمه المرض، يقول إنه عاد للغربة بنصف روح ليسدد ديونه عقب استنزافه ماديًا ونفسيًا وصحيًا.
ظلت القضية عالقة بالمحكمة التي قضت بتغريم المتهم، وتعويض ورثة الضحية بخمسين مليون ريال، وهو مالم ينفذ حتى الآن، بحسب طارق.
بعض تلك الأخطاء انتهى بالوفاة، فيما البعض الأخر تسبب بأعاقة دائمة للمريض أو ضاعفت من معاناته ورغم إثارة هذا الموضوع كثيرًا، إلا أن نسبة الضحايا في تزايد مستمر.
وذكر في منشور له على “الفيسبوك” أن زوجته تعرضت لنزيف داخلي وانفجار الرحم، واستئصال قناة فالوب اليمني.
لم يستسلم يوسف فيما حصل لزوجته فقد رفع شكوى إلى وزارة الصحة التابعة لجماعة الحوثي غير المعترف بها.
وبعد عرض النتيجة على أطباء آخرين، أكدوا عدم وجود حمل، وإنما التهابات بالأمعاء؛ لتذهب المريضة ضحية التشخيص الخاطئ، وتهور الأهل.
لكن سرعان ما عاودت المستشفى فتح أبوابها، وعادت الطبيبة المتسببة بوفاة الضحية إلى عملها، رغم تكرارها للأخطاء وكثرة الشكاوى ضدها.
واتهم الأهل الطبيب بتهمة القتل غير العمد؛ بعد خطأ طبي وقع خلال عملية جراحية في إحدى المستشفيات الخاصة.
وعندما تم نقله إلى المشفى أعطاه أحد الأطباء جرعة من المضادات الحيوية تسببت بتدمير الجهاز المناعي.
وكشفت الفحوصات أن محمد يعاني من “الزائدة” ما يعني أنه بحاجة لإجراء عملية جراحية، بحسب حديثه لـ«المشاهد».
وتابع: أخذت نتيجة الفحص وعملت فحصًا أخر بمختبر خارج المستشفى فكانت النتيجة “أميبيا”، وأخذت علاج الاميبيا وانتهى كل شيء.
ويضيف الدكتور قاسم لـ«المشاهد»: وفي هذه الحالة لا تجرؤ المستشفيات على محاسبة كوادرها، والضحية هم المرضى للأسف.
ولم يتبقى إلا القليل من الأكفاء والذين بدورهم ذهبوا للعمل في عياداتهم الخاصة بمقابل كبير، يقول الدكتور أدهم قاسم.
ويشير إلى أن كثير من خريجي الكليات الطبية وجدوا أنفسهم بحاجة إلى شهادات خبرة حتى وإن كلفهم ذلك حياة المرضى.
المجلس الطبي الأعلى بصنعاء وثق خلال العام 2022 عشرات الأخطاء الطبية القاتلة وبمعدل 200 شكوى.
ورغم أن المجلس الطبي قال إن مستشفيات وأطباء وممرضين في اليمن اقترفوا تلك الأخطاء، لكن هذه الشكاوي ظلت حبيسة الأدراج.
وذلك لمن اعتدى على سلامة جسم غيره، بأية وسيلة ولم يقصد من ذلك قتلًا ولكن الاعتداء أفضى إلى الموت.
تتكرر الأخطاء الطبية بجميع المحافظات دون أي معالجات رسمية لوضع حد لهذه الانتهاكات، التي تحصد الأرواح البريئة مثلها مثل الحرب.
كما أنها تضع الكثير من علامات الاستفهام عن الوضع الطبي باليمن، الذي تحولت فيه ملائكة الرحمة إلى ملائكة عذاب.
دخلت زوجة طارق "مريم" المستشفى بغرض الولادة، لكنها ظلت في قسم العناية المركزة لقرابة أربعة أشهر، وخرجت جثة هامدة.
يقول طارق لـ«المشاهد»: “دخلت زوجتي بفرح قسم العمليات القيصرية لولادة طفلتنا الثانية، لكن جرعة التخدير الزائدة، حولت فرحتنا إلى أحزان”.
لافتًا إلى أنه لم يُسمح لأقاربها بزيارتها لمدة سبعة أيام، إلى أن أخبروهم بإصابتها بجلطة في المخ، أدخلتها في غيبوبة.
- نتيجة التحقيقات
تحقيق اللجنة أظهر أن الجرعة نفذها فني تخدير متدرب، لا يحمل مؤهلًا علميًا ولا رخصة مزاولة مهنة، استقدمته المستشفى للعمل بأجر أقل.
وكشف التحقيق عن وجود قصور في رعاية المنوفية أثناء عملية الولادة.
- اعتقال الزوج
لم تصمد مريم فقد لفضت أنفاسها بعد هذه المدة، خبر “زلزل” زوجها في غربته، وهو يفقد شريكة حياته، وتتيم زوجته.
قوات أمنية تداهم منزل طارق بصنعاء بعد وصوله من الغربة، واقتادته للسجن برفقة ابنته الكبرى؛ بسبب رفع قضية ضد المستشفى.
ويواصل: “دفعت 250 ألف ريال يمني للخروج من السجن، وتشردت أنا وبناتي، ودُفنت زوجتي بعد احتجازها بثلاجة الموتى عشرة أشهر”.
ظلت القضية عالقة بالمحكمة التي قضت بتغريم المتهم، وتعويض ورثة الضحية بخمسين مليون ريال، وهو مالم ينفذ حتى الآن، بحسب طارق.
- أخطاء بالجملة
تزايدات ظاهرة الأخطاء الطبية في صنعاء خلال السنوات الأخيرة، وسجلت الكثير من الحالات الناتجة عن التشخيص الخاطئ.
يوسف شذان، مواطن يسكن في صنعاء، يقول إن زوجته تعرضت لمضاعفات كبيرة في إحدى المستشفيات الخاصة؛ نتيجة تشخيص خاطئ.
يضيف شذان لـ«المشاهد» إن طبيبة نساء وولادة وجهت باستخدام أدوية لا علاقه لها بمرض زوجته؛ ما تسبب بمضاعفات خطيرة.
وذلك أدى إلى احتمالية عدم الحمل مرة أخرى، في سلسلة متواصلة من التشخيص الطبي الخاطئ تشهده صنعاء منذ سنوات.
وقبل ثلاثة أعوام قتل شاب أخته المريضة بباب المستشفى، بعد أن أخبرته طبيبةٌ بنتيجة الفحص بالخطأ، أن أخته العزباء حامل.
وحسب إحدى صديقات المريضة فإن القضية أدت الى إغلاق مؤقت للمستشفى الخاص الذي تعمل به الطبيبة لعدة أيام.
أهالي أحد الضحايا رفعوا قضية في محكمة غرب الأمانة قبل نحو عام، ضد طبيب تسبب بوفاة مهندس نفطي كبير.
وقبل شهور توفي الطفل حمزة خالد (خمسة أعوام) بخطأ طبي في إحدى مستشفيات صنعاء، بعد إسعافه إثر التهابات في الدم.
- مسالخ بشرية
يقول محمد علي، مواطن من صنعاء، أنه أصيب بوجع في البطن، وبعد الذهاب للمستشفى، قرر الطبيب المناوب إجراء الفحوصات اللازمة.
لم يكن محمد علي يخشى من الزائدة بقدر خوفه من إخفاق الطبيب الجراح، خاصة بعد سماعه عن الأخطاء الطبية.
- رحيل الكوادر
يضطر بعض الأطباء للعمل بمقابل لا يغطي احتياجاته؛ ما يدفعه للعمل بقدر ما يتقاضاه من أجر، بحسب الدكتور أدهم قاسم.
ويواصل: خلال سنوات الحرب غادر البلاد الكثير من الكوادر الطبية المؤهلة للعمل في دول الجوار أو أوروبا.
ويشير إلى أن كثير من خريجي الكليات الطبية وجدوا أنفسهم بحاجة إلى شهادات خبرة حتى وإن كلفهم ذلك حياة المرضى.
- الحوثيون يُحمّلون التحالف
وقال المتوكل إن التحالف مسؤول بدرجة معينة في ملف الأخطاء الطبية، وذلك عبر منعه دخول المعدات والمستلزمات الطبية إلى اليمن.
وأشار الوزير الحوثي إلى أن الخطأ الطبي ملف حساس ووزارة الصحة والمستشفيات معنيون بمعالجته وتقليل اللغط حوله.
ورغم أن المجلس الطبي قال إن مستشفيات وأطباء وممرضين في اليمن اقترفوا تلك الأخطاء، لكن هذه الشكاوي ظلت حبيسة الأدراج.
- موقف القانون اليمني
المادة (241) من قانون العقوبات تنص على أنه إذا توفي المريض تكون العقوبة بالدية المغلظة أو السجن لمدة خمس سنوات.
وفي حالة عدم الوفاة تكون العقوبة بالسجن سنتين أو غرامة مع “الأرش”، وفقًا لنص المادة (245) من قانون العقوبات اليمني.
كما أنها تضع الكثير من علامات الاستفهام عن الوضع الطبي باليمن، الذي تحولت فيه ملائكة الرحمة إلى ملائكة عذاب.