أجمل ما في الصباح ضوؤه الندي، ونسمته الرقيقة، هو هدية السماء وفاتحة النهار، وهو أيضًا زمن الحركة والنشور، وإنما يُقاس بناء الأوطان بمقدار تفاعل أبنائها مع هذا الوقت المبارك.

حين ترى بائعًا قد فتح دكانه، ومزارعًا غدا إلى حقله، وعاملًا أدار ماكينة مصنعه أو ورشته، وبزّازًا عرض بضاعته، وصاحب مقهى أعد لزبائنه قهوة الصباح، تخال الناظم الذي أشرقت روحه بقافية الصباح، كأنه صوت منبّه وهو يهتف:

وعاد الصبحُ يحملُ ألف بُشرى

ويوقظُ غافلًا ويتيحُ أجــرا

فكُنْ كالصبح في الدنيا منيرا

وكُنْ كالطير في الآفاقِ حُـــرا

هنا في عدن إحساس لطيف بجودة الصبح، وإن كان حارًّا في زمن الصيف، لكن تبدو المدينة شعلة من حماس، وأحسن ما تقع عينك في أول الصباح على عناوين أخبار البلد في الصحافة الورقية..

تفرك عينيك، ثم تتفحص متمهلًا بين عناوين وسطور صحيفة "الأيام"..

ولك أن تمزج القراءة بكأس شاي عدني ملبّن في لحظات تجلّي وانتشاء.. تقرأ مثلًا هذا العنوان:

"الكويت تقدم لليمن ثلاث طائرات مدنية ومحركين"

ثم نشاهد صورة الأمير مشعل في صدر الصحيفة نكاد نحسوهُ مع رشفات القهوة، فقد ألِفْنا الكويت الروح النديّة والكف السخيّة، صباح الخير يا كويت، لسان حال المواطن وهو يقرأ الخبر في جريدة "الأيام" العدنية:

طفحَ السرورُ عليَّ حتى إنني

منْ عظمِ ما قد سَرَّني أبكاني

شكرًا لمشعل الخير الذي أشعل في الوجدان روح الأُخوّة، وجَبَر كسر "اليمنية" التي صار جناحها مهيضًا في مطار صنعاء.

هذه الكويت تهبُ الشرعية حافزًا معنويًّا لمفاوضيها في مسقط، وتعلِّم أهل هذا البلد كيف تكون دورة الحُب.

نحن في الجنوب نريد من الانتقالي أن يُحدث نقلة جديدة في المِران الدبلوماسي، ويطّوّف في المناخ السياسي الجديد بمهارة الحاذق الذي يسبر أغوار الحَدَث وهو متماسك واثق الخطو، لا تفتُّ في عضُده جريان الأحداث، وتطاير الأخبار السياسية، فالجنوب لنا وليس هو ضيعة معروضة للبيع، وعلى الساسة أن يستمروا في ضبط العمل الجاد المثمر بصبرٍ وأناة، حتى لا يقدح فينا الشامتون ويلبّسون على الخَلْق أن شروط قيام الدولة مازالت معدومة، فإنّا نشدُّ على أيدي الانتقالي أنْ يأتي بها ولو انتظر طويلًا..

وأين شروط قيام دولة الشرعية وعاصمتها مختطفة، ومؤسساتها مصادرة؟!

قرأتُ في بعض الفوائد، أن أستاذًا يابانيًا قال لتلاميذه:" الانحناءُ مثل الصفصاف، وعدم المقاومة مثل البلُّوط"..

نجزم أن العمل السياسي للمجلس الانتقالي صعب في هذه المرحلة، لكن لابد من حكمة حين تشتد الضغوط، فقد قيل:

الحكيم كالماء لا يصطدم في الصخرة لكنه يأتيها يمنةً ويسرةً ومن فوقها ومن تحتها.

وفي الحديث:" المؤمن كالجمل الأنِفِ لو أُنيخ على صخرة لأناخَ عليها"..

كانت نصيحة الأستاذ الياباني لتلاميذه، تشي بحكمة بالغة، كيف أن "الرِفق يجنِّبُك المزالق"..

ليت أن مفاوضات مسقط تُسقط خيرًا لأهل البلد، وتجمع شملهم، وتضع حدًّا لنزيف الدم، وتنعش اقتصاد البلد، وينعم الناس بعيش كريم، ويخلُص كُلًّا إلى حاله، شمال البلد وجنوبه، لا أن تُسْقِط علينا كِسَفًا من السماء.. والله المستعان.