> ياسمين أسامة فر:

فيما تهب رياح التغيير السياسي على أوروبا مهددة باقتلاع حكومات راسخة استمرت في الحكم لسنوات في عدة دول أبرزها فرنسا وألمانيا، تتجه بريطانيا أيضًا لمصير مشابه؛ إذ تتأهب لتحول سياسي تاريخي قد تفرزه الانتخابات التشريعية المقررة بعد غد الخميس وسط استطلاعات للرأي تشير إلى هزيمة ساحقة غير مسبوقة لحزب المحافظين بزعامة رئيس الوزراء ريشي سوناك، وفوز تاريخي لحزب العمال المعارض بأغلبية كبيرة.

ويستعد الناخبون في بريطانيا لانتخاب 650 عضوًا جديدًا لمجلس العموم، فيما يتوقع عودة قوية لحزب العمال بعد الانتكاسة التي مني بها خلال انتخابات عام 2019، والتي شهدت صعودًا مهيمنًا للمحافظين بقيادة بوريس جونسون، الذى كان رجل المرحلة في ذلك الوقت وهى مرحلة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي «البريكست».

ومنذ ذلك الحين، خرجت بريطانيا رسميًّا من الاتحاد الأوروبي، ولكن الأوضاع المعيشية للبريطانيين بعد البريكست هوت بشعبية المحافظين.

واليوم، يسعى حزب العمال بقيادة كير ستارمر، لاستعادة دعم الناخبين المؤيدين للبريكست الذين خسرهم عام 2019، بينما يتوقع أن يسجل المحافظون بقيادة سوناك أسوأ خسارة في تاريخ الحزب الذي يقارب الـ200 عام. وتشير معظم استطلاعات الرأي حاليا إلى تقدم حزب العمال بزعامة ستارمر بنحو 20 نقطة مئوية على المحافظين، مما يعني أن ستارمر يمكن أن يصبح رئيسًا للوزراء بأغلبية تزيد على 200 مقعد، وهي الأغلبية الأكبر في تاريخ حكومات بريطانيا بعد الحرب العالمية الثانية.

ويتوقع أن يخسر المحافظون مقاعدهم في عدة مناطق في البلاد، كما قد يخسر سوناك أيضا مقعده البرلماني شمال إنجلترا الذى كان يعتبر ذات يوم دائرة انتخابية مضمونة للمحافظين، وبذلك يكون أول رئيس وزراء بريطاني يفقد مقعده، ورسمت الاستطلاعات خلال الأيام القليلة الماضية صورة كئيبة عن سوناك، وتوقع أحداها «انقراضًا انتخابيًّا» للمحافظين.

ورغم ذلك رفض سوناك الانسحاب من المعركة في أيامها الأخيرة مواصلًا تحذير الشعب البريطاني من سياسات العمال.
ونقلت صحيفة «ديلي ميل» البريطانية عن سوناك قوله إن ستارمر سوف يدمر بريطانيا خلال 100 يوم فقط من توليه الحكم. وقال إنه بمجرد وصول ستارمر إلى 10 داونينج ستريت «مقر رئاسة الحكومة البريطانية»، فإنه سيفرض زيادات على الضرائب، وبالتحديد ضريبة القيمة المضافة على المصاريف المدرسية، وسيلغي خطة ترحيل اللاجئين إلى رواندا وغيرها من السياسات المثيرة للجدل.

وكانت شعبية المحافظين ـ الذين حكموا لمدة 14 عامًا تحت خمس حكومات مختلفة ـ قد شهدت تراجعًا مضطردًا منذ عام 2021 وقت تفجر فضيحة «الحفلة» أو «بارتي جيت» التي تورط فيها جونسون. وبعد خروج جونسون جاءت فترة قصيرة للغاية من قيادة ليز تراس التي استقالت بعد أن فجرت خطتها للميزانية المصغرة أزمة ضخمة هوت بالجنيه الإسترليني لأدنى مستوى في 37 عامًا.

وجاء سوناك سريعًا بعد ليز تراس، واعدًا الشعب البريطاني بأنه الرجل المناسب لإعادة الاقتصاد البريطاني على المسار الصحيح.
ولكن ظلت الأزمات كما هي في عهد سوناك، إذ تواصلت أزمات الاقتصاد والإسكان والرعاية الصحية والتعامل مع ملف الهجرة، لتصبح تلك القضايا أكثر القضايا سخونة في الحملات الانتخابية الأخيرة. ثم جاءت الضربة الأخيرة للمحافظين بتفجر فضيحة المراهنات على موعد الانتخابات البريطانية المقبلة والتي تورط فيها عدد من مسئولي الحزب الحاكم.

وفى الوقت ذاته، كشفت مصادر في بروكسل لصحيفة الجارديان البريطانية، عن أن الاتحاد الأوروبي لن يتعجل في إعادة مفاوضات البريكست مع المملكة المتحدة حتى لو فاز حزب العمال في الانتخابات. وأشارت المصادر إلى أن الاتحاد الأوروبي سيرحب بتغيير الحكومة في بريطانيا، لكن «الندوب العميقة» التي تركها المحافظون خلال مفاوضات الخروج، وصعود اليمين المتطرف، يثقلان بشكل أكبر الأجندة السياسية في بروكسل.

"الأهرام" المصرية