منذ تأسس نظام عفاش الذي بني على قواعد كان الفساد أحد أركانه فوجد الفاسدون فرصتهم الذهبية في ابتداع طرق ووسائل تنظيمه وكان راضيًا عنهم حبًّا في البقاء في السلطة ودفعًا للطامعين وإشغالهم بالمال، فساعدهم على تحصين أنفسهم بعد السماح لهم بالانخراط في المشهد السياسي وفرض قواعد مشتركة تنظم العلاقة فيما بينهم لممارسة لعبة الفساد وباتوا عرابين لأحزاب ومنظمات سياسية، كما استطاع ضم رجال الأعمال إلى تلك المنظومة واستطاع التحكم في المشهد السياسي حتى وصل إلى تحقيق اختراق كبير في كل حركات الاحتجاجات التي مرت على البلد؛ بل وصار بعضهم فيما بعد من قيادات ما سمي بثورة 2011م من خلال مواقعهم في عدد من الأحزاب.

دون أدنى شك أن المسألة في انتشار الفساد من عدمه تبدأ من عند من لديه سلطة الحاكم فإن هو صلح صلحت الأمور وإن هو أفسد فسدت كل الأمور والحقيقة أننا وجدنا أنفسنا أمام طبقة سياسية وإدارية فاسدة رسخت جذورها في كل مفاصل النظام إلا من رحم وصارت القطب الأقوى في السلطة، الأكثر سخرية من كل هذا هو كيف صدّق البعض أن تلك الوجوه الكالحة ستقود مكافحة الفساد؟ والحقيقة المرة هي أننا أمام مهزلة مبكية يديرها زنادقة الفساد، لأنه لا شيء أكثر مأساوية وهزلية من أن تجد رعاة الفساد أنفسهم يتحدثون عن مكافحته حتى أصبحوا نجومًا في هذا المجال وكأنهم يقولون لنا موتوا بغيظكم ففسادنا وصل حد أننا نحن من يتحكم في مكافحته وفي ممارسته.

من المؤسف في ظل الظروف التي تمر بها البلد حروبًا ودمارًا وأوبئة تقتل المئات بل آلاف المواطنين وأُسر دمرها الفقر والحاجة بينما تجد هؤلاء الفاسدين يتنقلون من موقع لآخر في سلطة الشرعية يستقطعون الأموال لجيوبهم ويصرفونها في غير مصارفها، ويتمتعون بسلطات يعرفون أنهم ليسوا أهلًا لها ليسيطروا على حقوق المساكين من الجنود وأُسر الشهداء؛ بل ويتقاسمون الوظائف العامة في إطار أسرهم وأنسابهم وفقًا لمحاصصة متفق عليها من قبلهم وإلا ماذا يعني تعيين أناس في وظائف وهم لا يعرفون أين تقع مكاتب تلك الوظائف وتعيين آخرين في مناصب مسؤولة عن أمور الناس في محافظاتهم ووزاراتهم وهم يتنقلون بين القاهرة وإسطنبول والرياض ويتقاضون رواتبهم مع العلاوات، بينما هناك آلاف الموظفين مرت عليهم شهور لم يستلموا ريالًا واحدًا.

نتحدث عن الحاجة للقضاء على هذه الآفة لأننا نؤمن أنه أول الطريق للمساعدة للخروج من كارثة الحرب والموت والأمراض التي لم توفر أي جانب من جوانب حياة الناس إلا وانهارت خدماته، فوصل الأمر بكثير من هؤلاء الفاسدين الاستعداد لأكل أموال اليتامى والأرامل وتخريب حياة ملايين البشر في سبيل مكسب مادي ليسوا في حاجة إليه إنما هو الطمع والأنانية والتخلي عن الأخلاق الدينية والإنسانية، من خلال نظام ترسخت فيه علاقات منظومة الفساد.

النصر في الميدان والانتصار لحقوق الشعوب لن يأتي على أيدي هؤلاء ولا ينتظر منهم قيادة الناس نحو غدٍ أفضل، ولذلك أضحينا أمام مشهد واحد يتفق عليه هؤلاء الفاسدين من كل الأطراف وهو إبقاء وإطالة أمد الأزمات وإدارة الصراع لأطول مدّة ممكنة من أجل التمكين المادي لذواتهم ومن حولهم وزيادة رؤوس أموالهم ولا غير ذلك، أما الناس فما عليهم إلا الثورة أو الاستكانة والعيش تحت ذل الفقر.