> علي عطا:
دراسة تشهد على تطور الثقافة العلمية للعرب في العصور الوسطى وتأثيرها في العالم المسيحي
> في اللغة الإيطالية نحو 300 كلمة جذرها عربي، أتم الباحث لويجي رينالدي جمعها عام 1905، ملاحظًا أن كثيرًا منها يعود لفترة الحكم الإسلامي في صقلية، التي بحسب تعبيره لا يزال بعض سكانها يعيد إنتاج عادات المسلمين، وحديثًا ترجم كتاب رينالدي إلى العربية وصدر في القاهرة.
يلاحظ الباحث الإيطالي لويجي رينالدي أن ثمة عددًا كبيرًا من الكلمات العربية في اللغة الإيطالية، تركها المسلمون مباشرة في صقلية، إضافة إلى الكلمات العربية القادمة من الإسبانية. ومنها أسماء عدد من الأماكن في الجزيرة، صغيرة كانت أم كبيرة، مثل Alcantara أي القنطرة أو الجسر (وهو جسر روماني أخذ اسمه من العربية)، ونهر ديتانيو Dittaino والكلمة مأخوذة من العربية (وادي الطين).
كتاب ليباردي المهم "الكلمات الإيطالية المشتقة من اللغة العربية: دراسة لغوية مقارنة"، ترجمه إلى العربية عبدالله عبدالعاطي النجار وعصام السيد علي، وصدر حديثًا عن الهيئة المصرية العامة للكتاب. وخلص الكتاب إلى أن غالبية تلك الكلمات موجودة أيضًا في الإسبانية والفرنسية، وجاءت من العربية، في شكل مباشر أو غير مباشر، من خلال الطريق الرئيس للثقافة العلمية والصناعة والتجارة، "أي عن طريق الحضارة، الذي هو أكثر توحيداً في مظاهر الحياة والفكر، كما في اللغة، والعادات والتقاليد المختلفة للشعوب البعيدة". ويؤكد ليباردي أن الكلمات الإيطالية ذات الأصل العربي تشهد، في مجملها تقريباً، على تطور الصناعة والثقافة العلمية للعرب، التي أثرت كثيرًا في العصور الوسطى على العالم المسيحي، "ولكن قبل كل شيء أثرت في العلاقات التجارية الواسعة للغرب مع الدول الإسلامية في شرق وشمال أفريقيا مع صقلية، وهي العلاقات التي كانت تمثل في تاريخ جمهورياتنا العصر المجيد الذي أبحرت فيه سفنهم في بحار بلاد الشام، وأقاموا على شواطئ البحر المتوسط إمبراطوريتهم الاستعمارية المزدهرة".
وترجع العلاقات العربية - الإيطالية، كما ذكر المترجمان في افتتاحية النسخة العربية من كتاب رينالدي، إلى ما يزيد على ألف سنة، وتحديدًا إلى القرن التاسع الميلادي، عندما استولى المسلمون على شبه الجزيرة بجيوش الأغالبة الذين تأست دولتهم في أفريقية (تونس حاليًا) عام 800م.
وبينما دام حضور الأغالبة السياسي حتى النصف الأول من القرن الـ11، تواصل حضور المسلمين الحضاري لفترة تقارب القرنين بعد ذلك، ثم كونوا إمارة في صقلية لمقاومة الملوك النورمانديين (مركزهم في المنطقة الشمالية في فرنسا وفريدريك الثاني، قبل أن ينتهي بهم المطاف إلى الخروج الكامل من الأراضي الإيطالية.
ومن باب الإنصاف وجلاء الحقيقة، يقول المترجمان، لم يقدم دخول العرب إلى صقلية - التي كانت بمثابة المحضن لثقافة عربية مزدهرة لم تختف بزوال الحكم العربي عنها وسيطرة الرومان عليها عام 1072 - الدين الإسلامي فحسب، بل حمل معه العربية بوصفها لغة الثقافة والنخبة المرموقة في ذلك الزمان. ومن ثم استمر التفاعل الثقافي بين عرب شمال أفريقيا وسكان جنوب أوروبا، عبر صقلية. وإلى جانب الأندلس، وفرت بيئة الجزيرة المتعددة اللغات وسيلة انتقال لكم ضخم من المفردات العربية إلى مختلف اللغات الأوروبية. ورينالدي الذي أثرى المكتبة الإنسانية - بتعبير المترجمين - بموروث ثقافي وعلمي جدير بالتقدر والاحترام، يتناول في دراسته اللغوية المقارنة التأثير اللغوي المباشر للعربية في الإيطالية من خلال جمع الكلمات الإيطالية المأخوذة عن العربية بشرح معانيها وضرب بعض الأمثلة التوضيحية، فضلاً عن قيامه في غيرموضع بتوضيح الكلمات الإسبانية والفرنسية والبرتغالية واللاتينية المأخوذة عن الكلمات العربية المستخدمة في إيطاليا والوارد ذكرها في ثنايا هذا العمل.
وفي تمهيد تصدر الطبعة الأصلية، ذهب فيديريغو فيردينوس، إلى أن ما أنجزه رينالدي هو عمل ذو قيمة فريدة في كونه عملًا استكشافيًا سباقًا. وأضاف مخاطبًا رينالدي: "بالتحقيق الدؤوب شرعتم في البحث عن روح اللغة العربية، دافعين بأنفسكم إلى أبعد من أسلافكم بجرأة شبابية، وحددتم من خلال القياس الدقيق والمبتكر مقدار الأثر الذي تركته في لغتنا من روحها"، واستطرد: "أنت نفسك، أو غيرك ممن سيقتفون خطاك النبيلة وسيتبعون مسارك، ستمنحون اتساعاً أكبر لمثل هذه الدراسة الشائقة، ليس فقط لفقه اللغة نفسها، بل أيضاً للثقافة بشكل عام ومعها الحياة المدنية".
ويقول رينالدي في مقدمة دراسته: "إن شعب الصحراء العظيم، الذي ظهر على وجه الأرض عقب زوال الحضارة اليونانية اللاتينية، بعد أن نال مجد السلاح والقتال، أتبعه بالدراسات الرصينة والمثمرة حقاً التي روج لها أمراؤه، وفي كثير من الأحيان انهمكوا فيها هم أنفسهم بحماسة منقطعة النظير"، ويضيف: "كان العرب هم الذين أعادوا إحياء الثقافة المنطفئة في ظلام بربرية العصور الوسطى في جميع أنحاء الغرب والشرق، حتى في القسطنطينية، ومارسوا بجدارة المهمة السامية المتمثلة في الحفاظ عى حصاد المعرفة البشرية وزيادتها ونقلها إلى الآخرين".
ومن إسبانيا وصقلية توغل العلم في أوروبا، وكان في إسبانيا وحدها 70 مكتبة عامة أسسها المسلمون. وكانت ترجمات كتبهم، وبخاصة تلك المتعلقة بالعلوم، "بمثابة أساس حصري تقريبًا للتدريس في جامعات أوروبا لمدة 500 أو 600 عام". وإضافة إلى الطب وعلم تحضير الأدوية، كرس العرب أنفسهم أيضاً لدراسة علم النبات، ثم قاموا بدراسة الكيمياء بحماسة، "مما مهد لاختراع أكثر الأجهزة الميكانيكية إبداعًا". وبولع كبير تابع العرب دراسة علم الفلك، فتفوقوا على معلميهم الإغريق والهنود. درسوا كذلك الهندسة على عناصر إقليدس، التي كانت أول عمل إغريقي قاموا بترجمته. ومع نشاط مساو للحماسة التي تحلى بها العرب في طلب العلوم، فإنهم كرسوا أنفسهم أيضاً للصناعة والتجارة. تجارة الشرق مع العالم المسيحي تفسر كذلك إدخال جزء كبير من الكلمات العربية في لغات أوروبا. منها أسماء المنتجات الثمينة والمتنوعة في الشرق: المنتجات الطبيعية مثل العنبر Ambra والكافور Canfora والزعفران Zafferano والقهوة Caffe، وغيرها من النباتات والمعادن والحيوانات والبضائع والمنتجات المصنعة.
> في اللغة الإيطالية نحو 300 كلمة جذرها عربي، أتم الباحث لويجي رينالدي جمعها عام 1905، ملاحظًا أن كثيرًا منها يعود لفترة الحكم الإسلامي في صقلية، التي بحسب تعبيره لا يزال بعض سكانها يعيد إنتاج عادات المسلمين، وحديثًا ترجم كتاب رينالدي إلى العربية وصدر في القاهرة.
يلاحظ الباحث الإيطالي لويجي رينالدي أن ثمة عددًا كبيرًا من الكلمات العربية في اللغة الإيطالية، تركها المسلمون مباشرة في صقلية، إضافة إلى الكلمات العربية القادمة من الإسبانية. ومنها أسماء عدد من الأماكن في الجزيرة، صغيرة كانت أم كبيرة، مثل Alcantara أي القنطرة أو الجسر (وهو جسر روماني أخذ اسمه من العربية)، ونهر ديتانيو Dittaino والكلمة مأخوذة من العربية (وادي الطين).
كتاب ليباردي المهم "الكلمات الإيطالية المشتقة من اللغة العربية: دراسة لغوية مقارنة"، ترجمه إلى العربية عبدالله عبدالعاطي النجار وعصام السيد علي، وصدر حديثًا عن الهيئة المصرية العامة للكتاب. وخلص الكتاب إلى أن غالبية تلك الكلمات موجودة أيضًا في الإسبانية والفرنسية، وجاءت من العربية، في شكل مباشر أو غير مباشر، من خلال الطريق الرئيس للثقافة العلمية والصناعة والتجارة، "أي عن طريق الحضارة، الذي هو أكثر توحيداً في مظاهر الحياة والفكر، كما في اللغة، والعادات والتقاليد المختلفة للشعوب البعيدة". ويؤكد ليباردي أن الكلمات الإيطالية ذات الأصل العربي تشهد، في مجملها تقريباً، على تطور الصناعة والثقافة العلمية للعرب، التي أثرت كثيرًا في العصور الوسطى على العالم المسيحي، "ولكن قبل كل شيء أثرت في العلاقات التجارية الواسعة للغرب مع الدول الإسلامية في شرق وشمال أفريقيا مع صقلية، وهي العلاقات التي كانت تمثل في تاريخ جمهورياتنا العصر المجيد الذي أبحرت فيه سفنهم في بحار بلاد الشام، وأقاموا على شواطئ البحر المتوسط إمبراطوريتهم الاستعمارية المزدهرة".
وترجع العلاقات العربية - الإيطالية، كما ذكر المترجمان في افتتاحية النسخة العربية من كتاب رينالدي، إلى ما يزيد على ألف سنة، وتحديدًا إلى القرن التاسع الميلادي، عندما استولى المسلمون على شبه الجزيرة بجيوش الأغالبة الذين تأست دولتهم في أفريقية (تونس حاليًا) عام 800م.
وبينما دام حضور الأغالبة السياسي حتى النصف الأول من القرن الـ11، تواصل حضور المسلمين الحضاري لفترة تقارب القرنين بعد ذلك، ثم كونوا إمارة في صقلية لمقاومة الملوك النورمانديين (مركزهم في المنطقة الشمالية في فرنسا وفريدريك الثاني، قبل أن ينتهي بهم المطاف إلى الخروج الكامل من الأراضي الإيطالية.
ومن باب الإنصاف وجلاء الحقيقة، يقول المترجمان، لم يقدم دخول العرب إلى صقلية - التي كانت بمثابة المحضن لثقافة عربية مزدهرة لم تختف بزوال الحكم العربي عنها وسيطرة الرومان عليها عام 1072 - الدين الإسلامي فحسب، بل حمل معه العربية بوصفها لغة الثقافة والنخبة المرموقة في ذلك الزمان. ومن ثم استمر التفاعل الثقافي بين عرب شمال أفريقيا وسكان جنوب أوروبا، عبر صقلية. وإلى جانب الأندلس، وفرت بيئة الجزيرة المتعددة اللغات وسيلة انتقال لكم ضخم من المفردات العربية إلى مختلف اللغات الأوروبية. ورينالدي الذي أثرى المكتبة الإنسانية - بتعبير المترجمين - بموروث ثقافي وعلمي جدير بالتقدر والاحترام، يتناول في دراسته اللغوية المقارنة التأثير اللغوي المباشر للعربية في الإيطالية من خلال جمع الكلمات الإيطالية المأخوذة عن العربية بشرح معانيها وضرب بعض الأمثلة التوضيحية، فضلاً عن قيامه في غيرموضع بتوضيح الكلمات الإسبانية والفرنسية والبرتغالية واللاتينية المأخوذة عن الكلمات العربية المستخدمة في إيطاليا والوارد ذكرها في ثنايا هذا العمل.
- شعب الصحراء
وفي تمهيد تصدر الطبعة الأصلية، ذهب فيديريغو فيردينوس، إلى أن ما أنجزه رينالدي هو عمل ذو قيمة فريدة في كونه عملًا استكشافيًا سباقًا. وأضاف مخاطبًا رينالدي: "بالتحقيق الدؤوب شرعتم في البحث عن روح اللغة العربية، دافعين بأنفسكم إلى أبعد من أسلافكم بجرأة شبابية، وحددتم من خلال القياس الدقيق والمبتكر مقدار الأثر الذي تركته في لغتنا من روحها"، واستطرد: "أنت نفسك، أو غيرك ممن سيقتفون خطاك النبيلة وسيتبعون مسارك، ستمنحون اتساعاً أكبر لمثل هذه الدراسة الشائقة، ليس فقط لفقه اللغة نفسها، بل أيضاً للثقافة بشكل عام ومعها الحياة المدنية".
ويقول رينالدي في مقدمة دراسته: "إن شعب الصحراء العظيم، الذي ظهر على وجه الأرض عقب زوال الحضارة اليونانية اللاتينية، بعد أن نال مجد السلاح والقتال، أتبعه بالدراسات الرصينة والمثمرة حقاً التي روج لها أمراؤه، وفي كثير من الأحيان انهمكوا فيها هم أنفسهم بحماسة منقطعة النظير"، ويضيف: "كان العرب هم الذين أعادوا إحياء الثقافة المنطفئة في ظلام بربرية العصور الوسطى في جميع أنحاء الغرب والشرق، حتى في القسطنطينية، ومارسوا بجدارة المهمة السامية المتمثلة في الحفاظ عى حصاد المعرفة البشرية وزيادتها ونقلها إلى الآخرين".
- معلمو القرون الوسطى
ومن إسبانيا وصقلية توغل العلم في أوروبا، وكان في إسبانيا وحدها 70 مكتبة عامة أسسها المسلمون. وكانت ترجمات كتبهم، وبخاصة تلك المتعلقة بالعلوم، "بمثابة أساس حصري تقريبًا للتدريس في جامعات أوروبا لمدة 500 أو 600 عام". وإضافة إلى الطب وعلم تحضير الأدوية، كرس العرب أنفسهم أيضاً لدراسة علم النبات، ثم قاموا بدراسة الكيمياء بحماسة، "مما مهد لاختراع أكثر الأجهزة الميكانيكية إبداعًا". وبولع كبير تابع العرب دراسة علم الفلك، فتفوقوا على معلميهم الإغريق والهنود. درسوا كذلك الهندسة على عناصر إقليدس، التي كانت أول عمل إغريقي قاموا بترجمته. ومع نشاط مساو للحماسة التي تحلى بها العرب في طلب العلوم، فإنهم كرسوا أنفسهم أيضاً للصناعة والتجارة. تجارة الشرق مع العالم المسيحي تفسر كذلك إدخال جزء كبير من الكلمات العربية في لغات أوروبا. منها أسماء المنتجات الثمينة والمتنوعة في الشرق: المنتجات الطبيعية مثل العنبر Ambra والكافور Canfora والزعفران Zafferano والقهوة Caffe، وغيرها من النباتات والمعادن والحيوانات والبضائع والمنتجات المصنعة.
يذكر أن رينالدي قام بتجميع مسرد المصطلحات الخاص به بالاستعانة بالقواميس العربية الأكثر شهرة، "وبمساعدة أفضل القواميس الاشتقاقية، بحسب تعبيره، واتبع كذلك خطى العمل الذي قام به دييز Diez وعمل المستشرقين دوزي DOZY وإنغلمان Engelmann .
اندبندنت عربية