طالعت مقالا في صحيفة "الأيام" لأحد الكتاب الأشقاء من ذوي الاختصاص حول تصور عن توجه دولة رئيس الوزراء د. أحمد بن مبارك لتسليم المرافق الإيرادية إلى القطاع الخاص بقصد القضاء على الفساد الذي ينخر في جسد الشرعية، وهذا الإجراء سيكون محصورًا في الجنوب فقط نظرًا لأن الشمال يحكمه الحوثي.

لا نختلف مع الكاتب في أن هناك فشل حكومي كامل الأركان، وأن هناك فساد يتم بأيدي رجال الحكومة أنفسهم لعل أشهرها وأكثرها سطوعا هي واقعة فساد ديزل الكهرباء التي مرت دون أن تتولى أي من الجهات المختصة في القضاء وأجهزة الرقابة والمحاسبة محاسبة هؤلاء الذين توجهت نحوهم أصابع الاتهام بوضوح.

اللجوء إلى الخصخصة وفرض الضرائب والرسوم على الناس هي من علامات فشل الحكومات، وفي المجتمعات التي توجد فيها نخب تحترم نفسها وتخشى المحاسبة أو سقوط أحزابها فإن هذه الحكومات تستقيل لتترك المجال للأكفاء والأقدر على الخروج من براثن الفشل والفساد.

الخصخصة والتأميم تعتبر من الوسائل التي تهدف إلى الحفاظ على النمو، فحتى في البلدان الرأسمالية يتم تأميم بعض الصناعات عندما تتعرض للفشل حيث تتولى الكفاءات الحكومية النهوض بهذه الصناعات ثم تتم خصخصتها بالاكتتاب وليس بالبيع كما حدث لمؤسسات وصناعات الجنوب التي تم بيعها لغير ذوي اختصاص وتم تحويل كل كفاءات الجنوب إلى التقاعد القسري وهكذا تم إفقار الجنوب كدولة وسكان ولا زال الناس يعانون من تلك الخصخصة (البيع) حتى اليوم، إذ اختفت مؤسسات الجنوب وذهب الناس إلى الأرصفة.

في الدول الاشتراكية نشأت طبقة من القاع أطلق عليها (أوليغارشية) تخادمت، بصورة أو بأخرى، مع السلطة آنذاك وتسلمت مؤسسات ضخمة باسم الخصخصة ورفعت أسعار المبيعات بقصد تحقيق الربح دون النظر إلى أحوال الناس وبدد أثرياء الأوليغارشية أموالهم في شراء اليخوت والطائرات الخاصة بسفه.

مثل هذه الحالة شهدتها مصر بعد تأميم ثورة يوليو الناصرية الصروح الاقتصادية من الرأسمال الوطني ثم جاء انفتاح السادات ليتصدر المشهد أثرياء جدد لا داعي لذكر ما يقال عنهم في مصر.

عندما تتبوأ الكفاءات الوطنية إدارة الدولة ويسود القانون برجال قانون لا يخشون في الحق لومة لائم وتتساوى الفرص بين الناس، تنهض الدول والشعوب ولنا فيمن سبقونا بالخروج من براثن الفقر والفساد أمثلة كثيرة، قديمة وجديدة، أما الهروب من المسؤوليات بالبيع لغير ذوي تراكم معرفي، كما فعلوا في التسعينات حين باعوا مؤسسات ومصانع الجنوب، وكما يقال إن د. بن مبارك ينوي أن يفعله، فهو عبارة عن تخادم مشبوه يقصد منه إفقار الجنوب وتسليمه وسكانه لطرف ثالث بحيث لا يجدون ما يمكنهم من قيام دولتهم والسيطرة على مواردها، وهذا هو الخطر الحقيقي على مستقبل الجنوب وأجياله عندما يجدون أنفسهم خدمًا لأثرياء الصدفة.