> د. علي أحمد الديلمي:
أصبح اليمن ساحةً للصراع بين قوى إقليمية متعددة تسعى لتحقيق مصالحها الاستراتيجية ويُعَدّ الصراع بين الدول الإقليمية في المنطقة أبرز مثال حيث تدعم كل منهما أطرافًا مختلفة في النزاع اليمني، كما أن تدخل الدول الإقليمية في اليمن كان له تأثيرًا كبيرًا على التوازنات في اليمن مما أضاف إشكاليات جديدة.
إن التحدي الرئيسي اليوم هو تحقيق التوازن بين هذه العناصر بشكل يدفع نحو استدامة الحل ويضمن ألا تكون هناك أطراف معارضة للسلام مع إيلاء اهتمام خاص لاحتياجات الشعب اليمني نفسه وإلا فإن البديل هو تقسيم البلاد على أسس طائفية أو مناطقية وهو سيناريو قد يرضي بعض الأطراف ولكنه يهدد بتفاقم الأزمات الداخلية ويزيد من مخاطر التدخلات الخارجية.
"رأي اليوم"
ومع استمرار التدخل الإقليمي قد تجد اليمن نفسها عالقةً في حلقة مفرغة، حيث تتعقد الأوضاع على الصعيد الداخلي وتصبح الحلول السلمية بعيدة المنال بسبب التدخلات الخارجية، بالإضافة إلى عدم قدرة الأطراف اليمنية على ابتكار الحلول والحوار في ما بينها رغم العديد من المبادرات والجهود التي تبذل من مكونات وشخصيات يمنية تهتم بالسلام ولكنها لم تتمكن من عمل أي شيء بسبب عدم الثقة فيها والقبول بها من كل أطراف الصراع واتهامها بتمثيل أطراف معينة أو أن لها ارتباطات مشبوهة، حتى إن بعض هذه المكونات دخلت في صراعات داخلية بين أعضائها قبل أن تساهم في تقديم الحلول من أجل السلام في اليمن.
تُعَدّ اليمن واحدة من أكثر الدول تعقيدًا من حيث الصراعات حيث يواجه مستقبلها تحديات كبيرة وسط الحروب الإقليمية التي تجري في المنطقة حاليا والصراعات الداخلية مثل الانقسامات الطائفية والقبلية التي تزيد من تعقيد المشهد الداخلي، فالتنافس بين الحوثيين والقوات الحكومية فضلا عن ظهور قوى محلية أخرى مثل المجلس الانتقالي الجنوبي وقوات المقاومة الوطنية في الساحل الغربي والإخوان المسلمين في مأرب والحراك الحضرمي والتهامي وغيرها يؤدي إلى تشتيت الجهود وتفكك الوحدة الوطنية، بالإضافة إلى أن اليمن تُعاني من أزمة إنسانية حادة نتيجة للحرب حيث يفتقر ملايين اليمنيين إلى الغذاء والماء والرعاية الصحية مما يزيد من الصعوبات ويجعل بناء مستقبل آمن ومستقر لليمن أمرا أكثر صعوبة.
بالرغم من أن المجتمع الدولي يلعب دورًا محوريًا في محاولات حل الأزمة اليمنية من خلال دور الأمم المتحدة في التوسط بين الأطراف المتنازعة في اليمن غير أن هذه الجهود ما زالت تعاني من قلة التنسيق والصعوبات اللوجستية، كما أن الضغوط الدولية لم تؤدي إلى إجبار الأطراف اليمنية على التوصل إلى حل وسط ولعل أهم الأسباب في ذلك هو عدم وجود تفاهمات إقليمية ودولية حول مستقبل اليمن مما يُبقي اليمن في حالة من عدم الاستقرار والفقر المستمر.
أعتقد أن مستقبل اليمن سيعتمد على مدى قدرة الأطراف اليمنية على التوصل إلى تفاهمات وطنية وتحييد التدخلات الخارجية رغم أن التحديات كبيرة إلا أن هناك أمل في أن يتحقق السلام إذا ما توفرت الإرادة الحقيقية من كافة الأطراف مدعومةً بتوجه دولي يضمن احترام سيادة اليمن ومساعدة شعبه في تجاوز آثار الحرب والتوصل إلى حل سياسي شامل من خلال مفاوضات يقودها المجتمع الدولي وبدعم من القوى الإقليمية وخصوصاً المملكة العربية السعودية ما قد يفتح المجال لعودة الاستقرار والبدء في عملية إعادة إعمار البلاد وهذا يحتاج إلى إرادة سياسية قوية من كل الأطراف اليمنية بعيدا عن المغامرات غير المحسوبة ولهذا أتصوّر أنّ اليمن مُقبل على مرحلة تغيير بشكل ما ولا يُمكن تحديد وقتها أو رسم ملامحها بسهولة.
أرى أن أفضل وسيلة للحل بين اليمنيين تتطلب أن يكون هناك إطارًا شاملًا يجمع بين الحوار السياسي والمصالحة المجتمعية والدعم الإقليمي والدولي المتوازن لدعم الحوار الشامل بين جميع الأطراف المعنية بما في ذلك الحكومة والجماعات المسلحة والمجتمع المدني وأصحاب المصلحة من مختلف المناطق اليمنية، والحوار يجب أن يكون شاملًا بحيث يمثل كل الأطياف اليمنية ويضمن أصوات المناطق المهمشة من أجل الوصول إلى تسوية سياسية تتضمن اتفاقيات واضحة حول إدارة الموارد وتوزيع السلطة وحماية حقوق الإنسان اليمني تترافق مع المصالحة الوطنية من خلال تعزيز دور المجتمعات المحلية والشخصيات المؤثرة على المستويات القبلية والدينية والاجتماعية وينبغي أن يُدعم هذا الجهد بمبادرات لتعزيز الثقة وتعويض المتضررين وجبر الضرر، كما أن الدعم الإقليمي والدولي من خلال تشجيع الدول المؤثرة على الساحة اليمنية للحد من التدخلات العسكرية وتعزيز الحوار بين الأطراف اليمنية يمكن أن يعزز من دور دول الجوار للقيام بدور الوسيط لدعم العملية السلمية وتقديم الدعم التنموي بعد انتهاء النزاع والتركيز على إعادة البناء والبدء بمشروعات إعادة البناء الاقتصادي والبنية التحتية وتوفير الاحتياجات الأساسية للمواطنين لتعزيز الاستقرار بعد الاتفاق السياسي.
"رأي اليوم"