> فادية سمير:

غرست إيران في المنطقة العربية ما يعرف بأذرعها، التي تعمل من خلالها على تحقيق مشروعها في مد نفوذها وفرض قوتها على دول الشرق الأوسط، وعلى الرغم من الدعم المادي والمعنوي والعسكري الذي تقدمه إيران لهذه الجماعات، إلا أن هذه الجماعات بدأت في الانهيار والتآكل الداخلي فيما بينها.

هذه الجماعات تأسست على فرض النفوذ، وإذا انتفى هذا العامل الذي شكل وجودها الأول، فإنها تسقط، ومن أسوأ ما تتميز به هذه الجماعات هو الانقلاب حتى على أنفسهم، فهم لا يؤتمنون حتى بين جماعاتهم.

جماعة الحوثي شهدت على مدى تكوينها انشقاقات وصراعات داخلية فيما بينها حول السلطة والأموال والنفوذ. فلا وجود للولاء في قاموسها، ولا تؤمن بالوطن. إلا أن الأمر لم ينته عند هذا الحد، بل امتد حتى أن هناك اتهامات باتت تلاحق “الحوثيين” بالتخابر لصالح إسرائيل، عدوهم الأول!
  • التخابر لصالح إسرائيل
في ظل حالة الفوضى والارتباك التي تعيشها إيران وأذرعها خوفًا من الدخول في حرب مباشرة مع إسرائيل، تأتي من داخل جماعة الحوثي أخبارا تفيد باستبعاد عدد من القيادات العسكرية والأمنية، أو ما يعرف بقيادات الصف الأول داخل الجماعة، بتهمة تصوير أماكن هامة لصالح "الموساد" الإسرائيلي.

المعلومات أفادت بأن الحوثيين أطاحوا بجملة من القيادات الهامة داخل الجماعة، بعد أن قامت جهاز المخابرات في الجماعة بمراقبتهم والتأكد من ضلوعهم في التعامل مع إسرائيل.

وأكدت الصحيفة عبر مصادرها، بأن أغلب هذه القيادات تنتمي لجناح صعدة، كما تم القبض على عدد من القيادات الميدانية، وبعد تفتيش أجهزتهم المحمولة، تبين تصويرهم مواقع عسكرية. وفي محاولة للتستر على ما حدث داخل الجماعة، قام رئيس أركان الجماعة، محمد عبدالكريم الغماري، بتعيين قيادات أخرى بدلًا من الذين تم القبض عليهم.
  • أميركا تنفذ 5 ضربات بـقاذفات الشبح على مخازن أسلحة للحوثيين
كما قام عبدالكريم الحوثي، وزير الداخلية في حكومة صنعاء، بتعيين آخرين بدلًا عنهم، وسط اتهامات للحوثيين بخلق تهم كيدية للإطاحة بقيادات أصبحت عبئًا على الجماعة بعد تورطهم في فضائح فساد وتجاوزهم للنظام والقانون.
ووفقًا للمصادر، فإن عمليات الاختراق الأخيرة كشفت مواقع غاية في الأهمية للحوثيين، مما دفع زعيم الجماعة إلى الاستعانة بضباط الجيش اليمني لإحلالهم محل القيادات المتورطة مع إسرائيل.

إن حملة الاعتقالات التي قامت بها جماعة "الحوثي" دفعت بالعشرات من قادة الميليشيات الحوثية إلى الهروب من صنعاء، خوفًا من الاعتقال بتهم التجسس والعمالة لصالح إسرائيل.

الإعلامي والخبير الرقمي رياض الأحمدي، قال، إن "ما أراه كمحلل سياسي وخبير رقمي هو أن الحوثيين كتاب مفتوح لإسرائيل، تكنولوجيًا قبل كل شيء، إذ إن إسرائيل تمسك بتلابيب صناعة الأنظمة الإلكترونية المتقدمة والمعدات والآليات والرقائق، ولها نفوذ كبير في شركات التواصل الاجتماعي، مثل فيسبوك، تويتر، وغوغل، وهذه الشركات تجمع معلومات عن اليمنيين، بما في ذلك المستخدمين من الحوثيين وقادتهم.. بالنسبة للحوثيين تحديدًا، فإنهم يحصلون على أسلحتهم ومعدات الطائرات المسيرة من أسواق سوداء، ولكن لم يكن أحد ليفكر كيف تستثمر إسرائيل ذلك للوصول إلى هذه الجماعات والتجسس عليهم، لولا انفجارات البيجر في لبنان، والتي كشفت كيف تفكر إسرائيل".

وأضاف: "الحوثيون كغيرهم مكشوفون أكثر مما يعتقدون، وليس بأيديهم التخلي عن التكنولوجيا التي يحتمل أن لإسرائيل يداً فيها، لأن ذلك يحتاج إلى سنوات وعقود".
  • جواسيس في الصفوف الأولى
موقع "مصادر نت"، أفاد بدوره أنه على مدى الأيام الماضية، شنت عناصر ملثمة تطلق على نفسها جهاز الأمن الوقائي، وهو الجهاز الذي يشرف عليه عبد الملك الحوثي، حملة اعتقالات واسعة استهدفت عددًا من المشرفين الميدانيين في كل من صنعاء وصعدة وذمار وحجة وعمران.

وتأتي حركة الجهاز في ظل ما نشر من أخبار تفيد بتغلغل "الموساد" الإسرائيلي داخل الصفوف الأولى لجماعة الحوثي. حتى أن الاتهامات وُجهت في البداية إلى عدد من الخبراء والشخصيات الإيرانية وأخرى من حزب الله كانت موجودة في صنعاء وصعدة والحديدة.

الاتهامات بالخيانة والتعامل مع إسرائيل أمر غير جديد على الجماعات الطائفية التي تقودها إيران. فقد أدى التجسس لصالح إسرائيل إلى اغتيال عدد من القيادات البارزة داخل إيران وفي حزب الله.

مسألة الاختراقات الإسرائيلية لهذه الجماعات والطوائف باتت أمرًا معروفًا، فكل يوم يتم تقديم ضحية جديدة أو ضحايا تفضح مدى تواطؤ هذه الجماعات مع إسرائيل. فهذه الجماعات الطائفية لها أيديولوجيا خاصة، لا تعرف إلا قانون المصلحة الفردية الباحثة عن الوجود الفردي فقط، والذي يتغذى على غياب جماعته الحاضنة له.

وبالعودة إلى المشهد الحوثي، فقد شهدنا منذ ثلاثة شهور المزيد من الصراعات المتعلقة بالأمر ذاته، وهو التخابر لصالح إسرائيل، حيث تم اعتقال أحمد النونو وكيل وزارة التربية لقطاع المناهج في حكومة الحوثيين مع ثلاثة آخرين بتهمة العمل لصالح أجهزة مخابرات غربية بعد قبولهم مشاريع تنموية في قطاع التعليم.

حاول الجهاز الأمن الوقائي أن يوضح أسباب هذه الاعتقالات، إلا أن الملفت في هذا الأمر هو توقيت هذه الاعتقالات التي تأتي في ظل حالة من التوتر المستمر داخل أروقة الأجهزة الأمنية التابعة لميليشيا “الحوثي”، مما يوحي باحتمالية وجود صراعات داخلية أو إعادة ترتيب صفوف القيادات في ظل الضغوط المتزايدة التي تعاني منها الجماعة، سواء كانت خارجية بفعل التهديدات الإسرائيلية أو داخلية بفعل الانقسامات.

تأتي هذه التوترات الداخلية والاتهامات بالخيانة في نفس التوقيت الذي تم فيه نقل عبد الملك الحوثي، زعيم جماعة الحوثي، إلى صعدة، مقره الرئيسي، حيث الكهوف الوعرة التي تزيد من صعوبة الوصول إليه، حتى أنه تم تغيير طريقة التواصل فيما بينهم إلى دائرة اتصال مغلقة تم تطويرها مؤخرًا للتحدث، وتم التخلي عن دائرة اتصالات سابقة، خوفًا من الاستهداف من قبل إسرائيل، خاصة بعد مقتل حسن نصرالله بغارة إسرائيلية، حيث تمكنت الأجهزة الإسرائيلية من اختراق صفوف حزب الله واغتيال زعيمه.
  • اغتيالات غامضة
الصحف اليمنية أشارت إلى أنه تم اغتيال العشرات من القيادات وخبراء جماعة الحوثي في عمليات غامضة خلال الأيام الماضية. وفي محاولة لتفسير ما حدث، تشير المعلومات الأولية إلى أن الضحايا تعرضوا لمادة سامة مجهولة أثناء عملهم في ورش تصنيع تابعة للميليشيا الحوثية.

ما يؤكد صدق هذه الأخبار هو ما أشار إليه فهد طالب الشرفي، الإعلامي في الحكومة الشرعية المعترف بها دوليًا، من أن المهندسين الحوثيين الذين تم تصفيتهم عانوا من أعراض غريبة قبل وفاتهم، من ظهور تورم في أجسادهم وتحول لونها إلى الأزرق، ليفارقوا الحياة خلال ساعات قليلة.

وفي محاولة أولية لتفسير ما يحدث داخل جماعة الحوثي، تشير بعض القراءات إلى أنه من المحتمل أن يكون الموساد الإسرائيلي وراء هذه الأحداث، في دليل واضح على وجود اختراق للعناصر الموجودة في صنعاء، وإن كانت أصابع الاتهام تشير بالدرجة الأولى إلى عناصر حزب الله الموجودة في صنعاء.

وأخيرًا، المشهد لدى جماعة الحوثي أكثر تعقيدًا من حزب الله، لأن الأخير دخل حربه ضد إسرائيل، أما جماعة الحوثي فهي تعاني من هشاشة في تبني سياسة معينة وارتباك في الموقف، وهو ما قد يسهل سقوطها كفريسة تالية لإسرائيل قبل دخولها الحرب المصطنعة معها، لأن كل أوراقها باتت مفضوحة لدى إسرائيل عن طريق الاختراقات.
”الحل نت"