الصراع الذي يدور تحت الأرض وغير مرئي في حضرموت ما بين الثورة السلمية والسلطة المركزية، وظهور الدعوة من الهضبة الحضرمية للإدارة الذاتية للسيطرة على حضرموت من قبل الحضارم لأول مرة في التاريخ منذ سقوط السلطنات القديمة منتصف القرن العشرين، والاتجاه لخوض تجربة تعتبر امتحانًا أكثر صعوبة ويحتاج إلى كفاءات تتحد وتدعمها قوة عسكرية تؤمن عدم تخلخلها أو سقوطها، وهناك الرفض الذي يتحرك على نار هادئة من السلطة المحلية والمركزية فمهما تم الحديث هنا عن شرعية حقوق حضرموت وأنه من الواجب تلبيتها إلا أن الحقيقة غير ذلك، فإن القرار الرسمي هو إجراء حوارات عبر الحضارم أنفسهم من المواليين للسلطة وسبق أن رفض أعضاء من لجنة أنيط بها الحوار مع الشيخ عمرو بن حبريش الذهاب إلى الهضبة وفضلوا تجميد اللجنة حفاظا على سمعتهم وحتى لا يصطدموا بالأغلبية الثورية او الصامتة وكان هذا من حسن إدراكهم المفاجئ والحذر.
وفي ظل التصارع الراهن برغم ما أبداه المحافظ الحالي السيد مبخوت بن ماضي من ليونة ودبلوماسية بعد أن زار فجأة الهضبة والتقى الشيخ عمرو بن حبريش وتبادلا الكلمات وعبرا عن أنهما في خندق واحد من أجل حقوق حضرموت وتوفير الخدمات وإحداث متغيرات تفضي إلى ارتياح أهل حضرموت، وتخفف من معاناتهم في الكهرباء والشراكة في الحكم بما ينصف حضرموت مما لحق بها من إهمال وتجاهل وغياب في المناصب في الدولة والسفارات بالخارج والمنظمات الدولية.
وهذا التقارب الذي حدث بما فيه تسليم ملف الكهرباء والخدمات للشيخ ابن حبريش ليصبح تحت يده، رآها البعض بمثابة الطعم للزعيم القبلي والحلف بإخراجه من صومعته وتفكيك مقاومته السلمية الراقية من قبل السلطة المحلية، وترددت إشاعات بأنها طبخت بخبث لإيهام ابن حبريش بالثقة وكما يقال هي رمي الطعم ليخرج الفأر من الجحر، لكن هذا لم ينطلي على شيخ مجرب وعصي ويقف على تاريخ مليء بالمقاومة والتضحيات، وأنه إذا انكسر أو انخدع هذه المرة، فإن عارًا واندحارًا وإفلاسًا سيلاحقه طوال حياته، وكما يقول المثل الحضرمي (شاور عشر واقطع مرة) حسبها بدقة وشاور كثيرًا ولم تغريه الكلمات الحكومية ولا دبلوماسية السلطة ولا التلميحات بالتهدئة، فقد قال في قرارة نفسه ما أشبه اليوم بالبارحة وكلاهما يتساويان طالما أنه تحت سماء حرة ويرفع مطالب حقيقية فليكمل غدا ما انتهى منه اليوم.
السلطة المحلية في حضرموت بطبيعة الحال لم تكن راضية أن يواصل الثوار قبائل الحلف إصرارهم على البقاء جنب أنبوب ومنابع النفط في الهضبة وهي إن حاولت إحداث انفراجة خفيفة أو تزحزح الشيخ عمرو وأنصاره، وسعت لبذل بعض الجهد في الانشغال بمؤتمرات واحتفالات وسط إضرابات واحتجاجات عمالية واسعة، ووجدت نفسها رغم بعض المحاولات الجادة، لم تحقق ما يرضي المركز أو يرخي من شدة الوضع، وزاد هذا من توتر الموقف حينها والجمود حينا آخر، ومع هذا فإن قيادة السلطة المحلية تشعر بغضاضة في قرارة نفسها أمام ما يقوم به الثوار ورجال الهضبة سلمًا ورفع نداءات الإدارة الذاتية لحضرموت وإن هذه الظاهرة هي تهديد لفك يد السلطة عن حضرموت، فيما يرى الحلف من خلالها أنها إحدى الحلول لأن تحصل حضرموت على حقوقها وأن يتعزز شأنها، وأن الظروف ربما مهيأة لذلك وهي ليس أقل من غيرها عربيًا أو دوليًا.
الصراع الذي يتبلور خاليًا هو في حقيقة عبارة عن تراكمات سياسية قديمة جديدة ولها جذورها وتاريخها وعززها طموح الحضارم ونضوج هذه الأفكار شعبيًا في مجريات العصر وهو ما فرض نفسه من خلال معضلة الحرب في اليمن، وما وضعه المفكرون والسياسيون الحضارم جيلًا بعد جيل.