​إذا تخلى الصحفي أو الإعلامي عن المهنية والأمانة الصحفية في نقل الحقائق، وكذا إذا وقع في فخ إضفاء موقفه الشخصي على شخوص الحدث، فإنه مهمًّا علا شأنه يفقد التزامه الأخلاقي نحو المهنة، يصبح في نظر مؤيديه مجرد أداة في خدمة قادتهم ومشروعهم، وفي نظر خصومه مجرد فرد في فريق معادٍ.

لست بصدد إعطاء دروس أو محاضرات في أخلاق الصحافة، ولا منح صكوك تأييد لأيٍ كان، بل أتوجه بكلامي لكل من يجد ما أقوله ينطبق عليه، فالأمر منوط بمن يعملون في هذا المجال الحساس جدًا.

هنا يمكن القول إن استمرار الصحفي أو الإعلامي في هذا الطريق يعني أنه لم يعد يهتم بالمهنية أو الأمانة، بل بمصلحته المادية وشهرته ويمكن تسمية ذلك إعلان إفلاسه في التعامل مع مهنية الصحافة، عندها يصبح موقعه أو مكانة صحيفته أو أدواته الإعلامية الأخرى مجرد نشرة تصدرها أي دائرة أيديولوجية في أي منظمة سياسية.

إن السقوط في مستنقع الفوضى الإعلامية التي نشهدها اليوم، يعود إلى عدم وجود ضوابط منظمة فيصبح تداول المعلومات سلاحًا في معارك لا أخلاقية، خصوصًا مع وجود منصات التواصل الاجتماعي التي أفسحت المجال للجميع وتجاوزت الخطوط الحمراء، بل وكسرت كل معايير الاحترام الإعلامية.

كم من أخبار مفبركة تنشر، وكم من تقارير كاذبة تلفق، وكم تعليقات تمس حياة أشخاص تُنشر دون دليل، ولم يتم تقديم اعتذار، وكم من انتهاكات لخصوصيات الناس ولم يقم إعلامي بمحاولة رد الاعتبار لمن أساء إليهم.
هذا يعكس حقيقة بؤس هؤلاء الناس مهما قالوا عن أنفسهم أو حالفهم نجاح الشهرة وكسبوا ماديًا، فإن سقوطهم الأخلاقي أكبر بكثير مما يتصورون.

لا زلت أتذكر الصحفي الأمريكي فريد زكريا عندما كتب مقالًا في عام 2012 وأدخل عبارة من كتاب لأحد أساتذة الجامعات الأمريكية دون أن يشير إلى اسم الأستاذ، وعندما اكتشفت الجريدة هذا الاقتباس، تم إيقافه عن الكتابة دون أي اعتبار لشهرته العالمية، بل وتم توقيف برنامجه في قناة سي إن إن، ثم اعتذر للجريدة وللجمهور ولصاحب المقال، مشيرًا إلى أن ما حدث كان هفوة كبيرة ويتحمل وحده المسؤولية.

المهنية والصدق مع الذات هي ما يجب أن يتحلى بها أي إعلامي أو صحفي، قبل أن يسقط الجميع في متاهات المناكفات اللاأخلاقية.