​ما سأتناوله في مقالي هذا ليست شهادة ولا حكمًا على القائد السوري أحمد الشرع الشهير بأبي محمد الجولاني ولكنه قراءة لمشهد يمكن أن يتكرر في غير مكان وفي وقت قياسي.

على قاعدة (التذكير) فقد قلنا إن السواد الأعظم من الناس سيلتفون حول من يحمل همومهم عندما تعجز النخب (الحالمة والطامحة) عن حمل همومهم وتصبح هذه النخب مجرد سلطة همها الحفاظ على تربعها على الكرسي، ومعارضة (أليفة) تقبل بالفتات الذي تحصل عليه من الحاكم، أيًّا كان هذا الحاكم، وكلاهما، حاكم ومعارض، يتركون معاناة الناس وتصبح الساحة فارغة ليملأها من يحمل هموم الناس بغض النظر عن مشروعه السياسي، هكذا قلناها بصريح العبارة.

بعض من يتربعون على الكراسي يظنون أن الناس في حالة (موات) وأن شارعهم عاجز عن إيجاد بدائل نخبوية بل إن الفراغ الذي لا يلتفتون له قد يصبح جاهزًا لتلقف حتى البدائل المتطرفة.

جبهة النصرة السورية كانت مصنفة كتنظيم إرهابي في دوائر القرار في العالم والإقليم وبقيت كذلك حتى بعد اندماجها مع منظمات أخرى تحت اسم هيئة تحرير الشام وتجاوزت هذه الهيئة معارضة (الخمس نجوم السورية) التي كانت ترفل في النعيم وتمر فوق السجاجيد الحمراء، وأصبح أبو محمد الجولاني (أحمد حسين الشرع) بطلًا وطنيًّا سوريًّا، وربما يصبح ملهمًا ورمزًا أكبر من كونه سوريًّا بعد أن كان على قوائم الإرهاب وكانت جائزة من يرشد عنه (عشرة ملايين) دولار.

تبخرت القبضة العسكرية والأمنية السورية بين عشية وضحاها كما تبخرت القبضة العسكرية والأمنية لقوات علي صالح في الجنوب في 2015م عند الغزو الثاني للجنوب، (ولكل منها قراءة مختلفة لكن الأسباب والنتيجة واحدة)، ورأينا أبو محمد الجولاني في مقابلة مع قناة (cnn)، التي يصفها المحللون بأنها قناة المخابرات الأمريكية، رأينا الرجل يرد بشجاعة على الأسئلة الجريئة التي وجهتها له مذيعة القناة بما في ذلك اتهامه بالإرهاب والسبايا الأيزيديات في العراق وأسباب قبوله الحوار مع قناة تلفزيونية أمريكية، وكانت ردوده مقنعة ومطمئنة.

شاهد كل متابع، بعد سقوط دمشق كيف تم استقبال الناس لأحمد الشرع، وشاهدنا صورًا عن بعض من معاناة السوريين، وشاهدنا رعب سجن صيدنايا تحت الأرض، وشاهدنا، على مختلف قنوات التواصل، دموع معاناة أهل سوريا في أماكن النزوح في دول الجوار السوري والعالم الذين يتجاوزوا خمسة ملايين نازح ولاجئ بخلاف من قتلوا وسحلوا، وما رأيناه كانت مشاهد أولية فقط، لكنها مخيفة ومحزنة في آن واحد.

رغم أن هناك من يحمل شعار (من لم يكن معي فهو ضدي) ومن يعتقد (أن حق الكلام خارج النص ممنوع) إلا أن درس سوريا جدير بالقراءة والاتعاظ فكل الجغرافيا المحيطة بنا حبلى بمفاجآت، وكفى...