> "الأيام" العرب اللندنية:

​تلوح في أفق الأزمة المالية الحادّة التي تواجهها الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا بوادر انفراجة ظرفية مع توجّه المملكة العربية السعودية إلى إمدادها بدفعة جديدة من مساعدتها المقرّرة سلفا تأتي بمثابة زخة أوكسيجين في رئة المناطق التابعة للشرعية والتي تواجه منذ أشهر أوضاعا اجتماعية بالغة الصعوبة بسبب التضخم وارتفاع الأسعار واضطراب دفع الرواتب، الأمر الذي فجّر احتجاجات في الشارع وأطلق موجة إضرابات في العديد من القطاعات، ولم يخل من تبعات سياسية متمثلة في تذمر المجلس الانتقالي الجنوبي الشريك الرئيسي للشرعية من عجز الحكومة عن إدارة شؤون المناطق الواقعة ضمن دائرة نفوذه.

ونقلت وكالة فرانس برس الجمعة عن مسؤول سعودي قوله إنّ المملكة ستحوّل 509 ملايين دولار إلى حكومة رئيس الوزراء اليمني أحمد عوض بن مبارك كجزء من منحة كانت الرياض قد أقرّتها في وقت سابق.

وقال المسؤول السعودي الذي فضل عدم الكشف عن هويته لأنه غير مخوّل الحديث للإعلام إنّ “الحكومة السعودية ستقدم دعما اقتصاديا لليمن كجزء من المنحة المخصّصة لمعالجة عجز الموازنة للحكومة اليمنية.” وأفاد بأنّ “هذه الأموال تهدف إلى دعم الرواتب والنفقات التشغيلية وتعزيز الأمن الغذائي ومساعدة الإصلاحات الاقتصادية”، مشيرا إلى أن هذا الدعم “يعكس التزام المملكة بأمن اليمن واستقراره وازدهاره.”

وكانت السعودية أقرت في أغسطس 2023 منحة بقيمة 1.2 مليار دولار للحكومة في ظل تردّي الوضع الاقتصادي. وحوّلت الرياض حينها دفعة أولى قدرها 250 مليون دولار، تلتها دفعة ثانية مماثلة في فبراير الماضي. وأودعت السعودية مليار دولار في البنك المركزي اليمني في 2023 وساعدت على تأسيس صندوق للمشتقات النفطية بقيمة 600 مليار وساهمت في تمويل مشاريع تنموية بنحو 400 مليون خلال 2023.

ومع قلة خيارات الشرعية في تجاوز الأزمة المالية والاقتصادية يبرز في كل مرّة الدعم المالي السعودي المباشر للحكومة اليمنية كحلّ وحيد عاجل للتخفيف من حدّة الأزمة المالية والاقتصادية وتأثيراتها الاجتماعية وحتى السياسية التي قد تطال استقرار السلطة الشرعية بحدّ ذاتها وتماسكها الداخلي والشراكة بين مكوّناتها.

وتعقّدت خلال الفترة الماضية الأوضاع المالية والاقتصادية في مناطق سيطرة الشرعية اليمنية بشكل غير مسبوق وألقت بتأثيراتها على الأوضاع الاجتماعية والأحوال المعيشية لسكان تلك المناطق وقلّصت من الخدمات العامّة المقدّمة لهم وأشاعت حالة من الاحتقان في صفوفهم منذرة بانفجار وشيك في الشارع.

وتحرص السعودية بما تقدّمه من دعم للحكومة اليمنية على ضمان استقرار الشرعية التي تعتبرها طرفا ضروريا في المعادلة اليمنية قام في السابق بدور في مواجهة جماعة الحوثي سياسيا وعسكريا، وتناط به حاليا المشاركة في مسار سياسي باتجاه إيجاد حلّ سلمي للصراع في اليمن.

ونتجت الأزمة الحالية بشكل أساسي عن شحّ الموارد المالية بعد أن فقدت الشرعية اليمنية موردها الرئيسي المتمثّل في عائدات النفط الذي توقّف تصديره بسبب استهداف جماعة الحوثي لمنْفَذي تصديره، ميناء الضبة في حضرموت وميناء النشيمة في شبوة. ولا يلوح إلى حدّ الآن أي استئناف وشيك للتصدير.

وتواصل السعودية تقديم الدعم المالي للسلطة اليمنية المعترف بها دوليا على الرغم من إعلانها في وقت سابق عن تخليها عن نهج تقديم الدعوم المجانية وغير المشروطة لأي أطراف خارجية.

ولا ترغب السعودية في ارتخاء قبضة السلطة اليمنية على المناطق الخارجة عن سيطرة الحوثيين في وقت تعمل فيه على الحفاظ على أكبر قدر ممكن من الهدوء في تلك المناطق بانتظار التمكّن من الدفع بالحل السياسي المنشود لليمن ككل.

وفشلت إلى حدّ بعيد محاولات وقف الانحدار المتواصل في قيمة الريال اليمني والذي تسبب بموجة غلاء غير مسبوقة في أسعار المواد الأساسية، في بلد تجاوزت فيه نسبة الفقر متعدد الأبعاد ثمانين في المئة بحسب تقرير سابق لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي ومبادرة أكسفورد للتنمية البشرية.

وتأتي المساعدات الخارجية بما في ذلك الودائع السعودية بمثابة مسكنات ظرفية تبقي على الأزمات الاقتصادية والمالية في مناطق الشرعية اليمنية عند سقف محدّد لكنّها لا تحلّها بشكل جذري، كونها غير مخصصة للاستثمار في التنمية وخلق الثروة وتوفير مناصب الشغل، بل موجّهة رأسا إلى الاستخدام في صرف رواتب الموظّفين وسدّ العجز في المخصّصات التشغيلية للأجهزة الحكومية.