> «الأيام» القدس العربي:

لا تقتصر موجات العنف في اليمن على محافظة أبين جنوبي البلاد، فلكل محافظة حظها وحصتها من دورات الصراع التي يشهدها البلد، إلا أن هذه المحافظة كان لها نصيب مختلف من حيث التسلسل والتداعي والتأثر مقارنة بواقع بيئتها الاقتصادية الجافة من جانب وجغرافيتها وديموغرافيتها وغيرها من العوامل التي عززت من أهميتها في دورات الصراع؛ ما ضاعف من معاناتها حتى اليوم.

تقرير ميداني لمركز المخا للدراسات توقف فيه مؤخرًا أمام معاناة هذه المحافظة، واستعرض فيه دورات الصراع، ولعلها أول دراسة ميدانية تنبه لهذا الواقع، وتقرأ هذه الجزئية، منطلقًا من أهميتها التي تكتسبها من تموضعها في موقع حيوي على الخريطة الجغرافية، «إذ تقع في قلب المحافظات الجنوبية، وهي بمثابة البوابة لمدينة عدن، وطريق اتصالها بمحافظات شبوة وحضرموت والمهرة، ومن تنوع تضاريسها، وتركيبتها القبلية، وبشكل أكبر بفعل موقعها في الاستقطاب والتمحور السياسي والجغرافي الذي ظهر في جنوب اليمن منذ منتصف ثمانينات القرن الماضي وحتى اليوم».

تتوزع أبين على أحد عشر مديرية، هي: زنجبار، وخنفر (وهي الأكبر مساحة وسكانًا)، ولودر، ومودية، والوضيع، وجيشان، والمحفد، وأحور، وثلاث مديريات في جبل يافع، هي: مديرية سرار سباح ورصد (وهي أكبر مديرية من مديريات يافع).

ونوهت الدراسة بالموقع الجغرافي للمحافظة الذي لعب دورًا كبيرًا في دورات العنف الذي عانت منه ولا تزال، بدءا من موقعها على الساحل الجنوبي لليمن، ما يجعلها منطقة حيوية على بحر العرب، فهي قريبة من ممرات بحرية مهمة للتجارة الدولية، وعرضة لعمليات التهريب، بالإضافة إلى موقعها بجوار مدينة عدن ما جعلها ساحة صراع بين الحكومة الشرعية والمجلس الانتقالي الجنوبي، علاوة على تنوع تضاريسها، والتي تشمل سلاسل جبلية وأودية، والتي توفر ملاذات آمنة للجماعات المسلحة، ناهيك عن وقوعها على الطريق الرئيسي بين محافظة عدن والمحافظات الشرقية، وقوعها أيضًا كحلقة وصل وعبور بين المحافظات الشمالية والجنوبية ما يجعلها هدفا للقوى التي تسعى للسيطرة على اليمن.

كل تلك العوامل وغيرها عززت من أهميتها في دورات الصراع، وفق التقرير الذي يرى أن «أبين ذات كثافة سكانية أكثر من بقية المحافظات التي تحيط بها، ويغلب على سكانها التركيبة القبلية. ومثل كثير من المناطق اليمنية، تعتبر أبين ساحة توترات قبلية ومناطقية قديمة، وغالبًا ما تؤدي تلك التوترات إلى تصاعد الصراعات المحلية، التي استغلتها أطراف النزاع اليمني لتجنيد الأفراد في جماعات مسلحة».

ولم يتجاوز التقرير الفقر الذي وصل معدله وفق مسح ميزانية الأسرة المعيشية عام 2014 إلى 48.6 في المئة، متوقعًا أن يفوق معدل البطالة 60 في المئة من قوة العمل في المحافظة، معتبرًا أن العلاقة بين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في أبين والعنف علاقة مباشرة.

«عانت محافظة أبين -خلال العقود الخمسة الأخيرة- من دورات متتابعة من العنف، ربما أكثر من غيرها من بقية المحافظات اليمنية. وفي الأغلب كانت المحافظة طرفًا في مواجهة أطراف أخرى، أو ميدانًا لصراع أوسع، أو ضحية لسلوك جماعات العنف والتطرف».

وأورد التقرير عددًا من جولات العنف التي شهدتها المحافظة بعد الاستقلال «وتحديدا بداية السبعينيات من القرن العشرين بعد الانقلاب على الرئيس سالم رُبيع علي انحرف الاستقطاب بين جناحي تيار اليسار إلى صراع مناطقي، فقد تمايز الحزب الاشتراكي اليمني، الذي تم تأسيسه عام 1978، بشكل غير معلن، إلى جناحين متنافسين»؛ الجناح الأول يضم أبناء محافظتي أبين وشبوة، ومنهم الرئيس علي ناصر محمد، والذي أطلق عليه لاحقًا «الزُمرة»، والجناح الثاني محافظة لحج بمناطقها ردفان ويافع والضالع، ومعهم الرئيس عبدالفتاح إسماعيل، والذي اطلق عليه لاحقًا «الطغُمة»، فيما كانت بقية المناطق أشبه بالمحايدة، وهو الانقسام الذي أفضى إلى أحداث 13 يناير 1986 الدموية، «التي راح ضحيتها قرابة 12 ألف قتيل، وآلاف السجناء، وأكثر من 150 ألف نازح، فر معظمهم إلى الشمال، وعلى رأسهم علي ناصر محمد، وعدد كبير من أبناء محافظة أبين».

وأضاف: «هذا الصراع ظل موجودًا بعد قيام الوحدة اليمنية، وإن بشكل غير مباشر، وبرز بشكل واضح أثناء حرب 1994 التي جرت بين ما يُعرف بشريكي الوحدة، المؤتمر الشعبي العام، والحزب الاشتراكي اليمني، فقد أنحاز جناح علي ناصر محمد، وأبناء أبين، إلى جانب الحكومة الشرعية، بقيادة رئيس مجلس الرئاسة -آنذاك، علي عبدالله صالح.

ويتهم أبناء الضالع ويافع وردفان أبناء أبين بأنهم ساعدوا الشماليين عام 1994 فيما يصفونه باجتياح الجنوب -حسب زعمهم، مع أن الأمر لم يكن كذلك، فقد كان هذا الموقف في حقيقته أقرب إلى الانتقام مما حصل في أحداث 1986» وفق تقرير مركز المخا.

فيما يتعلق بحرب تنظم القاعدة وحروب «الإرهاب» 2000–2015، فقد ظهرت بدءًا من ظهور جيش عدن-أبين 1997؛ وهو مجموعة مسلحة تابعة للقاعدة، سيطرت على جبال حطاط، وأطلقت هجماتٍ كالهجوم على المدمرة الأمريكية «كول» 2000.

وسيطر تنظيم القاعدة على أبين خلال 2011–2012، مستغلًا فراغ السلطة أثناء الاحتجاجات الشعبية ضد صالح، وسيطر على مدنٍ كزنجبار وجعار.

واجهت التنظيم «اللجان الشعبية» (قبائل محلية) بدعمٍ حكومي محدود، مما أدى إلى تحرير أبين عام 2012. وعاد تنظيم القاعدة عام 2015 حيث استغل انشغال المواجهات بين الحكومة والحوثيين، وعاد للسيطرة على أجزاء من أبين، لكنه طُرِد مجدداً بحملات عسكرية مدعومة من التحالف العربي.

كما شهدت أبين حرب خلال زحف الحوثيين نحو عدن، وسيطر الحوثيون على أجزاء من محافظة أبين لكنهم انسحبوا في أغسطس 2015، وصولًا إلى صراع الحكومة المعترف بها دوليا والمجلس الانتقالي الجنوبي (الانفصالي) عقب تأسيسه بدعم إماراتي عام 2017، وتصاعدت المواجهات بين قوات الحكومة والانتقالي بعد سيطرة الانتقالي على عدن عام 2019، حتى تم إطلاق عملية «سهام الشرق» من قبل الانتقالي في أبين بذريعة محاربة الإرهاب، وسيطر الانتقالي على أبين.

وأشار التقرير إلى أنه «منذ ظهور التنظيم دارت اشتباكات بينه وبين قوات الجيش والأمن؛ ومنذ عام 2000 تقريبًا اشتركت القوات الأمريكية في هذا الصراع تحت لافتة «الحرب على الإرهاب»، وشنت هجمات متصلة على هذه المحافظة والمحافظات المجاورة، وارتكبت عددًا من المجازر المروعة فيها، ومنها مجزرة «المعجلة» التي راح ضحيتها الكثير من الأبرياء، حيث هاجمت القوات البحرية الأمريكية -في 17 ديسمبر 2009- قرية «المعجلة»، بمديرية المحفد، بخمسة صواريخ «توماهوك» مزودة بذخائر عنقودية، ما أدى إلى مقتل 41 مدنيا من المقيمين في مخيم بدوي، بينهم 9 نساء و21 طفلًا؛ وفيما بعد تسببت مخلفات الذخائر العنقودية في قتل 4 مدنيين إضافيين، وجرح 13 آخرين».

مثلت قضية اختطاف المقدم علي عشال الجعدني محطة هامة في دورات الصراع التي تشهدها المحافظة 2023–2024. اختُطِف المقدم من أبين في عدن على يد مسلحين مجهولين. اتهمت قبائله المجلس الانتقالي بالتورط، ما أثار احتجاجاتٍ وقطع الطرق الدولية. وكشفت الأزمة عمق الانقسامات وانعدام الثقة بين أبناء أبين وقوات الانتقالي.
  • الأسباب والتداعيات
حاورت «القدس العربي» شخصيتين من قادة الرأي في محافظة أبين إحداهما حزبية وسياسية والأخرى عسكرية وصحافية، وذلك حرصًا على إيجاد قراءة من داخل المحافظة نفسر من خلالها خلفية ما نعتبره حملا ثقيلا من موجات العنف في تاريخ هذه المحافظة، التي كانت فيها أبين إما طرفًا أو ساحة حرب، وماذا عن فحوى هذه المعاناة من موجات العنف والتوتر وصولًا إلى حملة «سهام الشرق»، وفي أي سياق تأتي هذه الحملة، وتوقفًا أمام الصراعات المحلية، وكيف استغلتها أطراف النزاع اليمني، وماذا عن التطرف الديني وكيف وجد له بيئة هناك بدءًا من جيش عدن- أبين…وصولًا إلى قضية اختطاف عشال الجعدني، وانتهاء بكيفية تحقيق السلام والاستقرار في هذه المحافظة؟
  • ساحة المعركة
يقول أمين عام حزب التجمع الوحدوي اليمني، عبدالله عوبل، لـ«القدس العربي»: «قبل الإجابة على السؤال لابد من خلفية سريعة لنعرف السياق الذي جرت فيه الأحداث في هذه المحافظة. ليست أبين التي نعرفها اليوم هي أبين قبل عام الاستقلال في نوفمبر 1967. كان الجنوب (يقصد جنوب اليمن) مكونا من 22 سلطنة ومشيخة وإمارة وولاية.

فأبين كانت فقط هي سلطنة الفضلي الممتدة من قرية الكود شرق عدن حتى منطقة الوضيع على حدود سلطنة العوذلي وولاية دثينة تمتد من شقرة على بحر العرب حتى يرامس والمخزن على حدود سلطنة يافع السفلى.

بعد الاستقلال جرى توحيد كل هذه السلطنات والمشيخات في ست محافظات هي عدن ولحج وأبين وشبوه وحضرموت والمهرة. وكانت جزيرة سقطرى وبقية الجزر تتبع محافظة عدن. وأبين المحافظة الجديدة بعد الاستقلال سميت المحافظة الثالثة.

وقد شملت سلطنة الفضلي وسلطنة يافع بني قاصد (يافع السفلى) والعوالق السفلى (أحور) وولاية دثينة (مودية) وسلطنة العوذلي (لودر ومكيراس)، وإذا فهي تتكون من خمس سلطنات سابقة، تميزت سلطنة الفضلي بالزراعة حيث يتوفر فيها واديان؛ وادي بنا ووادي حسان، فيما تميزت دثينة (والصعيد في شبوه) بأن منها قيادات في الجيش والأمن في فترة الاستعمار البريطاني للجنوب، ووقف قيادات الجيش هذه قبيل الاستقلال في تأييد الجبهة القومية لاستلام الاستقلال، وشارك الجيش في القتال ضد جبهة التحرير في الأيام الأخيرة قبل الاستقلال، وحسمت المعركة لصالح الجبهة القومية.

وبعد الاستقلال كان الجيش تحت إمرة رئيس الجمهورية الرئيس قحطان الشعبي رحمه الله. ولكن أبين تحررت من الحكم السلاطيني في 27 أغسطس 1967. أي قبل الاستقلال بثلاثة شهور.

ودخلتها الجبهة القومية، وعلى رأس من دخلها الشهيد الرئيس سالمين (سالم رُبيع علي). ولذلك انتقلت قيادة الجبهة القومية من تعز إلى أبين زنجبار.

وفي زنجبار أنعقد المؤتمر الثالث للجبهة القومية في 4-6 مارس 1968 وهناك جرى الصراع بين جناح الرئيس قحطان الشعبي وجناح عبدالفتاح إسماعيل وسالمين. وقد قام الجيش، لاحقًا، بملاحقة واعتقال مَن بقي في عدن من جناح سالمين وعبدالفتاح. وكانت ساحة المعركة ساحل أبين. بعدها هرب ما سُمي باليسار في الجبهة القومية إلى تعز، ولم يعد إلا بعد مصالحة بين التيارين في 1969».

وأضاف: «مما تقدم يمكن أن نفهم الدور الذي لعبته أبين في الأحداث التاريخية ما بعد الاستقلال. ومنها برز قياديون خلال تلك المرحلة. الرئيس سالمين، والرئيس علي ناصر محمد ورئيس الوزراء محمد علي هيثم.

ولذلك فإن وجود التنظيم الإرهابي في أبين هو محاولة لمنع الدور المؤثر لأبين في سياسة الجنوب، أو أضعاف قدرتها على أقل تقدير.

ثانيًا؛ موقع أبين في جغرافية الجنوب هي واسطة العقد. لذلك أي إحباط لانفصال الجنوب يجب أن يتم من أبين؛ لأنها تفصل محافظات الشرق الثلاث عن عدن والثلاث الأخرى الغربية.

وجود التنظيم الإرهابي في أبين ليس استثناء فهو موجود في حضرموت والبيضاء، ويتنقل بين الثلاث المحافظات حسب المناخ الملائم للتنظيم.

ونحن من خلال متابعة التنظيمات الإرهابية في سوريا والعراق نرى أن التنظيم يتواجد في مناطق الثروة، نفط وغاز ومعادن إلى آخره. وأبين يُقال إن سواحلها غنية بالنفط والغاز.

أما في عهد الرئيس الراحل علي عبدالله صالح فقد كان دور التنظيم منع الانفصال، ولذلك فقد تركز وجوده في منطقة المحفد خصوصا».
  • الفقر
ويوضح عوبل أن «أبين محافظة يطحنها الفقر، وفي مسوحات لحالة الفقر تأتي أبين الثانية بعد الحُديدة.

وبالتالي فإن استغلال التنظيمات الإرهابية للشباب يصبح ممكنا مع حالة الفقر. هذه الحالة هي التي تشمل اليمن كله الآن. وقد عانت أبين من النزوح بين عامي 2010-2016 عندما احتل التنظيم الإرهابي عاصمة المحافظة.

وزادت الأحداث في 2019-2020 حيث كانت أبين الساحل مسرحا للأعمال القتالية بين الانتقالي والشرعية.

وفي كل هذه الأحداث تم تدمير مرافق الخدمات وزيادة البطالة والفقر إلى حدود المجاعات».
  • عملية سهام الشرق
وفيما يتعلق بعملية «سهام الشرق» التي أطلقها الانتقالي في أبين بذريعة محاربة الإرهاب.. يستطرد عوبل: «عندما انطلقت عملية (سهام الشرق) صادف أن أقام المجلس الانتقالي حوارًا مع القوى السياسية. وهو في الحقيقة لم يكن حوارا بل كان نوعًا من الاستقطاب السياسي.

في مقر حزب التجمع الوحدوي اليمني في عدن جاء إلينا الأخوة في لجنة الحوار برئاسة نائب رئيس اللجنة عبدالسلام مسعد، تحدثت إليهم بصراحة ووضوح حول كل القضايا التي يتحمل مسؤوليتها المجلس الانتقالي الجنوبي.

ومن ضمن هذه القضايا طرحنا عليهم؛ لماذا ترسلوا القوات إلى أبين؟ لماذا لا تسلحوا قواتكم من الأحزمة وغيرها الموجودة في أبين، وتوكلوا إليهم مهمة قتال تنظيم القاعدة، وهم عندهم خبرة في هذا المجال؟ لماذا جنودكم يدخلون بيوت القبائل هناك ولم يلجأوا إلى الوساطات القبلية؟».

وتابع: «طبعًا دونوا الملاحظات، ولم نر بعدها نية للإصلاح، واستمروا في ارتكاب مزيد من الأخطاء. طبعًا (سهام الشرق) كانت مكلفة جدًا، وراح الكثير من الضحايا، في ظل حقيقة صعوبة اجتثاث التنظيم الإرهابي عن طريق الحرب فقط. نحن نرى أن تنمية المحافظة وتحسين الخدمات وفعالية مؤسسات الدولة ومنها قوات الأمن الرسمية يمكن أن تساهم في اقتلاع الإرهاب من جذوره».
  • الأيديولوجيا والقبيلة
وفيما يخص الصراعات المحلية وكيف استغلتها أطراف النزاع اليمني يوضح: «الحقيقة الصراعات على السلطة في الجنوب لم تتوقف منذ الاستقلال.

والسبب أن الجنوب بلا ثروات، وأن المناطق غير صالحة للزراعة، بسبب ندرة المياه وشحة الإمطار والسيول. والمناطق الجبلية تبركنت من عصور قديمة فلا ماء ولا كلأ. لذلك الدولة هي التي تمتلك مصادر الثروة.

وعلى هذا لأساس يجري الصراع حول الثروة آخذا أشكالاً من الأيديولوجيا المعززة بالقبيلة، لكن في جوهره هو صراع على السلطة ولم يأخذ شكلا مؤسسيًا قط. في وقت التوترات القوية يذهب القياديون يستحثون قبائلهم للوقوف معهم».

وأضاف عوبل: «أبين كانت منارًا لنشر التعليم في سبعينيات القرن الماضي. ولكن بحكم أن الصراع بعد الحسم يدفع الطرف المنتصر للعمل على إبعاد أنصار الطرف الآخر من المناصب الحكومية والحزبية.

وهكذا تتكرر دورات الصراع. بالتأكيد هناك من يمارس التهميش والإقصاء ليس على محافظة أبين بل على كثير من المحافظات، ومحاولة الاستئثار بالوظيفة العامة والمال هو فساد لن يدوم كثيرا».
  • التطرف
أما ما يتعلق بوجود التطرف في أبين فيعتقد عوبل أن «كل محافظات اليمن بيئة للتطرف بسبب الفقر وتردي الخدمات وتردي مستوى التعليم. أما لماذا في أبين تحديدًا فقد ذكرت ذلك آنفا».

كما يعتقد عبدالله عوبل أن «قضية المختطف علي عشال لا علاقة لهذا بما تحدثنا حوله، قضية عشال هي قضية العبث والفساد من قبل جهاز يسمى مكافحة الإرهاب ويمارس الإرهاب. عشال رجل محترم ورجل صاحب تأثير على من يعرفه.

هو ضابط في القوات الجوية. وتوجد أرض هي ملكية القوات الجوية كانت قاعدة جوية. رفض عشال كل العروض التي عُرضت عليه، وظل متمسكًا بقراره. فتم اختطافه وإخفائه حتى اللحظة من قبل قيادات ما يسمى جهاز مكافحة الإرهاب، وقد قوّضت هذه القضية ثقة من بقي ساذجا ومصدقا أن هذه الميليشيات يمكن أن تعيد له دولة الجنوب السابقة».
  • مجزرة المعجلة
الصحافي العميد علي منصور مقراط، رئيس تحرير صحيفة «الجيش» قال لـ«القدس العربي»: الأسئلة المطروحة هامة وعميقة تركزت عن الأوضاع التي وصلت إليها محافظة أبين بعد سلسلة من تراجيديا الأحداث المأساوية التي تعرضت لها منذ عقود من الزمن منذ أحداث 13 يناير 1986 ومرورًا بأحداث صيف 1994 وإلى حرب الإرهاب منذ العام 2000 ومجزرة المعجلة وصولاً إلى سيطرة تنظيم القاعدة على مدن ومناطق المحافظة ومواجهات عامي 2010و2013، إلى 2015و2016 وآخرها صراع العام 2019 وما بعدها 2020 في رمال صحراء شقرة، وإلى اليوم ما زالت تنزف في حملة (سهام الشرق) في وادي عومران شرق مودية وغيرها، بالإضافة إلى قضية اختطاف العقيد علي عشال الجعدني واخفائه منذ منتصف العام الماضي».

وأضاف: أن محافظة أبين تمثل العمق الاستراتيجي لهذا البلد الجريح، وتتوسط محافظات جنوبية وشمالية، ولها وضعها وخصوصيتها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية والوطنية التاريخية.

لم تشر الأسئلة إلى أحداث  يونيو 78 التي اغتيل فيها الزعيم الجنوبي سالم رُبيع علي (سالمين) ورفاقه جاعم صالح وعلي لعور وجميعهم ينتمون إلى هذه المحافظة، وهي بداية الثمن الباهظ التي تدفعه أبين إلى اليوم.

صحيح أن أحداث يناير 86 الدامي تعد أكبر مأساة كارثية تعرضت لها أبين ودولة الجنوب اليمني (جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية سابقا) وأدت إلى تشريد معظم المسؤولين الذين ينتمون إلى محافظة أبين، وعلى رأسهم الرئيس علي ناصر محمد حفظه الله، ومحمد علي أحمد، والرئيس السابق عبدربه منصور هادي، وعبدالله البطاني، وأحمد الحسني، ومحمد ناصر أحمد، وآخرين أجزم أن الجميع نزح إلى الشمال بما فيهم الجنود.

ومن تبقى تم محاكمتهم وأعدم معظمهم، ولم يتبق غير الدكتور محمد حيدرة مسدوس والدكتور محمد عوض السعدي، من أبين ظهروا في صف المنتصر المهزوم آنذاك وأعطيت لهم مناصب هامشية.

ويرى مقراط «أن مسلسل استهداف أبين يأتي لأنها كما أشرت محافظة استراتيجية هامة كما برز منها رجال دولة وزعماء سياسيين ومناضلين وطنيين، ولم يحدث في التاريخ المعاصر أن ثلاث شخصيات من محافظة يمنية تداولوا كرسي رئاسة الجمهورية إلا من محافظة أبين، وأيضا لا تنسى فقيد الوطن الراحل محمد علي هيثم رئيس الوزراء وعضو مجلس الرئاسة. الأحداث والصراعات في عهد الوحدة اليمنية طوال 35 عاما أيضا استهدفت أبين وإلى الآن.

عند إعلان الوحدة اشترط مسؤولو الجنوب خروج الرئيس علي ناصر محمد ورفاقه من محل إقامتهم في صنعاء. وجاءت حرب صيف 94 الظالمة التي اجتاح فيها الشمال الجنوب. لم تسلم أبين من الصراع وإن كان رموزها وليس جميعهم وقفوا مع الرئيس الراحل صالح.

لكن على الأرجح تنفسوا الصعداء مؤقتا، ومن حسن الحظ وصول عبدربه منصور هادي إلى رئاسة الجمهورية ليضيف إلى تاريخ المحافظة المتميزة في إنتاج الرؤساء والزعماء.

لكن بالمقابل تم الانتقام من أبين أرضاً وإنساناً، وحُشد لها قوات من معسكرات النظام السابق ليلتموا مع عناصر تنظيم القاعدة، وتمكنوا في مسلسل درامي دامي لم يسبق له مثيل من تنفيذ عمليات اغتيالات لشخصيات وضباط وقيادات من أبين، إضافة إلى تفجير مباني الدولة في المديريات وعاصمة المحافظة زنجبار وجعار وغيرها».

واستطرد: «لكن السيناريو الرهيب والمرعب الذي اتجه إلى محافظة أبين توج باجتياح مدنها وعاصمتها والسيطرة عليها كاملا باستثناء مديرية لودر التي صمدت وتصدى أبناؤها للاجتياح. هذا المشهد المرعب أرغم السكان عامة في العاصمة زنجبار وجعار وغيرها إلى مغادرة منازلهم والنزوح إلى عدن ومحافظات لحج وحضرموت وغيرها تاركين ديارهم في وضع مأساوي يندى له جبين الإنسانية وتحولت أبين إلى مسرح لصراع وتصفية حسابات محلية وإقليمية ودولية لأن فيها ارهابيين مطلوبين دوليا من أمريكا».
  • الحرب على الإرهاب
وتابع العميد مقراط: «حسناً، دُمرت أبين وذبحت من الوريد إلى الوريد وتحولت إلى ساحة حرب ضد تنظيم القاعدة نيابة عن المجتمع الدولي الذي يحارب الإرهاب. لكن رغم ذلك وانتهاء بحرب القاعدة وتحريرها في العام 2012 بقيادة محافظها آنذاك جمال العاقل واستشهاد قائد معركة السهم الذهبي اللواء البطل سالم قطن في عمل إرهابي غادر.

بعد انتهاء مسرحية حرب الإرهاب لم يقدم المجتمع الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية أية تعويضات للضحايا وإعادة الإعمار، بما في ذلك مجزرة منطقة المعجلة التابعة لمديرية المحفد بأبين، الذين قصفهم الطيران الأمريكي في إبادة جماعية لعشرات المواطنين بينهم نساء وأطفال ورجال مدنيين.

ويرى أن استهداف أبين ورموزها استمر بعد الحرب ضد الحوثيين في العام 2015، «حيث تم الإعداد لصراع داخلي جنوبي- جنوبي، وتم رسم المخطط الجديد من الخارج. تفجرت أحداث آب 2019 كان المهندس أحمد الميسري نائب رئيس الوزراء ووزير الداخلية حينها، وهو من أبرز الرموز الوطنية من أبين إلى جانب الرئيس عبدربه منصور هادي المقيم في الرياض.

تفجرت الأحداث الداخلية وهدفها خروج الميسري الذي ينتمي إلى أبين فهُزمت قوات الحماية الرئاسية والقوات الشرعية واجتاحت قوات المجلس الانتقالي الجنوبي معسكراتها، وانتقلت هذه الوحدات إلى محافظة أبين ومعظم مقاتليها ينتمون إلى أبين، وتم ملاحقتهم وصولاً إلى شبوة، وفي العام 2020 عادت ألوية الشرعية للملمة جنودها وتمركزت في شقرة والعرقوب وغيرها، فتم إعداد سيناريو خارجي آخر، وفي رمال صحراء شقرة والطرية ووادي سلاء دارت حرب دامية دون سبب أو هدف وطني حتى اقتنع الإخوة الأعداء بأنه لا جدوى من نزيف الدم. فتدخل مندوبون من الأشقاء في التحالف العربي وأوقفوا إطلاق النار بعد سفك دماء بريئة».

ويعتقد مقراط أن «الواقع اليوم في هذه المحافظة المنكوبة مزري رغم جهود ومحاولات وسعي السلطة المحلية لإعادة انتشالها من تحت ركام الحروب والاستهداف الممنهج.

لكن ما زالت هناك حرب استنزاف في وادي عومران شرق مدينة مودية منذ ثلاث سنوات لم تأت بنتيجة للقضاء على عناصر تنظيم القاعدة، هناك أيضًا مخططات لإشعال كثير من الفتن بالمحافظة لتدمير ما تبقى من نسيجها الاجتماعي. الحصيلة في المشهد الراهن أن محافظة أبين شبه مقصية من الوجود والحضور السياسي والسلطوي في القرار.

أبرز رموزها الأحرار الفاعلة وصاحبة القرار والثقل والوزن المؤثر في المنفى.

ولا يوجد من يمثلها ويطرح معاناتها بقوة أكان في الشرعية أو سلطة الأمر الواقع المجلس الانتقالي الجنوبي».

وقال إن محافظة أبين والوطن عامة بأمس الحاجة إلى رموز حقيقية قوية من رجالات الدولة الذين يخدمون البلد في هذا الظرف العصيب وأن لا مخرج إلا بمشاركة النخب الأكثر حضورا وتأثيرا.
  • ماذا بعد؟
فيما يرى أمين عام حزب التجمع الوحدوي اليمني، عبدالله عوبل، أن «أبين وكل محافظات الجنوب في مناطق نفوذ الحكومة المعترف بها دوليًا تحتاج إلى تنمية وخدمات وفتح مجال الاستثمار وإصلاح البنية التحتية والقضاء، ودمج الميليشيات المختلفة في وزارتي الدفاع والداخلية وإكسابها طابعًا وطنيًا.

إن استخدام القوة في النزاعات الداخلية لن يوفر الاستقرار حتى وإن بدى لطرف أنه يملك فائض القوة، فإن جيوشًا كبيرة تسقط في أيام إن لم تكن في ساعات. التفاهم والحوار والمواطنة واحترام القانون هي عوامل الاستقرار وليس القوة وحدها، سوى ذلك مزيد من الخراب والدمار».