تعريف تفسير القرآن التفسير في اللغة هو: البيان والكشف للمعاني المقبولة والمقصودة، أمّا في الاصطلاح الشرعيّ؛ فهو: علمٌ يبحث في بيان كيفيّة فَهْم ألفاظ القرآن الكريم، وكشف ما فيه من دلالاتٍ، وأحكامٍ، وتراكيب، ومعانٍ.
يُعرّف أيضًا بأنّه: كشف وبيان المعنى المُراد من اللفظ القرآنيّ، وقد عرّف الزركشيّ التفسير بأنّه: "علمٌ يُفهم به كتاب الله -تعالى-، المُنزل على نبيّه محمّدٍ -صلّى الله عليه وسلّم-، وبيان معانيه، واستخراج أحكامه وحُكمه".
- نشأة علم التفسير
واقتصروا على ما ورد عن النبيّ - صلّى الله عليه وسلّم - في التفسير، وبذلك نشأت مدرسة التفسير الأولى، التي عُنيت بما ورد عن النبيّ -عليه الصلاة والسلام-، ثمّ المدرسة الثانية التي أضافت على الأولى ما اجتهدوا فيه؛ وفقًا للقواعد والضوابط المحدّدة في التفسير.
- فَضْل تفسير القرآن الكريم
فضَّل الله - تعالى- علم التفسير، وشرّف أهله، ورفع درجاتهم، لذلك فإنّ العلم بالقرآن من أفضل العلوم، إذ إنّه جامعٌ لعددٍ من العلوم النافعة؛ كأصول الإيمان، والمسائل الفقهيّة، والآداب، والأخلاق، والسلوك، كما ذُكرت فيه قصص الأنبياء والأمم السابقة.
الدلالة على كيفيّة الاعتصام بالله -تعالى- من الضلالة، فالاعتصام لا يكون إلّا بفَهْم ما أنزل الله في القرآن، واتّباع ما ورد فيه من الهُدى والحقّ.
وُرثَ علم التفسير عن النبيّ -عليه الصلاة والسلام-، إذ إنّ المفسّر وارثٌ للنبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، فالمُفسّر مُبيّنٌ ومُبلّغٌ لدعوة النبيّ. تفضيل المفسّر على غيره؛ إذ إنّه يدخل في زُمرة خيريّة الأمة، كما أخرج الإمام البخاريّ في صحيحه، عن عثمان بن عفّان - رضي الله عنه - أنّ النبيّ - عليه الصلاة والسلام- قال: (خَيْرُكُمْ مَن تَعَلَّمَ القُرْآنَ وعَلَّمَهُ).
أساليب تفسير القرآن تعدّدت أساليب تفسير القرآن عن العلماء، وهي كالآتي:
الأوّل: التفسير التحليليّ وهو الالتزام بتسلسل النّظم القرآنيّ، بتفسير سورةٍ سورةٍ، وآيةٍ آيةٍ، وهو الأسلوب الذي سار عليه العلماء القُدامى إلّا القليل منهم. الثاني: التفسير الإجماليّ ويكون بالتزام المُفسّر بالتسلسل القرآنيّ، بتفسير سورةٍ سورةٍ، ثمّ تقسيم الآيات القرآنيّة إلى موضوعاتٍ محدّدةٍ، بحيث يكون كلّ موضوعٍ لها مجموعةٌ من الآيات، فتُفسّر معاني الآيات تفسيرًا مُجملًا، وتُبيّن مقاصد السُّور، وتُوضّح معانيها.
الثالث: التفسير المُقارن ويكون بعودة المفسّر لمجموعةٍ من الآيات في سورةٍ واحدةٍ وموضعٍ واحدٍ، ليذكر أقوال المفسّرين السابقين، ويوازن ويُقارن بينها، مع نَقْد المفسّر للضعيف منها، وتأييد الصحيح.
الرابع: التفسير الموضوعيّ ويكون بالاعتماد على موضعٍ واحدٍ، ثمّ جَمْع كلّ الآيات المُتعلّقة بذلك الموضوع، ثمّ تفسير كلّ الآيات مجتمعةً، للوصول إلى الحكم النهائيّ للموضوع في القرآن الكريم.
أنواع ومناهج تفسير القرآن:
- التفسير بالمأثور
ولا يصحّ الاجتهاد فيه بيان المعنى دون دليلٍ عليه، ويعدّ التفسير بالمأثور من أجلّ أنواع التفسير وأفضلها، وقد وردت العديد من المؤلفات في التفسير بالمأثور، ومن أهمّها: جامع البيان عن تأويل آي القرآن، لمحمد بن جرير الطبريّ.
- أمثلة تفسير القرآن بالقرآن
*بيان المُجمل في قَوْله -تعالى-: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُم بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّـهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ))، بقَوْله: ((حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ)).
*تقييد المُطلق في قَوْله -تعالى-: ((حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ))، بقَوْله: ((قُل لا أَجِدُ في ما أوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلى طاعِمٍ يَطعَمُهُ إِلّا أَن يَكونَ مَيتَةً أَو دَمًا مَسفوحًا أَو لَحمَ خِنزيرٍ)).
*تخصيص العام في قَوْل الله -تعالى-: ((وَلَا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّىٰ يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ))، بقَوْله: ((وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ)).
تفسير قَوْله -تعالى-: ((إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا))، بما جاء بعدها من الآيات، بقَوْله -تعالى-: ((إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا*وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا)).
- أمثلة تفسير القرآن بالسنّة
بما ثبت عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه قال: (إنَّ اللَّهَ إذا أحَبَّ عَبْدًا دَعا جِبْرِيلَ فقالَ: إنِّي أُحِبُّ فُلانًا فأحِبَّهُ، قالَ: فيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ، ثُمَّ يُنادِي في السَّماءِ فيَقولُ: إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلانًا فأحِبُّوهُ، فيُحِبُّهُ أهْلُ السَّماءِ، قالَ ثُمَّ يُوضَعُ له القَبُولُ في الأرْضِ، وإذا أبْغَضَ عَبْدًا دَعا جِبْرِيلَ فيَقولُ: إنِّي أُبْغِضُ فُلانًا فأبْغِضْهُ، قالَ فيُبْغِضُهُ جِبْرِيلُ، ثُمَّ يُنادِي في أهْلِ السَّماءِ إنَّ اللَّهَ يُبْغِضُ فُلانًا فأبْغِضُوهُ، قالَ: فيُبْغِضُونَهُ، ثُمَّ تُوضَعُ له البَغْضاءُ في الأرْضِ).
أخرج الإمام البخاريّ في صحيحه عن عبدالله بن مسعود -رضي الله عنه-: ( لَمَّا نَزَلَتْ ((الَّذِينَ آمَنُوا ولَمْ يَلْبِسُوا إيمَانَهُمْ بظُلْمٍ)) [الأنعام: 82] شَقَّ ذلكَ علَى المُسْلِمِينَ، فَقالوا: يا رَسولَ اللَّهِ، أَيُّنَا لا يَظْلِمُ نَفْسَهُ؟ قالَ: ليسَ ذلكَ إنَّما هو الشِّرْكُ أَلَمْ تَسْمَعُوا ما قالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وهو يَعِظُهُ ((يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ باللَّهِ إنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ)) [لقمان: 13].
تفسير قَوْله -تعالى-: ((وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ))،بِما ثبت عن عبدالله بن مسعود -رضي الله عنه- أنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- قال: ((يُؤْتَى بجَهَنَّمَ يَومَئذٍ لها سَبْعُونَ ألْفَ زِمامٍ، مع كُلِّ زِمامٍ سَبْعُونَ ألْفَ مَلَكٍ يَجُرُّونَها)).[24] تفسير قَوْله -تعالى-: ((فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ))،[25] بِما ثبت في صحيح البخاريّ عن عائشة أمّ المؤمنين -رضي الله عنها-: (ما صَلَّى النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ صَلَاةً بَعْدَ أنْ نَزَلَتْ عليه: ((إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ والفَتْحُ)) إلَّا يقولُ فِيهَا: سُبْحَانَكَ رَبَّنَا وبِحَمْدِكَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي).
- أمثلة تفسير القرآن بأقوال الصحابة
قال ابن عبّاس -رضي الله عنهما-: "نعيت لرسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- نفسه حين أنزلت، فأخذ في أشدّ ما كان اجتهادًا في أمر الآخرة"، في تفسير قَوْله -تعالى-: ((إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ)).
فسّر ابن عبّاس -رضي الله عنهما- كلمة الأبّ الواردة في قَوْله -تعالى-: ((وَفَاكِهَةً وَأَبًّا))، بأنّه العلف الذي تأكل منه الدوابّ.
فسّر ابن مسعود -رضي الله عنه- قَوْله -تعالى-: ((وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا))، بأنّ المُستثنى من الإظهار الزّينة الظاهرة للثياب.
فسّر ابن عبّاس -رضي الله عنهما- قَوْله -تعالى-: ((فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىٰ يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّـهُ إِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ))، قائلًا: "فَإِذَا تَطَهَّرنَ أي: اغتسلْنَ".
التفسير بالرأي
يُراد به: تفسير القرآن وِفْقاً لاجتهاد المفسّرين، ومعرفتهم وعلمهم باللغة العربيّة، والأصول التي يقوم عليها التفسير، ومن الأمثلة على كتب التّفسير بالرأي: تفسير البيضاويّ، وتفسير النسفيّ، والكشّاف للزمخشريّ، ويعد تفسير الزمخشريّ من أشهر التفاسير بالرأي.
وتجدر الإشارة إلى أنّ التفسير بالرأي يتفرّه إلى نوعَين:
الأوّل: تفسيرٌ محمودٌ
وهو ما وافق قصد المُشرّع، وِفْق قواعد وضوابط اللغة العربيّة، وأساليب عرض الآيات القرآنيّة، اتّباعًا لطريق الحقّ والهُدى، وبُعدًا عن الهوى، وطلب السُّمعة.
الثّاني: التفسير المذموم
وهو التفسير القائم على غير علمٍ، سواءً باللغة العربيّ، أو التشريعات الإلهيّة، بل باتّباع الهوى والمذهب، ممّا يؤدّي إلى حَمْل كلام الله على غير المعنى المُراد، الذي لا يليق بكلام الله -سُبحانه-، وقد يؤدّي إلى التحدّث بأمورٍ لا يعلمها إلّا الله، ويترتّب عليه الإثم.
التفسير الإشاري
يُراد به: تأويل وتفسير القرآن على غير المعاني الظاهرة منه، أيّ بالإشارات الخفيّة، وذلك لا يظهر إلّا لأهل العلم، المتدبّرين لكتاب الله -تعالى-.
التفسير الفقهيّ
اعتنى التفسير الفقهيّ بالآيات التي تناولت الأحكام الشرعيّة، والتي تُدعى آيات الأحكام، فقد اهتمّ المُفسّرين ببيان الأحكام الشرعيّة التي تضمّنتها الآية، ومناقشة أوجه الاستدلال في الآية، وكيف اختلفت أفهام الفقهاء في تفسيرها.
وقد تعدّدت كتب التفسير الفقهيّ التي صُنّفت في كلّ مذهبٍ، ومن أهمّها: كتاب تفسير أحكام القرآن للجصّاص، وكتاب تفسير الجامع لأحكام القرآن لأبي عبد الله القُرطبيّ، وكتاب أحكام القرآن للبيهقيّ.
- أهميّة علم تفسير القرآن
ومن جهة الحاجة؛ فإنّ أمور الحياة الدُّنيا أو الدنيويّة مفتقرةٌ للعلوم الشرعيّة، والمعارف الدينيّة، وذلك متوقفٌ على العلم التام بكتاب الله -تعالى.
- شروط المفسّر
* العقيدة السليمة
إذ إنّ للعقيدة الأثر الكبير في النَّفْس، فقد تكون سببًا في انحراف النُّصوص، والزيادة أو النقصان في نقل الأخبار، وتأويل الآيات بما يُضلّ عن طريق الهُدى والحقّ.
*البُعد عن الهوى
بعدم السَّير في سبيل تحقيق الهوى، ونُصرة المذهب والاعتقاد، وإضلال النّاس بالكلام اللين واللطيف.
*البدء بتفسير القرآن بالقرآن
إذ إنّ المُجمل في موضعٍ قد يُفصّل في موضعٍ آخرٍ، والمُختصر قد يُبيّن أيضًا.
*البحث عن تفسير الآيات في السنّة النبويّة
إذ إنّها جاءت مبيّنةً لِما ورد في القرآن الكريم.
*الرجوع إلى أقوال الصحابة -رضي الله عنهم-
ذلك لأنّهم شَهِدوا التنزيل، وعاصروا الأحوال والوقائع التي وقعت زمن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-.
*الرجوع إلى أقوال التابعين
ذلك عند انعدام التفسير في القرآن، والسنّة، وأقوال الصحابة، ومن التابعين: مجاهد بن جبر، وسعيد بن جُبير، والحسن البصريّ، وعكرمة مولى ابن عباس، وسعيد بن المسيّب، وقتادة، والضحّاك، وغيرهم.
*الإلمام باللغة العربية، وعلومها
إذ لا يُمكن فَهْم القرآن إلّا بعد معرفة مفردات الألفاظ، ومعرفة دلالاتها، ووجوه الإعراب والتصريف.
*العلم بعلوم القرآن؛ كعلم القراءات
إذ يُمكن من خلاله معرفة كيفية النطق بالقرآن، والترجيح بين وجوه القراءة، ومنها أيضًا:
علم التوحيد؛ لئلا يُفسّر لفظٌ بصورةٍ تخالف ما ورد في حقّ الله -تعالى-، ومن العلوم أيضًا: علم أصول التفسير، والنّاسخ والمنسوخ، وأسباب النّزول، وغيرها.